ميزانية وزارة الصحة في المغرب تعادل ميزانية المركز الصحي الجامعي مارسليا بفرنسا
لدينا 1,5 مهني صحة فقط لـ 1000 نسمة ويجب أن نصل على الأقل لـ 4,5
البحث العلمي ضعيف، والمغرب ينفق عليه 0,8 % من الناتج الداخلي الخام فقط
بعد كورونا يجب أن نعزز السياسة الدوائية وأن نسير في اتجاه تصنيع الدواء
الصحة قطاع منتج، وعلى الدولة أن تعي ذلك، وعليها أن تتخذ إجراءات جريئة
قال الحسين الوردي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ووزير الصحة الأسبق، إن المرحلة الحالية غير مواتية لرفع إجراءات الحجر الصحي، مشيرا إلى أن رفعها مغامرة غير محسوبة العواقب.
وأضاف البروفيسور الوردي الذي كان يتحدث في ندوة عن بعد نظمتها الشبيبة الاشتراكية، ليلة أول أمس الاثنين، أن المؤشرات العالمية تشير إلى أن الحجر الصحي يجب أن يتواصل إلى حين استقرار منحى الإصابات، وانخفاض مؤشر نقل العدوى لأقل من 1، مشيرا، إلى أنه في حالة توفر هذه الشروط، سيحتاج المغرب إلى الرفع التدريجي فقط، ونفس الأمر بالنسبة لباقي دول العالم، إذ يجب أن تستمر الإجراءات الوقائية، من قبيل غسل اليدين والتعقيم، ووضع الكمامات، واحترام التباعد الاجتماعي.
ونوه الوردي، في هذا السياق، بالمجهودات والإجراءات التي بذلها المغرب خلال الأزمة الحالية، والتي قال إنها جنبت البلاد خطرا محتملا كبيرا، إذ أن أنها ساهمت في تقليص عدد الحالات، ووقف الانتشار بين الساكنة التي كان بالإمكان أن تؤدي إلى أوضاع صعبة.
وأوضح الوردي أن المغرب وضع إجراءات مهمة وإستراتيجية واضحة لمواجهة هذه الجائحة، خصوصا توفير أسرة الإنعاش، التي لا زالت لم تستغل منها سوى 3 إلى 4 بالمئة ببعض المستشفيات الجامعية، كما هو الحال بالدارالبيضاء.
وشدد المتحدث، في ذات اللقاء الذي ساهم فيه الصحفي سليمان الريسوني، رئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم”، وسيرته ليلى الداكيري عضوة المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية، أن كل هذه الإجراءات يجب أن تستمر من أجل وقف انتشار فيروس كورونا، خصوصا وأن المعطيات العلمية المتعلقة به غير متاحة، بالإضافة إلى عدم وجود أي دواء فعال وناجع ضد الفيروس، مشيرا إلى أن استعمال بعض الأدوية لا يعني أن هذا الدواء أو ذاك ناجع، مؤكدا على ضرورة التوضيح للمواطنين وعدم إعطاءهم أمل واهم للعلاج. في هذا الإطار، أوضح الوردي أن استعمال بعض الأدوية، من قبيل “الكولوركين”، كان قرارا متميزا من قبل المغرب في ظل صراع ونقاش علمي حول الأدوية، مبرزا أن ذلك لا يعني أن الدواء ناجع لمعالجة كورونا وإنما هو في إطار التخفيف وتسريع العلاج فقط، كما أن مختلف الأدوية إلى حدود الساعة لم تثبت نجاعتها.
ودعا الوردي إلى جعل هذا الفيروس انطلاقة للنهوض بالخدمات الصحية الأساسية بالمغرب، وكذا جعله فرصة لاستخلاص الدروس، حيث قال إن أول درس يجب أن يستخلص من الأزمة الحالية هو التعاون في البحث العلمي وليس التسابق الذي كان في المرحلة السابقة، مشيرا إلى أن هناك بوادر لهذا التعاون، من خلال العمل المشترك لمجموعة من الباحثين الذين درسوا الفيروس ومميزاته ولم ينشروها بأسمائهم، وهي العملية التي تتم أول مرة.
وعلى الصعيد الوطني، نوه وزير الصحة الأسبق بالتعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، حيث قام هذا الأخير باستقبال مرضى كوفيد – 19 في المستشفيات الخاصة، فضلا عن استقبالهم لمرضى أمراض أخرى ومعالجتهم بالمجان، منوها بهذا التعاون الذي تطبعه الروح الوطنية، والذي دعا إلى تعزيزه بعد الأزمة الحالية.
والدرس الثاني، حسب الوردي، هو رفع منسوب الثقة بين المواطنين والدولة، من خلال الإجراءات وغيرها، فيما سجل أن الدرس الثالث يكمن في ضرورة إيلاء الأهمية لقطاع الصحة، واعتباره قطاعا منتجا، حيث شدد على أن الدولة مطالبة بأن تعي ذلك، ويجب أن نتخذ إجراءات جريئة، وضمان المساواة والعدالة للولوج للعرض الصحي.
وإلى جانب ذلك، طالب الوردي بضرورة الرفع من ميزانية وزارة الصحة، حيث أوضح أن ميزانية الوزارة برسم سنة 2019 بلغت 16 مليار و331 ألف مليون درهم، وهي تمثل، حسب المتحدث، 6.55 بالمئة من الميزانية العامة للدولة، دون احتساب الدين العمومي، ومع احتسابه تساوي 3.68 بالمئة، مبرزا أن منظمة الصحة العالمية تدعو للتوجه لـ 12 بالمئة و15 بالمئة أو على الأقل 10 بالمئة لتصحيح طريق القطاع.
وكشف الوردي أن ميزانية وزارة الصحة في المغرب ضعيفة للغاية، حيث أنها تعادل ميزانية المركز الصحي الجامعي مارسليا بفرنسا فقط، مؤكدا على ضرورة تعزيزها بعد هذه الجائحة لتكون مستعدة لأي شيء محتمل، وأيضا، من أجل تطوير الولوج لطب في المغرب، لاسيما وأن 0.6 من المغاربة فقط يستفيدون من زيارة الطبيب مرة واحدة في العام، وهو مؤشر خطير، حسب الوردي، ويبرز أن نصف المغاربة فقط يلجون للتطبيب مرة واحدة في السنة.
ودعا الوردي إلى ضرورة تفعيل طب الأسرة، الذي يمكن من تتبع حالات كل فرد وكل أسرة، ومعرفة التفاصيل الصحية لكل الأفراد والتي تمكن من نجاعة التدخل الصحي، مذكرا بمسألة الطب الأسري التي سبق وأن عرضها كوزير على المجلس الحكومي عام 2017 لكن طالها النسيان بحسب تعبيره، مجددا التأكيد على أهمية هذا المدخل للنهوض بصحة المواطنات والمواطنين.
ويرى الوردي على أن قطاع الصحة قطاع منتج، بالنظر لكونه يساهم في النهوض بالصحة العامة وبالتالي صحة المواطنات والمواطنين الذين هم في نفس الوقت يد عاملة في مختلف القطاعات، مشيرا إلى أن ذلك ينطلق بتعزيز ميزانية الصحة، وأيضا، بالرفع من الموارد البشرية، التي أصبحت تحتاج بشكل مستعجل إلى 22 ألف منصب ممرض وتقني و10 طبيب، ذلك أن المغرب اليوم لا يتوفر سوى على 1.5 من مهني صحة لـ 1000 نسمة، في حين يجب أن تكون على الأقل 4.5 لكل 1000 حسب منظمة الصحة العالمية.
ومن جانب آخر، أكد الوردي على ضرورة تعزيز السياسة الدوائية في المغرب بعد هذه الجائحة، حيث قال إنه يجب أن نسير في اتجاه تصنيع الدواء ولاسيما الأدوية ذات التكلفة المرتفعة التي يتم اللجوء لاستيرادها، لافتا إلى أن 34 بالمئة من الإنفاق الأسري يهم الأدوية، حيث اعتبر أن صناعة الأدوية ستساهم في تقليل النفقات على الأسر من جهة، وضمان استقلالية واكتفاء ذاتي من الأدوية من جهة أخرى، فضلا عن إمكانية تصديره وجلب العملة الصعبة من جهة ثالثة.
وأضاف البروفيسور أنه إلى جانب الصناعة الدوائية يجب أن نسير نحو وظيفة عمومية استشفائية أي أن يتم العمل على التوظيف الترابي للمهن الصحية، فضلا عن تنويع عروض التوظيف العمومي في مهن الصحة لضمان الاكتفاء من الموارد البشرية، فضلا عن ضرورة تمكين المستشفيات من وسائل العمل الضرورية من أجهزة وغيرها.
إلى ذلك، وفي حديثه عن النواقص والعيوب التي طفت خلال المرحلة الحالية، لفت الوردي الانتباه إلى إشكالية التواصل، حيث قال إنه خلال الأزمات يجب تعزيز التواصل، وأن يكون هناك مسؤول يشرح للناس ويجيب عن الأسئلة الضرورية الواضحة، كما لا يجب إعطاء الأمل الخاطئ للناس.
ومن مكامن الضعف، أيضا، سجل الوردي ضعف البحث العلمي في المغرب، حيث تنفق الدولة على البحث العلمي 0.8 من الناتج الداخلي الخام فقط، في الوقت الذي تشير فيه المؤسسات الدولية إلى أن الإنفاق يجب أن يكون على الأقل 2 بالمئة.
هذا الضعف في الإنفاق على البحث العلمي ينضاف إليه مشكل ضعف جودة التعليم، فالتعليم، حسب الوردي من الأمور الضرورية التي يجب تعزيزها، لأنه لا يمكن تطوير البحث العلمي بدون تطوير التعليم، ونفس الأمر بالنسبة لتطوير الطب في المغرب الذي يرتبط بجودة التكوين والبحث العلمي.
محمد توفيق أمزيان