تحيي الفنانة التشكيلية العصامية فاطمة الزهراء اليماني الذكرى التأسيسية الأولى للفضاء الإبداعي “فافا اليماني فاطمة الزهراء ” ( إقامة بفرلي هاوس المحمدية)تحت شعار “إبداع وتجديد” ، وذلك يوم الأحد 14 ابريل الجاري ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال. تتميز وقائع هده الذكرى ب عرض منفرد للأزياء الفنية من تصميم مخيلتها الإبداعية التي تجمع بين الأصالة و المعاصرة وتراهن على التحديث و التجديد إضافة إلى معرض لوحاتها الفنية ذات الأبعاد التعبيرية الموحية .
وجوه ليست ككل الوجوه !
أبانت الفنانة التشكيلية العصامية فاطمة الزهراء اليماني عن حس إبداعي مرهف خلال معرضها الفردي الأخير بمقر الرابطة الفرنسية المغربية بمدينة الجديدة. فمنجزها البصري عبارة عن سجلات تعبيرية متتالية تتخذ من الوجوه الملغزة بؤرتها المشهدية دون السقوط في اجترار أي نموذج قبلي، فهي ليست فنانة مقلدة، ومنفذة موديلات، بل تحاول بطريقتها الخاصة سبر أغوار السرائر النفسية، مفصحة عن انطباعاتها الداخلية عبر معالجة تلوينية مقتضبة وموحية على شتى المستويات.
تحمل كل لوحة تعبيرية أبدعتها قريحة الفنانة فاطمة الزهراء اليماني رؤية جديدة في تضاعيفها مسكونة بسؤال التحديث الجمالي الذي ينصت بعمق لكل التحولات المعاصرة على المستوى الفكري والاجتماعي. إن منجزها التشكيلي معادل رمزي لعالم اللون والشكل معا في علاقة تفاعلية مع التداعيات الجوانية، الأمر شبيه بميكروكوزم داخل الماكروكوزم العام.
لقد أبدعت الفنانة فاطمة الزهراء اليماني لوحات لافتة ومحيرة تستمد علة وجودها من الأسرار الداخلية التي تسكن الكائنات والأشياء، همها الوحيد هو تقديم صياغة جديدة للأشكال / الألوان وللخطوط / الحركات خارج كل نمطية أو أحادية تصويرية. إن لغة هذه الفنانة الحالمة التي خبرت أعماق الوجوه الآدمية قريبة من مدرك المتلقي البسيط لأنها تعكس عبر جوانية الذات برانية العالم بكل هواجسه وهمومه الجمالية والمعرفية في آن معا. فهي من الفنانات المساهمات في الارتقاء بالأذواق والانتظارات عن طريق فن اختزالي « minimaliste » يقوم على الاقتصاد، والتشذير والإيحاء. هكذا، يصبح العمل التشكيلي لدى فاطمة الزهراء اليماني موقفا شعبيا، وتعبيرا تلقائيا دون ادعاء أي قطيعة مع السائد والمعياري. الثابت في هذا المشروع الجمالي هو تقديم حلقة جديدة على مستوى بنيات التلقي البصري في انسجام تام مع ما أكده دنيـس ريو في مؤلفه “ما هو الفن الحديث ؟ “.
زاوجت هذه المبدعة بين قيم الأصالة والمعاصرة، مرجعها في ذلك هو الحاضر المتجدد والممتد مع الماضي، والمستشرف للمستقبل. يا لها من قوة حية تحمل ثقل الذات في صمتها الخفي، وتحاور عوالم الخيال والوجدان والذوق الذاتي.
تشتغل الفنانة فاطمة الزهراء اليماني في إطار فرداني وضمن مشروع جمالية شخصية دون الانخراط بالضرورة في ما يصطلح عليه ب “حلقة اللاشكليين”. إنها مخلصة لأحلامها الرومانسية التي تعيد تأويل الحاضر بوصفه علامة بارزة على الهنا والأنا والآن. يتعلق الأمر بتجربة اللاحدود بكل روافدها المتنوعة والمتراكبة. نبض اللوحة مرادف لنبض الذات في دهشتها وحيرتها الوجودية. حساسيتها تعز عن الوصف والتحليل لأنها بكل بساطة تبحث في أقاليم الخيال عن القارات المجهولة لتعابير الوجوه الأنثوية ومحيطاتها السرية. تراهن على الاقتضاب، والتركيب، والانتقائية، والعبور من السجلات البصرية وفق منطق الكشف والاستكشاف. الوجوه مسالمة ومتصالحة مع ذواتها، فهي تنم عن تعايش سلمي بين الكائنات وعوالمها الخارجية المحيطة بها. تبدع فاطمة الزهراء اليماني في ضوء مغامرة حداثية ضد التكرار، والتصادي، والاستنساخ، والتفكيك.
خزان حافل بالتعبيرات والإشراقات
إنها من الفنانات التشكيليات اللواتي درجن على البحث الدائب عن صيغة جمالية فريدة، مهجوسات بنهج أسلوب صفائي « puriste » يتسم بالتبسيط، والصفاء، والوحدة كما ذهب إلى ذلك الباحث ييف بوازفير (عالم ما بعد الحداثة).
في أحضان تجربتها التشكيلية، ندرك جيدا بأن الماضي ليس إرثا جامدا، بل هو خزان حافل بالبدائل والإبدالات، وغني بالتعبيرات والإشراقات. الكل يحتكم لقاعدة الذوق الجمالي الشخصي. من هنا، فكل لوحة أفق مشرع على تجارب وحساسيات : أفق بصري مغاير جعل من المصالحة رهانا ومن الجديد عنوانا، ومن الإبداع ترحالا لا ينتهي في أقاليم الوجوه المجازية بحثا عن الغرابة واللامألوف (أتذكر أن كلمة صورة في لسان العرب لابن منظور تعني الوجه بعلاماته الرمزية).
إن وجوه فاطمة الزهراء اليماني ليست ككل الوجوه المألوفة. فهي تتخلص من الانطباعات الواقعية، ومن تقديس التفاصيل الصغيرة، وتحويلها إلى طقس من طقوس العبور نحو ملكوت الجمال الروحي. نحن بصدد شعرية الملامح والنظرات التأملية التي تتجاوز وثوقية الإدراك البصري المتواضع عليه، وتتحرر من صدمة الأحاسيس التعبيرية الموحشة، مكرسة ميثاقا بصريا جديدا يتدرج من اللامرئي إلى المرئي، ومن المجرد إلى المحسوس. إننا أمام مجاز بصري مسترسل حول اللوحة إلى أرض متخيلة، كما حول الوجه إلى قصيدة بالمعنى الهيدغيري، أي كجوهر وجودي وكمسكن للحقيقة وللكائن. فوجوه اللوحات كلها خيال في خيال، وهي مرتبطة بالتنوع والتعدد لا بالوحدة والتنميط. إنها الهوية التعددية للظاهر والباطن معا، هوية تتجاوز العلاقة المرآوية بين الصورة ومرجعها العام بكل إيحاءاتها العقلية والجسدية والخيالية.
هذا هو سر افتتان فاطمة الزهراء اليماني بالوجه بوصفه تضعيفا « redoublement » للعلامة / الجسد أو بتعبير آخر علامة العلامة. فالوجه كالكلام مقيم في الحضرة الحيوية للذاكرة والروح « Psyché ». إنه العلامة الدالة على الكائن.
> عبد الله الشيخ *