شكلت الانتخابات الجماعية الماضية لسنة 2015 منعطفا جديدا في مسار تدبير الشأن المحلي، ببلدية الهراويين بإقليم مديونة، بعد انتخاب المصطفى صديق رئيسا لها. ورغم المشاكل الكبرى التي ورثها المجلس الجديد عن المجالس السابقة، بدءا بانعدام مقر للجماعة، ومشاكل إدارية ومالية ولوجيستيكية أخرى متعددة، ناهيك عن ظاهرة البناء العشوائي. فقد تمكن المجلس منذ انتخابه من وضع خارطة طريق، ظهرت معالمها بشكل كبير في المجهودات التي بذلها المجلس، من خلال تنظيم التدبير الإداري، ومحاربة الرشوة، ورقمنة مصلحة الحالة المدنية ومكتب الضبط ومصلحة الرخص التجارية والجبايات والتعمير، ناهيك عن مشاريع كبرى.
وكانت أولى مظاهر التغيير في البلدية، العمل على الرفع من مداخيل ميزانية الجماعة، من خلال فرض الضريبة على الأراضي غير المبنية TNB، لتتمكن الجماعة من تحقيق أول فائض سنة 2016، كان قد بلغ 50 مليون سنتيم، وهو أول فائض تحققه الجماعة منذ تأسيسها كجماعة قروية سنة 1992، ثم تحقيق فائض ثان كان قد بلغ 540 مليون سنتيم سنة 2017، ثم تحقيق أكبر فائض كان قد بلغ822 مليون سنتيم سنة 2018 وهو أكبر فائض يتم تحقيقه في إقليم مديونة.
كما تم في عهد المجلس الحالي، على سبيل المثال لا الحصر، توقيع اتفاقية مع وزارة السكنى تبلغ قيمتها 20 مليار سنتيم من أجل إعادة هيكلة منطقة الهراويين الشمالية، التي تعرف اليوم تقدما مهما في الأشغال، من خلال إنشاء الطرق، والمسالك، ومد قنوات الماء الصالح للشرب، والإنارة العمومية، ناهيك عن إنشاء طرقات أخرى بالبلدية وتحويط المدرسة وتأهيلها، وبناء دار الشباب وتحويط المقابر، وإنشاء حديقة للعموم ومحطة للطاكسيات، ناهيك عن جلب وانجاز مشاريع مهمة.
لكن يبدو أنه بقدر ما خلفت هذه الانجازات والمجهودات أصداء طيبة في نفوس الساكنة، أثارت حفيظة البعض، خصوصا الذين ألفوا الإصطياد في الماء العكر، وعدم احترام القانون، بعدما كونوا ثروات هائلة على حساب المستضعفين، حولوا فيها جماعاتهم التي كانوا يرأسونها إلى “ضيعات” ملحقة لأملاكهم، وساهموا في تفريخ آلاف من البراريك القصديرية، (المكانسة) تحولت مع مرور الوقت إلى خزان انتخابي لهم.
ويبدو أن بعض هؤلاء، أصبحت اليوم، مصالحهم الشخصية مهددة، بفعل تطبيق القانون والحكامة المتبعة في تدبير الشأن المحلي بالبلدية، كما هو الحال بالنسبة لفرض الضريبة على الأراضي غير المبنية، التي دفعت بأحد البرلمانيين بالدار البيضاء الذي لا تربطه أية علاقة ببلدية الهراويين، سوى عشرات من العقارات التي أصبحت تحت نفوذ البلدية، بعد التقسيم الإداري لسنة 2009، إلى شن حملة على رئيس المجلس البلدي شخصيا، لا لشيء، إلا لأن هذا البرلماني نفسه يرفض أداء مابذمته من ديون الضريبة.
وهكذا استغل صفته البرلمانية لتوجيه أسئلة إلى بعض الوزارات، لا تهم سوى مصالحه، في الوقت الذي كان فيه مطالبا بالامتثال للقانون واحترامه، ولم يتوقف المعني بالأمر عند هذا الحد، بل “نجح” في استمالة بعض أعضاء مكتب المجلس، وأدخلهم في دوامة، جعلهم يتناقضون مع أنفسهم، كما هو الحال بالنسبة لبعض رؤساء اللجن بالمجلس، الذين يصدرون مجموعة من التوصيات في ختام أشغال اللجن، لكن أثناء انعقاد الدورة يصوتون ضد التوصيات التي اتفقوا عليها، مثال آخر، يتعلق ببعض أعضاء المكتب وهم ثلاثة، يضعون نقطا في جدول أعمال الدورة، لكن أثناء انعقاد الدورة، يصوتون ضد النقط التي اقترحوها، مما جعلهم موضوع شفقة من طرف المواطنين. لكن قمة العبث، أن يرفض هؤلاء الأعضاء، التصويت في دورة استثنائية مخصصة لنقطة فريدة مقترحة من طرف السلطة الإقليمية في شخص السيد عامل إقليم مديونة، تتعلق ببرمجة الفائض في شراء آليات النظافة.
ويبدو أن البرلماني المذكور، يحاول بكل الطرق إجهاض هذه التجربة الجماعية المتميزة، إذ لم يكتف فقط بتأليب بعض الأعضاء ضد الرئيس وضد المصلحة العامة، وتوجيه شكايات لعدد من الجهات، ضمنها السلطة الإقليمية الجديدة، كل هذا فقط، لأن الجماعة طلبت منه أداء مابذمته من ضرائب.
وللتوضيح أكثر، فالبرلماني المذكور، وبحسب عدة مصادر، فبصفته المالك لعدة رسوم عقارية بتراب جماعة الهراويين، قد سبق له أن حصل على رخصة البناء سنة 2014، مستفيدا من إعفاء عن الرسم عن الأراضي الحضرية غير المبنية بموجب شهادة مسلمة من طرف شركة ليديك في نفس السنة، إلا أنه بعد انصرام آجال 3 سنوات، لم يحصل على شهادة المطابقة ليستفيد من الإعفاء برسم السنوات المتبقية، الأمر الذي أصبح به ملزما اتجاه جماعة الهراويين بمبلغ 1670698.00 درهم عن سنوات 2015، 2016، 2017، و2018، ويبدو أن هذا هو مربط الفرس، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال، بحسب المصادر المطلعة على واقع الجماعة، حيث لم يستسغ المعني بالأمر، أن يؤدي مابذمته لفائدة البلدية.
تجدر الإشارة، إلى أن المعني بالأمر استصدر حكما قطعيا بإلغاء الرسم عن الأراضي الحضرية غير المبنية لدى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، بتاريخ 12 يوليوز 2019، وهو الحكم الذي استأنفته البلدية أمام محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.
وللتذكير، فقد استفاد البرلماني المذكور من الإعفاء كباقي المواطنين من الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية بموجب شهادة مسلمة من شركة ليديك سنة 2018، تبين أن الرسم العقاري يوجد بمنطقة تنعدم بها شبكة الماء الصالح للشرب مثله مثل باقي ملاك الرسوم العقارية بالمنطقة اللوجيستكية التابعة لجماعة الهراويين دون تمييز بين أحد، وبعد ذلك، حصل على رخصة البناء عدد بتاريخ 12 نونبر 2018، ليبقى معفيا من الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية إلى حدود نهاية سنة 2021، بعد أن يحصل على شهادة المطابقة استنادا الى المادة 42 من القانون 06 على 47 المتعلق بالجبايات المحلية، كما انه حصل على رخصة استغلال محطة للبنزين سنة 2008.، عندما كان الرسم تابعا لنفوذ مقاطعة اسباتة جماعة الدار البيضاء، لكن، بعد التقسيم الإداري لسنة 2009، أصبح تابعا لبلدية الهراويين، ومنذ ذلك التاريخ، وهو يحصل على رخص تعديلية للبناء، ليتم استغلال مقهى ومطعم وقاعات للأفراح وشركة لبيع الرخام ومحطة لفحص السيارات، فوق نفس الرسم دون الحصول على التراخيص اللازمة لذلك وكذلك دون الحصول على شهادة المطابقة، مما يعتبر تحديا سافرا للقوانين المعمول بها في هذا الإطار.
المعني بالأمر، كان يستغل صفته البرلمانية وكذا الحزبية، بإجراء تصاميم تعديلية كل سنة، في حين أن القانون واضح في هذا الشأن، خصوصا على المستوى الجبائي الذي يعمل بالترخيص الأول.
وبما أنه لايؤدي مابذمته لدى القابض، فإن مصالح جماعة الهراويين، تقوم بإعداد أوامر الاستخلاص كل سنة وتوجهها إلى قابض قباضة مولاي رشيد، قصد تحملها ومتابعته بما يخول له القانون طبقا لمدونة تحصيل الديون العمومية. فهل يمتلك البرلماني المذكور الشجاعة ليخبر كل من راسلهم سابقا في الموضوع، أو اتصل بهم شخصيا، ليكشف لهم عن هذه الحقائق، ويقول لهم بكل بساطة، أنه لم يكن يؤدي الضرائب على رسومه العقارية قبل التقسيم الإداري لسنة 2009، وأن الحل الوحيد في نظره، هو شن حملة على رئيس البلدية وتشويه صورته وتبخيس كل مايقوم به، وتأليب الأعضاء ضده، مهما كلفه ذلك من ثمن؟.
> حسن عربي