شهدت صفحات الفيسبوك لمجلة سرود ونادي القلم المغربي ومجلة أرتبريس artpresss وعشرات الصفحات، شاهدها أزيد من 3745 متابع من طلبة الدكتوراه والماستر من الجامعات المغربية والعربية، وذلك يوم الخميس 28 ماي، ابتداء من الساعة الثامنة مساء، عبر النقل المباشر بتقنية الاتصال Visioconférence للندوة السابعة عشرة في المنهجية، الحلقة الرابعة، بعنوان “ترصيد صعوبات البحث في العلوم الإنسانية”. وتندرج هذه الندوة في إطار سلسلة الحلقات التي دأب مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء على تنظيمها، إسهاما منه في الدور الوظيفي للمختبر؛ والمتمثل في مواكبة الطلبة الباحثين في مشاريع أطروحاتهم توجيها وتقويما.
أطر الندوة كل من الأساتذة الباحثين: أيمن تعيلب ومحمد الشحات من مصر، وعبد الرحمن غانمي ومصطفى يعلى من المغرب، وذلك بهدف مناقشة تقريري الطالبين إبراهيم البحراوي المعنون بـ”الثقافة والمجتمع: التراث المادي واللامادي بجهة بني ملال خنيفرة “، أحمد الفتاشي الذي اقترح “الثقافة والمجتمع: أشكال التراث المادي واللامادي بجهة مراكش أسفي ” عنوانا لمشروع أطروحته، من خلال الوقوف على ما يطرحانه من إشكالات واجهتهما أثناء البحث، والكشف عن الاختلالات التي يعكسها التقريران على مستوى الموضوع والإشكالية والفرضيات والمنهج ولغة التحرير، مع تقديم الاقتراحات والتوجيهات المناسبة.
وقد سيّر مجريات الندوة محمد محي الدين، الذي افتتحها بكلمة تأطيرية، رحب فيها بالحضور المواكب للقاء أساتذة باحثين وطلبة من مختلف أرجاء الوطن العربي، مشيرا إلى أنها تمثل امتدادا لسلسلة ندواتٍ تأتي في سياق تتبع مسار البحث عند الطلبة الباحثين، مؤكدا أن ندوة من هذا القبيل من شأنها أن تقدم إجابات أخرى عن أسئلتهم، وتكشف عن إمكانات المواصلة والاستمرار، وتوجه وتقترح كل ما من شأنه أن يتجه بالبحث نحو مصاف الجودة المعرفية والرصانة الأكاديمية، مُنهيا كلمته التأطيرية بالتعريف بالأساتذة المناقشين والإشارة إلى مسارهم العلمي والأكاديمي.
افتتح عبد الرحمن غانمي (أستاذ التعليم العالي- جامعة مولاي سليمان ببني ملال) مداخلته مبرزا في البداية اشتغالهما على الموضوع نفسه الذي لا يختلفان فيه إلا من حيث المجال الجغرافي الذي اختاراه إطارا للدراسة الميدانية. كما أكد جدة الموضوع وإمكانات البحث الهائلة التي يطرحها، معتبرا أنه لا يمكن أن تكون الأطروحة ناجزة، متحققة دفعة واحدة، وتبعا لذلك لن يكون وضعها الطَّبَعِي إلا النمو وفق مراحل، وهو ما يفرض، في نظره، ضرورة الحرص على ضبط مرحلة البداية لتجاوز ضبابية الرؤية الظاهرة في التقريرين، وذلك بدعوة الطالبين إلى التأمل في سؤال التفكير والتدبير: من أين نبدأ؟ كيف ندبر موضوع الأطروحة؟
ومن حيث الجوانب المرتبطة بطبيعة المقاربة والمنهج، بيّن عبد الرحمن غانمي أن الطالبين وقعا في مشكل المقاربة النصية التي تستعين بمفاهيم الدراسة النقدية، في حين أن طبيعة البحثين تتجاوز ذلك إلى ما هو أشمل، بحيث يمكن الانفتاح على الإثنوغرافيا والأنطروبولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ والنقد الثقافي. ورأى في اختيار المنهج المعتمد مأزقا آخر ينبغي الانتباه إليه، رافضا القول بالتوليف المنهجي مادام كل منهج يستقل بحدوده ومفاهيمه وأطره النظرية ومسوغاته الابستمولوجية. وسجل أن التقريرين تغلب عليهما اللغة الإنشائية والتعميم والإطلاق وأحكام القيمة والقطعية، مقدما نماذج مفصلة عن استعمالات لغوية وجب تجنبها في البحوث الأكاديمية التي تتطلب لغة وصفية دقيقة المفاهيم.
وقد أنهى عبد الرحمن غانمي مداخلته بدعوة الطالبين إلى ضبط الإشكالية وإعادة صياغتها بالشكل الذي يجعلها تكشف عن رؤية البحث والوعي بالموضوع. ووجههما إلى تحري السلامة اللغوية أثناء التحرير، والعمل على تحديد الإطار الميداني الذي ستشتغل الأطروحتان عليه، مع ما يتطلب ذلك من انفتاح على وثائق أخرى، غير النصوص، مساعدة في مقاربة مسألة التراث اللامادي.
أما أيمن تعيلب (أستاذ النقد الأدبي المعاصر، وعميد جامعة السويس بمصر)، فقد استهل مداخلته بكلمة شكر وتقدير وجهها إلى الأساتذة الباحثين وطلبة الدكتوراه في المغرب، معربا عن سعادته بالمشاركة في هاته الندوة، والتي اعتبرها تحمل هما علميا أكاديميا له علاقة بكيفية كتابة البحوث العلمية على مستوى المنهج والصياغة والبناء التنظيمي، مُعلنا تناوله مسألة المنهج التي تُطرح بحدة في عدد من البحوث، معتبرا أن الأطروحة القائمة على المنهج هي التي تسهم في توليد الأفكار واستنطاق القضايا؛ فالطالب الباحث، حسبه، يجب ألا ينظر إلى المنهج بوصفه مجرد إجراءات عملية تحديدية، وإنما هو منظومة فكرية فلسفية معرفية متكاملة، تتسق فيها الإجراءات مع الخلفية النظرية. ودعا في هذا الإطار الطلاب الباحثين إلى العمل على امتلاك القدرة على الفحص والمساءلة بين إجراءات المنهج وحمولاته المعرفية والمنطقية والفلسفية المتضمنة في هاته الإجراءات، مبينا أن قوة المنهج لا تظهر إلا من خلال تطبيقه على الظاهرة الأدبية، محذرا في هذا الإطار من الوقوع في وهم الموضوعية المطلقة للمنهج.
وفي إطار حديثه عن العلاقة بين المنهج والظاهرة الأدبية، ذهب أيمن تعيلب إلى أن هناك عملية جدل خلاق بين خطاب المنهج وخطاب الظاهرة الأدبية، العملية التي رأى أنها ستجنب الباحث الوقوع في وهم الموضوعية المطلقة للمنهج، مؤكدا أن هذه الظاهرة نفسها بإمكانها، أن تسلط الضوء على المنهج وتكشف عن حدوده وقدراته وثغراته وشروخه. وتبعا لذلك أكد أن سؤال المنهج هو سؤال الفكر والجدل والجديد والتغيير والتطوير، ولذلك لا ينبغي النظر إليه بوصفه مجرد آلية لتشريح الظاهرة الأدبية التي لن تكون، حسبه، إلا حياة وتدفقا جماليا مستمرا، ويبقى المنهج أُطُرا وأنساقا ومنطقا وعقلانيات وتصورات وليدة سياقات محددة.
وقد ختم أيمن تعيلب كلمته التوجيهية بدعوة الطلبة الباحثين إلى اعتبار سؤال المنهج سؤالا للحضارة والواقع والحياة، معتبرا في هذا السياق الأزمة العربية أزمة منهج، ولذلك وجب، في نظره، الانتقال بمسألة المنهج من سياق التبعية إلى سياق الجدلية، من سياق التصديق إلى الشك والقدرة على طرح الأسئلة من جديد، من أسئلة الاستفسار إلى أسئلة الابتكار والاستبصار، وهي الأسئلة التي تخول للجامعة، في تصوره، الإسهام في خلق مواطن جدلي، مفكر، يعيد ترتيب نظام القيم ويسائل الواقع الثقافي والمعرفي السائد.
من جهته، استهل مصطفى يعلى( أستاذ التعليم العالي بآداب القنيطرة) ورقة فحصه للتقريرين بتأكيد أهمية تدريس مادة “منهجية البحث الجامعي” التي كان من حظ الأجيال الجديدة الاستفادة منها، على خلاف الأجيال التي لم تتلق آليات البحث المنهجي في إعداد البحوث الجامعية. ليقف بعد ذلك على التقريرين منوها بقدرة الطالبين على إثارة القضايا الجديدة. بيد أنه سجّل ملاحظات مشتركة بينهما، مست جانب العنوانيْن المقترحيْن، داعيا إلى تعديلهما وفق اعتبارات لها علاقة بالمفاهيم والاختيار المنهجي وخطة البحث والتقاليد الأكاديمية المتداولة التي تفرض تحديد طبيعة الدراسة المعتمدة في البحث.
إثر ذلك، انتقل مصطفى يعلى إلى تقرير الطالب إبراهيم البحراوي، موجها إليه ملاحظات لها علاقة باللغة ونظام التبويب، وإيلاء المقدمة الأهمية التي تستحقها، والتمييز بينها وبين المدخل والتمهيد. كما رأى أن بحثه يتسم بالارتباك المنهجي، إذ إنه جانب الصواب بجمعه بين مناهج متفرقة مختلفة الحقول المعرفية، وبالمقابل وجهه إلى اعتماد منهج معين مناسب، مع إمكانية الانفتاح على مناهج مجاورة كلما تطلب الأمر ذلك.
أما تقرير الطالب أحمد الفتاشي، فقد رآه يفتقر إلى إشكالية محكمة ويطرح فيه سؤال المنهج بقوة، رافضا التعميم والإطلاق وادعاء التوليف المنهجي، ولذلك دعاه هو الآخر إلى مراجعة اختياره المنهجي، ووجهه إلى اعتماد قسم نظري في بحثه له علاقة وطيدة بالتطبيق، كما شجعه على استثمار وثائق أخرى في بحثه مثل الصور والبرامج الوثائقية العلمية الموثوقة المصدر.
وأخذ الكلمة في النهايةمحمد الشحات (أستاذ النقد الأدبي الحديث- جامعة قطر) في تعقيب عام داعيا إلى الاهتمام بإشكالية المنهج، والحرص على تجنب الارتباك المنهجي الذي من شأنه أن ينعكس على الحقول الاصطلاحية وقدرات التحليل والتأويل التي يقع فيها الطلبة الباحثون، مؤكدا ضرورة تحديد المنهج والتحرك فيه بدقة، معتبرا أن الجمع بين مناهج متعددة ومتباينة أمر بالغ الخطورة، وكل جمع يجب أن يكون في نظره خاضعا لوحدة نسقية، مع استحضار الإمكانات التي يتيحها المنهج وتجنب القفز عليه إلى منهج آخر دون استغلال كل حمولاتها التأويلية. وقد اختزل في ختام كلمته المقتضيات المنهجية المفروض على الطالب الوعي بها، محددا إياها في: الاطلاع على المنهج في مظانه الأصلية، تحديد إجراءات المنهج القادرة على الممارسة الفعلية، الوعي بلغة نقدية بحمولة اصطلاحية دقيقة، القدرة على التحليق بالمنهج من فضائه الخاص إلى فضاء التأويل بما يفرز شخصية الباحث المتميزة عن غيره.
أما كلمة الطالبيْن الباحثين، فقد تضمنت عبارات الشكر والتقدير للأساتذة المناقشين نظير التوجيهات التي صدرت بغرض التمحيص والتدقيق والتعديل والاقتراح، وهو ما اعتبراه حفزا لعمل دؤوب يجعل البحث في الأطروحة يتخذ مسارا سليما خاضعا لشروط البحث الأكاديمي.
> متابعة: سعيد العيماري