وأنا أتصفح المجلد الكبير عن أمثال الشعوب، أجدني منغمسا بتلك التراكيب اللغوية التي أخرجت تلك الأمثال وراح الناس من دون تفكير عميق يحفظونها ويرددونها، وفي الغالب تطغى عليها اللهجة الدارجة العامية التي تحتاج أحيانا لشرح من فئات تعلمت اللغة الفصحى وتجهل العامية.
أدقق في فحوى الأمثال وأتفحص دلالتها مع مدققي اللهجات الشعبية ممن أخذتهم العامية في التفكير والكتابة وباتت وسائل الإعلام التقليدية ووسائطها تكثر من تداولها في برامج الفضائيات العربية، حتى صار الذين يتحدثون الفصحى “يتمنطقون” من وجهة نظر العامة الذين أخذت مسامعهم تلتقط الشائع والدارج في اللغة والحديث أكثر.
غالبا ما تكون الأمثال سيدة الاستدلال في الحديث بين متحاورين تميزوا عن غيرهم بأنهم نزلوا الأرض وتركوا النجوم التي كانوا يحلقون فيها عند الحوارات الساخنة في مناقشة أحوال الناس بالفصحى، وشؤون العامة حتى امتلأ فضاء القنوات الفضائية بمتحدثي الأمثلة الشعبية، إلى الحد الذي يحتاج المتلقي الفصيح إلى مفسر لتلك الأمثال إلى حد يقول مذيع نافذ (اللي يدري يدري والمايدري قبضة عدس) فيسأله دكتور وما علاقة العدس بالموازنة العامة، فيذهب برلماني مشارك ليقص قضية تخصيص حصة العدس من رئاسة الوزراء كمكرمة على الحصة التموينية!
وكأن الحوار لعبة كلمات متقاطعة أو لعبة (حية ودرج) حيث تنزل الأفعى في اللعبة الفائز إلى الأسفل كلما وقع بفمها رقم النرد.
زميل صحافي عزيز يحمل الدكتوراه راح مكرسا عمودا يوميا عن معنى الأمثال الدارجة وصار نجما جراء حاجة الناس لفهم مغزى الأمثال الشعبية التي تتوارثها الناس لتفهم معناها كي لا تقع في مطبات سوء التفسير عندما يقال لممثلة “اللي اختشوا ماتوا” وهي لا تعرف قصة ودلالة تلك الشتيمة من العيار الثقيل.
وفي كتابه القيم “الأمثال العامية” بقلم العلامة المحقق أحمد تيمور باشا الذي يقدم شرحا لأكثر من ثلاثة آلاف مثل شعبي مصري عن تعابير شاعت على لسان المصريين، حتى صار مرجعا وقاموسا عن حياة الشعب المصري خاصة والعربي عامة، يكشف بعمق عن ثقافة المصريين وحكمتهم ومناسبة قولهم للأمثال بتتبع عجيب وجهد أعجب.
وفي العراق حذى حذوه الباحث المؤرخ عبدالرحمن التكريتي، في كتابه جمهرة الأمثال البغدادية الذي جمع الآلاف من الأمثال التي شاعت على ألسنة الناس منذ العصر العباسي وجمعها بأكثر من ثلاثة آلاف صفحة تكشف عن أحوال العامة وخلاصة خبراتهم.
وتبقى الأمثلة الشعبية التي يتعكز عليها إعلاميونا اليوم خلاصة لغوية عن حكمة الشعوب ودراية قناعات العامة دون نقاش عن مسوغات تكرارها، لا بد من تريسها أو التثقيف بأصولها.
> صباح ناهي كاتب عراقي