اهتز الرأي العام الوطني على أخبار الأعداد المهولة للمصابين بفيروس:”كوفيد-19″ضمن النساء العاملات، وأيضا الرجال العاملين، بوحدات الفراولة بدائرة للا ميمونة بإقليم القنيطرة، وساد الاستياء والغضب وسط شعبنا جراء هذه الوضعية التي برزت في منطقة هي أصلا تعاني من التهميش والفقر.
من المؤكد أن بروز بؤر وبائية يمكن أن يحدث في أي جهة أخرى من البلاد، ولهذا السبب أو ذاك، كما وقع فعلا في مدن مختلفة مع بؤر مهنية أو تجارية أو عائلية، ولكن ما حدث في للا ميمونة عرى واقعا سبق أن حذر منه الكثيرون منذ سنوات، ويتعلق بالظروف غير القانونية التي يعمل فيها نساء ورجال يرتبط قوتهم بالضيعات الفلاحية ووحدات تعليب الفواكه الحمراء بمنطقة الغرب.
هناك مئات النساء يأتين إلى للاميمونة والمناطق المجاورة قصد العمل اليومي أو الموسمي، ويتم جلبهن من جماعات وأقاليم مجاورة، ويشتغلن في ظروف قاسية، ووحدهم أرباب هذه الضيعات والمصانع هم من يجني الأرباح، وأغلبهم لا يقطن بالمنطقة، ولا يبالون لا بتحسين شروط العمل والسلامة، ولا بتأهيل المنطقة وتنميتها.
لقد نبه العديدون، منذ بداية تفشي الوباء، لواقع النساء العاملات في الضيعات، لكن التراخي العام، ولا مبالاة المشغلين وضعف المراقبة أفضوا إلى هذه النتيجة المأساوية.
وترتيبا على هذا، لا بد اليوم من تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات التي أوصلت الأمور الى هذه النتيجة.
أرباب هذه المصانع والوحدات يتحملون طبعا المسؤولية المباشرة، مصالح وزارتي التشغيل والفلاحة بدورها لها مسؤولية من حيث المراقبة وتتبع الالتزام بالإجراءات الوقائية وشروط السلامة الصحية.
وهناك أيضا المسؤولين الإداريين على صعيد إقليم القنيطرة وممثليهم بعين المكان، وهم الموكول لهم تنفيذ مقتضيات حالة الطوارئ الصحية وحالة الحجر الصحي على الأرض، وتقدير مستوى الخطر وترتيب ما يستوجبه من إجراءات، بما في ذلك توقيف العمل أو إغلاق المعامل والوحدات.
إن الكسل في مواجهة الخطر بشكل استباقي، والتراخي في فرض الالتزام بالتدابير الوقائية، وتفضيل مراكمة الأرباح على حماية صحة العمال وأسرهم، هي كلها خطايا أوصلتنا إلى هذا المآل، ومن أقترفها أو تورط فيها يجب أن يخضع اليوم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
من جهة أخرى، إن الإجراءات التشديدية التي فرضتها الآن السلطات الإدارية بالمنطقة الموبوءة، وهي في كل الأحوال مبررة وضرورية، لكنها ستدخل الجماعة ومحيطها في وضعية شلل تام، ما سيزيد من معاناة الساكنة بشكل عام، وهذا يقتضي الدعم الفوري للأسر المعنية، ومواكبة النساء العاملات لمساندتهن في مواجهة ظروف العيش، ويتطلب أيضا تقوية التواصل مع الناس لطمأنتهم، وإشعاع الثقة، وتفادي الهلع وسطهم.
إن ما حدث في للاميمونة يفرض كذلك فتح ملف أوضاع عمال الضيعات الفلاحية والمعامل المتصلة بها في مختلف مناطق البلاد، وخصوصا في جهة سوس، حيث الواقع في اشتوكة مثلا يشبه ما يوجد بللاميمونة، ويجب الإنكباب على شروط السلامة الصحية للعاملين، وتقوية المراقبة المنتظمة والجادة من لدن أجهزة وزارة الفلاحة، ووزارة الشغل، والسلطات الإدارية المعنية.
هذه الظروف القاسية التي يعاني منها العمال الزراعيون وأجراء ضيعات ووحدات جني وتعليب الفواكه، تسائل واقع واختيارات المنظومة العامة لقطاعنا الفلاحي ككل، وتفرض التفكير في مدى استفادة هذه الشغيلة الفقيرة من عائدات وأرباح هذه المنتوجات التصديرية، وانعكاس ما يتم تكديسه من أرباح على واقعها ومستوى عيشها، وأيضا على الوضع التنموي المحلي بالمناطق التي تخرج هذه الخيرات من أراضيها.
في للاميمونة مثلا، صدم الكثيرون هذه الأيام بمظاهر الهشاشة والعوز المتفشيين هناك، وبضعف البنيات التحتية والتجهيزات العامة بهذه المنطقة المتواجدة في جهة الغرب والتي لا تبعد كثيرا عن العاصمة الرباط، حيث يكدس بعض أرباب الضيعات والمعامل الفلاحية الأرباح الطائلة، والتي لا تنعكس على واقع المنطقة.
يمكن أن تنجح المصالح الإدارية والصحية في محاصرة:”كوفيد-19″ بللاميمونة، وأن يتعافى كل المصابين، ولكن يبقى أن ما حدث هناك، عرى أساسا واقعا تدبيريا واجتماعيا واقتصاديا قاسيا ويحتضن الكثير من البؤس والفقر والخصاص، وهذا ما يجب الإنكباب على معالجته.
< محتات الرقاص