بعد ذلك أعطى الكلمة للباحثة بشرى الساري، والتي اشتغلت على رواية (مجازفات البيزنطي)، مفككة خطابها انطلاقا من العتبات، سواء العنوان وباقي المداخل والوظائف في علاقة كل ذلك بالمتن الروائي، لتخلص الباحثة في النهاية إلى أن ”مجازفات البيزنطي” رواية حداثية عمدت إلى التلاعب بقواعد التجنيس وتقديم شخصيات «ممزقة» بالإضافة إلى تعدد الأصوات وخاصية الترميز.
الورقة الثانية تقدم بها الباحث طارق التالي حول آخر مؤلفات شعيب حليفي «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله» وبدوره سعى الباحث إلى دراسة هذا النص الإشكالي من ثلاث زوايا: عناصر التبئير وصيغ الخطاب ثم الزمن. كما قارب طبيعة التشذر الروائي ووظائفه والإشارات والتبئرات في علاقاته باللغة والرمز مما جعل من نص «لا أحد…» ينزاح عن الشكل الروائي التقليدي ويبدع شكلا جديدا في حاجة إلى تأويلات للدنو من أفقه المتعدد والإشكالي.
– حدود مفتوحة
في كلمته، تدخل شعيب حليفي بخصوص الدور الثقافي للإبداع في اللحظة الراهنة لانتشال الروح من المستنقعات المرتب لها ترتيبا. واعتبر أن الكتابة تخضع لعدد من الشروط والسياقات.. متحدثا عما تحكم في كتابة نصوصه الأولى (مساء الشوق وزمن الشاوية ورائحة الجنة)، من انبهار بما صنعه التاريخ والمكان في خلق الحياة عبر شخوص هي القيمة الحقيقية المتبقاة. وقال إنه توقف عن كتابة الرواية لعشر سنوات، معتقدا أنه قال ما أراده، خصوصا في رواية «زمن الشاوية»، لكن التحولات العنيفة والقاسية على التخييل أولا وأخيرا، أعادته بقوة إلى السرد فكتب «مجازفات البيزنطي» بعد قرابة عشر سنوات من التجربة السياسية الجديدة بالمغرب والتي جاءت بخطابات جديدة وأحلام شبيهة بتلك التي اعتقدها آباؤنا بُعيد الاستقلال.
عشر سنوات مرت، يضيف شعيب حليفي، شعر خلالها كل مواطن بأنه يريد كتابة/ قول رواية لما وقع وجرى على عكس الخطابات الرسمية التي لها قدرة على تزييف ما يوجد خارج المرايا وداخلها. وهو ما تحفل به رواية «أنا أيضا «التي ستصدر قريبا ببيروت.
أما بخصوص نصه الجديد «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله» فتكلم شعيب عن تجربة جديدة في الكتابة الروائية التي تهدم الحدود بين السيري والغيري، بين الذات الفردية والجمعية، بين التخييل والتأريخ والجلوس على حافة الحدود الملتبسة بينهما. عشرة فصول ممهد لها بنص افتتاحي وملحق، شكلت «الاحتمالات العشر لكتابة رواية واحدة»، وهو عنوان فرعي متعمد للعنوان الرئيسي: «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله».
ومنذ البداية يبدو هذا النص متمردا على التجنيس الكلاسيكي للرواية والسيرة واليوميات؛ ويقف مجازفا ومجددا في رحبة التخييل بنص انكتب على مدار حوْلٍ كامل، شهرا شهرا، وثَّقتُ فيه مشاهداتي بسرود شفافة توزعت على رصد صور في عدد من المواقف والأمكنة، برفقة شخصيات وحكايات تتكامل وتنمو في اتجاهات مختلفة.
وأذكر- يقول شعيب حليفي- أنني حينما شرعتُ في كتابة هذه النصوص… تعمدتُ أن تكون بسمات سرد اليومي المتعلق بهوية الوجدان، خصوصا في بعض التفاصيل التي تهمّني بأشكال مختلفة أو تهم من أحبهم، بدأتُ أشعر بإحساس مختلف وجديد لأنني اكتشفتُ أشياء كثيرة لم أكن أُعرها الاهتمام الكافي وأصبحتْ نظرتي لها أكثر منهجية وقُربا، فالكتابة تساهم في إعطاء كل ما حولنا حياة جديدة.
وقد اختتم هذا اللقاء بحوار مفتوح وممتع، رد فيه الكاتب عن كافة الأسئلة التي تهم كتاباته ومواقفه.
ومن المعلوم أن لشعيب حليفي ستة نصوص روائية: مساء الشوق، زمن الشاوية، رائحة الجنة، مجازفات البيزنطي، أنا أيضا، لا أحد يستطيع القفز فوق ظله.
كما يحفل سجله النقدي بمؤلفات من بينها: شعرية الرواية الفانتاستيكية، الرحلة في الأدب العربي: التجنس،آليات الكتابة، خطاب المتخيل، هوية العلامات: في العتبات وبناء التأويل، مرايا التأويل: تفكير في كيفيات تجاور الضوء والعتمة.