تعتبر الجامعة المدخل الأساس لأي تنمية أو إقلاع منشود، فهي مشتل المعرفة والتكوين الأكاديمي والتأطير الفكري. فمنذ نيل الاستقلال شكلت الجامعة المغربية مدرسة لتخرج المفكرين والأدباء والأساتذة المختصين في مجالات عدة ومنبعا لرجالات الدولة الذين بصموا مسيرة البناء وساهموا في وضع لبنات دولة المؤسسات وتنمية البلاد اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا. إلا أن الجامعة بدأت منذ سنوات تفقد مكانتها الريادية ويتم استنزاف قدرتها بفعل كثرة العمليات الجراحية التي تخضع لها والمخططات الإصلاحية التي تنزل عليها لتجد نفسها غارقة في دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح.
كما هو الحال بالنسبة للشخص العليل فمعالجته تحتاج التشخيص السليم والتحليل الصائب، فالجامعة المغربية في حاجة لتشخيص لمكامن الخلل وتقييم للمنظومة التعليمية في شموليتها لارتباطها الوطيد ولتكميل بعضها البعض. وعليه فإن الأمر يستدعي الاهتمام بقطاع التربية لكونه المزرعة والمنطلق الأساس لبناء الإنسان والرفع من جودة التوجيه وخلق آلية لتقييم وتتبع مبكر لمسار التلاميذ ورصد كفاءاتهم ومهاراتهم وميولاتهم للبناء عليها في تكوينهم وتوجيهم توجيها أفضل.
وعلى مستوى المؤسسات الجامعية، فتطوير بنية الاستقبال للطلبة الجدد أساسي لضمان اندماجهم وانصهارهم السريع في هذه المرحلة الجديدة من حياتهم العلمية. بالإضافة لضمان توزيع مجالي عادل لهذه المؤسسات عبر جهات المملكة وتطوير بنيتها التحتية: مدرجات، مختبرات، إدارة، مكتبات، قاعات متعددة التخصصات، مرافق صحية، عيادات طبية ومرافق رياضية وغيرها. ناهيك عن ضرورة تأهيل الموارد البشرية وتحسين وضعيتها لضمان استقرارها والقطع مع سياسة التوظيف بالتعاقد وتحويل المناصب المالية لحسابات مالية ضيقة على حساب جودة التعليم. بالإضافة إلى تحسين المحتوى العلمي للمواد المدرسة نظريا وتطبيقيا وطريقة عرضها وإلزامية خلق لجنة علمية على مستوى المؤسسات الجامعية لتتبع مدى جودتها وملاءمتها.
وبخصوص البحث العلمي، ونظرا لأهميته كمقياس رئيسي للتصنيف في مجال التعليم ومعرفة مدى تقدم الدول، فيجب تخصيص الموارد المالية واللوجستيكية اللازمة للنهوض به. وكذا تعميم المنحة والرفع من قيمتها ودعم وتسهيل تنقل الطلبة والأساتذة في مهمات البحث والملتقيات العلمية الدولية لمشاركة الخبرات والتجارب والاستفادة من بنيات البحث المتوفرة هناك. علاوة على أهمية انفتاح المؤسسات على المحيط الخارجي وفتح فضائها لاشتغال النوادي والجمعيات والنقاش الفكري لما لذلك من أهمية في التكوين الموازي وخلق متنفس لصقل المواهب والإبداعات. كما أن سؤال استقلالية الجامعات يطرح نفسه بقوة، فلابد من جامعات مستقلة في تسييرها وتدبير شؤونها، مع ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم وتتبع مشاريع التطوير المقدمة لضمان حكامة أنجع.
ومن هنا فالضرورة ملحة لفتح نقاش عمومي وطني حقيقي وجدي لتقييم المنظومة ككل والوقوف على مكامن الخلل والضعف لرسم خارطة طريق ينخرط في بلورتها جميع المتدخلين والمعنيين، عوض الاختزال والاستعجال في التنزيل رغبة في تضخيم السيرة الذاتية للمسؤولين على القطاع “بمشاريعهم” المنجزة. فكما قال جلالة الملك في رسالته السامية الموجهة لأشغال اليوم الوطني حول التعليم في يوليوز 2018 فإن “إصلاح التعليم هو قضية المجتمع بمختلف مكوناته، من قطاعات حكومية وجماعات ترابية ومجالس استشارية ومؤسسات وطنية وفاعلين جمعويين ومثقفين ومفكرين، دون إغفال الدور المركزي والحاسم للأسرة…وأن هذا الورش الوطني الكبير يقتضي الانخراط الواسع والمسؤول للجميـع، من أجل كسب هذا الرهان، وتحقيق أهدافه…”.
إن الرقي بتعليمنا العالي يستدعي استمرارية الإصلاحات وفق مخطط وطني واضح المعالم ومحدد الأهداف مصحوب بآلية تتبع وتقييم لضمان التنزيل الأنجع له. كما يتطلب توفر الإرادة السياسية الصادقة والوعي لدى المسؤولين على القطاع بحيوية هذا القطاع ومركزيته في تكوين أجيال الغد ورسم مستقبل الوطن. وعي بضرورة بث نفس جديد في التعليم العالي واسترجاع الجامعة لمكانتها كمنارة لتكوين المفكرين والأدباء والمختصين والعلماء عوض توجيهها لتكوين الأيادي العاملة وصنع التقنيين.
> بقلم: سويلم بوتوميت طالب باحث بكلية العلوم -جامعة محمد الخامس بالرباط