في الوقت الذي تنشغل البلاد، كما كل العالم، بما يلفها من مخاطر الجائحة، ويتركز الانشغال الوطني والشعبي حول سبل حفظ صحة وسلامة الناس، وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني وتأهيله، وصيانة استقرار المجتمع وتعزيز دينامية الحياة الوطنية، والرفع من مستويات التعبئة والالتزام بالسلوك المواطن…
وفي الوقت الذي يجب البناء على كامل هذا التركيز الوطني، واستثمار زخمه، والانطلاق منه لتقوية شروط تعبئتنا الوطنية الجماعية لتطوير المسار الديمقراطي العام في البلاد، وتمتين الثقة الشعبية والمجتمعية في الوطن وفي المستقبل…
في هذا الوقت بالذات، نفاجأ بكتابات صحفية وتدوينات، وأيضا بمعارك كلامية فايسبوكية، وأحيانا بهلوسات، لا علاقة لها إطلاقا بالانشغالات الحقيقية للبلاد، أو بالمهمات الوطنية ذات الأولوية في هذه اللحظة الدقيقة.
لماذا إذن هذا التركيز على افتعال معارك وهمية أو الإصرار على تحريف النقاش الوطني ليبتعد عن القضايا الرئيسية للمغرب والمغاربة؟
عندما نتمعن في طبيعة هذه المواضيع والقضايا التي تشتعل بسببها هذه الأيام الخصومات الفايسبوكية بين شخصيات معروفة، نشم كما لو أن هناك روائح تنبعث من حوالينا عن نوايا أو أمنيات ما لدى أطراف تصر على فرضها في الواقع.
أما عندما نستحضر طبيعة الأشخاص الذين يتعاركون اليوم أمامنا وسيرهم وارتباطاتهم، وأيضا الصحبة وصلات الود التي عمرت فيما بينهم، فإننا نستغرب لما حدث لهم، فجأة، من تبدلات وغياب الحب والتحالف، وندرك أن شيئا ما يقع وراء الستار، أو أن معارك اصطفاف جديدة تجري في الخفاء بخلفيات ريعية بئيسة.
لكن، بغض النظر عن كل التفسيرات لما يقع، وعن السخرية من عبث المعارك الصبيانية المقرفة، فإن جر النقاش الوطني العمومي هذه الأيام نحو مواضيع ثانوية أو خارج وقتها، والقفز على كل ما تعانيه البلاد من مخاطر ومحن صحية ومجتمعية، يكشف أن أطراف هذا العبث الكلامي أفلست، وأصيب التفكير والكلام لديها بالخرف، وبلغت… الجدار.
صحيح، أن بعض أبناء مهنتنا يساهمون، بدورهم، في هذا التدني، وفي جر حوارنا الوطني وتفكيرنا الجماعي إلى الدرك الأسفل، وإلى التفاهة، ولكن هناك كذلك أسماء أخرى معروفة من خارج هذا المربع صارت تخرج رأسها ولسانها، بلا خجل، وتتقيأ علينا ما تعتبره كتابة أو تحليلا أو تعليقا أو رأيا أو تدوينة، وهي كما لو أنها تجرب علينا وفينا وصفات قادمة، أو تختبر تمريرها أو إمكانية تطبيقها مستقبلا، أو على الأقل هي تعبر عن أمنيات صادرة عن أطراف أخرى استأجرت منها لسانها للنيابة.
إن مشهدنا العمومي يعاني من الفراغ، ومن غياب الانخراط الكبير في النقاشات السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية الوازنة والمتفاعلة مع انشغالات اللحظة الوطنية، وفي غياب حضور الكبار والعقلاء في ساحة الجدل، يمطرنا الصغار بهلوساتهم وعبثهم و… بالسباب المتبادل فيما بينهم.
هم يعتقدون أن سيرهم لم يعد يحفظها الناس، أو أننا كلنا عميان وبلا ذاكرة أو عقل، ولا يدرون أن أفكارهم التافهة ووصفاتهم الغبية هي التي قادت البلاد إلى اقتراف عديد أخطاء وخطايا، وإلى تضييع كثير من الفرص في السنوات الأخيرة، على الأقل.
واليوم عندما يختبئون وراء شاشات هواتفهم وحواسيبهم لنشر التدوينات والتعليقات، أو استئجار من يكتب نيابة عنهم، ويصرون على قلب كامل المعنى في أولويات اهتمامنا الوطني، هم يحاولون البقاء على قيد الحياة فقط، أو رفع طلبات الخدمة من جديد لإنقاذ أنفسهم من العطالة والإفلاس.
المغرب أمامه اليوم تحديات أساسية، وعليه التعبئة لكسبها، ولهذا لا يستطيع هؤلاء الصغار و”الشناقة” جميعهم سوى البقاء في الأسفل، وجر الآخرين معهم لإلهائنا كلنا بالمواضيع الثانوية أو بالشتائم المتبادلة فيما بينهم.
لن ننجر إلى ذلك…
بلادنا أمامها قضايا أخرى أكثر أهمية…
محتات الرقاص