شكل التدخل العسكري المغربي السلمي في نقطة الكركرات نقطة تحول مهمة في مسار ملف الصحراء المغربية، حيث عاد الأمن إلى منطقة «قندهار» التي كانت تشهد فوضى عارمة بسبب غياب المراقبة الأمنية للحدود البرية بين المغرب وموريتانيا، بيد أن المعطيات الميدانية تغيرت اليوم على أرض الواقع.
وفي هذا الصدد، انتقلت جريدة بيان اليوم من مدينة الدار البيضاء إلى الكركرات، وعاينت الوضع عن كثب، حيث وقفت على عودة عجلات الشاحنات والسيارات إلى الدوران بين المغرب وموريتانيا.
وفي هذا الروبورطاج، تقربكم الجريدة من واقع الحال في المنطقة، بعد دحر القوات المسلحة الملكية المغربية لعناصر البوليساريو، ورفع العلم المغربي في منطقة أريد لها أن تكون التي خارج القانون لزرعة الفوضى واللاستقرار.
بسطت القوات المسلحة الملكية المغربية سيطرتها على المنطقة الحدودية العازلة بين المعبرين الحدوديين البريين للمغرب وموريتانيا، أو ما يطلق عليها بين العامة من الناس بـ»قندهار».
ووقفت جريدة بيان اليوم على عودة الحركة التجارية والمدنية على مستوى المقطع الطرقي الذي يربط المغرب بموريتانيا، وذلك عقب تدخل الجيش المغربي خلال 13 نونبر الماضي بعد عرقلة عناصر ميليشيات البوليساريو لحركة السير في المنطقة العازلة «قندهار»، منذ 21 أكتوبر الماضي.
وعاينت الجريدة تمركز عناصر القوات المسلحة الملكية المغربية بالعديد من النقط الحدودية على طول الجدار الدفاعي الجديد بين الكركرات والمعبر الحدودي لموريتانيا، بعد فرار عناصر البوليساريو أثناء العملية العسكرية المغربية، حيث عاد الأمن إلى المنطقة الحدودية العازلة التي كان قد سلمها المغرب إلى الأمم المتحدة خلال سنة 1991، تاريخ التوقيع على اتفاق إطلاق النار بوساطة أممية.
وأنهى هذا التواجد الأمني الفوضى التي كانت تعرفها «قندهار»، بفعل اللاقانون الذي عرفته بالخصوص خلال الأربع سنوات الأخيرة (منذ سنة 2016)، بعدما اعتاد عناصر البوليساريو على قطع مسافة 1500 كلم من مخيمات تندوف، والدخول إلى المنطقة الحدودية العازلة بين المغرب وموريتانيا (قندهار).
بيد أن خطوة المغرب السيادية حسمت الجدل في العشوائية التي كانت تسود «قندهار» الواقعةبشمال إفريقيا، وأعدمت وهم ما ظلت تسميه البوليساريو لسنوات بـ»الأراضي المحررة»، والتي كانت تتصرف فيها بشكل غير قانوني،تحتمراقبة أعين بعثة المينوريسو في الصحراء المغربية.
وتحمل المواطنون المغاربة والأفارقة والأوروبيون، لا سيما السائقين المهنيين، لسنوات التصرفات الطائشة لعناصر البوليساريو التي كانت تعترض طريق الشاحنات والسيارات والدراجات، لابتزازهم ودفعهم إلىتقديم بقشيشات من الدراهم قبل السماح لهم بإتمام طريقهم نحو المعبر الحدودي البري الموريتاني أو المغربي.
واستنادا إلى الزيارة الميدانية التي قامت بها بيان اليوم، فإن المعطيات على أرض الواقع تغيرت جملة وتفصيلا، بفضل التواجد العسكري المغربي في «قندهار» التي استتب الأمن بها، بعدما كان صيتها ذائع من حيث الانفلات الأمني الخطير الذي كانت تشهده في السابق، بالرغم من أن المسافة قريبة جدا بين المعبرين الدوليين التي لا تكاد تتعدى 5 كلم.
وخلال بداية شهر أكتوبر الماضي، كان من المستحيل أن يتجاوز المدنيون المغاربة هذا المعبر بدون المراقبة غير القانونية من قبل عناصر البوليساريو، لكن أصبحت اليوم زيارة المنطقة متاحة لأي مواطن مغربي بفعل التواجد الأمني المكثف للقوات المسلحةالملكية المغربية.
وبالرغم من التنديد المغربي بشكل دائم طيلة السنوات الماضية من تواجد عناصر البوليساريو بـ»قندهار» ودعوة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي إلى حث البوليساريو على التنحي عن المنطقة العازلة، إلا أن جمهورية الوهم لم تتراجع عن تواجدها، إلا عقب التدخل العسكري السلمي للجيش المغربي الذي قذف بعناصرها نحو مخيمات تندوف.
وأصبح من المستحيل أن تضع عناصر البوليساريو أرجلها فوق تراب منطقة»قندهار»التي تعمل السلطات المحلية على تنظيفها من بقايا أجزاء الشاحنات والسيارات، والعجلات المطاطية، وكذا نفايات السلع والبضائع الفاسدة.
الجدار الدفاعي
ولاحظت الجريدة إتمام عناصر الجيش المغربي للجدار العازل الذي أصبح يمتد إلى معبر موريتانيا، حيث أصبح يتمركز عناصر الجيش المغربي على طوله، كما أن التحركات والاتصالات بين أفراد القوات المسلحة الملكية المغربية تكاد لا تنقطع.
ويتم رصد كل صغيرة وكبيرة فوق رمال الصحراء المغربية، من خلال أبراج المراقبة العسكرية، والتحرك الميداني مع وضع أصابع اليد على الزناد، للوقوف على السلامة الأمنية للمنطقة، والتأهب لأي تدخل عسكري مفاجئ في حالة هجوم مفترض من قبل دعاة الانفصال وأعداء الوحدة الترابية للمملكة.
واستنادا إلى العديد من الشهادات التي استقتها بيان اليوم من عين المكان، فإن التواجد العسكري المغربي على مستوى طول الجدار الأمني الرملي العازل الجديد، والذي ينضاف بالمناسبة إلى حوالي 2500 كلم من الجدار الدفاعي القديم، سيحد من نشاط التهريب بـ»قندهار».
وتتعلق أنشطة التهريب، بالسوق السوداء في السلع والبضائع والسيارات والشاحنات، فضلا عن الاتجار في المخدرات والبشر، من خلال تنظيم رحلات بحرية للهجرة السرية إلى الجزر الإسبانية القريبة من الأقاليم الجنوبية للمغرب (لاس بالماس، جزر الكناري..)، ناهيك عن الهجرة بين الحدود البرية التي كانت تذر على عناصر البوليساريو مبالغ مالية مهمة.
ولم تقف التجاوزات اللاقانونية للبوليساريو عند هذا الحد، بل إن شهادات متفرقة أكدت للجريدة بيع عناصر البوليساريو للوقود بـ»قندهار» بعد تهريبها من الجزائر حيث تتمركز القيادة الوهمية للبوليساريو بتندوف، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، كان يعرض عناصر البوليساريو المساعدات الإنسانية الموجهة للمحتجزين بمخيمات تندوف بـ»قندهار» على أساس اقتنائها من قبل العابرين الأفارقة، بدل توزيعها على المحتجزين كما هو معمول به في الأعراف والقوانين الدولية لحقوق الإنسان.
وكشفت شهادة إحدى العارفين بخبايا منطقة «قندهار» من ساكنة بئر كندوز فضل عدم ذكر اسمه لبيان اليوم، أنه على طول المنطقة العازلة التي تربط بين المعبرين البري للمغرب وموريتانيا، كانت توجد قطع أرضية بمساحات كبيرة فوقها براريك وأعشاش يسكنها غرباء لا تعرف جنسياتهم، أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، من قبيل موريتانيا، والسينغال، والكوت ديفوار، وبوركينافاسو، والجزائر.. وهو ما يعتبر أمرا خطيرا على الاستقرار الأمني للمنطقةعلى حد تعبيره.
وكانت تتعاطى هذه الجماعات بحسب شهادة المتحدث عينه، إلى البيع في المتلاشيات والسلع والبضائع غير المعروفة المصدر، إلى جانب الاتجار في السيارات المهربة، بتفكيك أجزائها ونقلها إلى الدول الإفريقية على أساس تركيبها من جديد، أو استعمالها كقطع غيار.
وذكر مصدر الجريدة أن السلطات المحلية باشرت عملية التمشيط والتنظيف على طول الطريق الحدودية، لإخلاء المنطقة في أقرب الآجال من كل المتلاشيات الثقيلة لاسيما السيارات والشاحنات التي لا يعرف أصحابها إلى اليوم بعد رفض الجمارك المغربية منحها تأشيرة الدخول إلى الأراضي المغربية.
ويرجع سبب ذلك إلى عدم احترامها للشروط القانونية فيما يتعلق بالوثائق والبيانات الحقيقة التي يتم تزويرها، بهدف إدخالها إلى المغرب، أو نتيجة استعمالها في أنشطة تهريب الممنوعات على الحدود الموريتانية- المغربية.
عودة الأمن
وذكرت مصادر محلية بالكركرات، بأن المغرب أجرى اتصالات بالسلطات الموريتانية، من أجل إفراغ المنطقة الحدودية من السيارات والشاحنات المركونة لما يصل إلى 30 سنة بعد عدم السماح لها بالدخول، حيث شاهدت الجريدة اشتغال آليات الرفع والحملعلى تنقية «قندهار» من هذه المتلاشيات.
وتصر الجمارك المغربية على توثيق كل التحركات بداخل المعبر، حيث لا يسمح للعديد من المهاجرين غير الشرعيين الولوج إلى الأراضي المغربية، أو مغادرتها بدون تقديم معطياتهم وبياناتهم الشخصية الخاصة، وهي الصرامة التي تضبط الايقاع الأمني بالمنطقة في ظلالتهديدات الإرهابية بالمنطقة التي تؤكدها العديد من التقارير الأمنية.
وفي هذا الصدد، كانت «قندهار» من بين المناطق المرشحة لاستقطاب الجماعات المتطرفة، وكذا تداول السلاح بإيعاز من عناصر ميليشيات البوليساريو الذين أشهروا سابقا السلاح الناري في وجه السائقين الذين يرفضون الانصياع لأوامرهم، ويقاومون تعنتهم بأداء اتاوات المرور ونزع العلم المغربي، وتمزيق وتقطيع الأوراق الإدارية والجمركية المغربية، وهي التحرشات التي عادت من الماضي بعد تواجد أفراد الجيش المغربي بـ «قندهار» التي بدأت تتغير معالهما منتقلة من اللاقانون إلى القانون.
وبعد تدخل القوات المسلحة الملكية المغربية بـ»قندهار»، تم إسقاط الأقمشة التي كان ينصبها عناصر البوليساريو كعلم لجمهورية الوهم، إذ تم رفع العلم المغربي الذي أضحى يرفرف على طول الجدار الأمني الرملي بين الحدود المغربية والموريتانية، إيذانا بنهاية التسلل إلى المنطقة العازلة التي كانت مسلمة للأمم المتحدة.
وفي ظل تلويح عناصر البوليساريوبخرق اتفاق وقف إطلاق النار في «قندهار» خلال نهاية شهر أكتوبر وبداية نونبر في استفزاز واضح للمغرب، كان يتحرك هذا الأخير وفق شرعية القانون الدولي من خلال عمله الدبلوماسي.
غير أنه قرر في الأخير التحرك العسكري لإنهاء فوضى البوليساريو التي هددت الأمن الغذائي لدول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث راحت ضحيتها قيادة الجمهورية الوهمية، خصوصا وأن مختلف دول العالم رفضت عرقلتها لحركة السير والمرور بين المغرب وموريتانيا، في تمرد علىقرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة.
وجدد القرار الأخير للأمم المتحدة 2548، مهمة بعثة المينورسو في الصحراء المغربية لسنة جديدة، محملا في السياق ذاته، مسؤولية عدم حل الملف للجزائر، نظرا لانتصابها طرفا في الموضوع بدل دفعها للقضية في اتجاه الحل، وليس عرقلة الجهود المغربية، طمعا في التوسع على حساب المحتجزين في مخيمات تندوف، ورهانها الاستراتيجي الوهمي بالحصول على بوابة بحرية مطلة على المحيط الأطلسي.
وما يؤكد هذا الطرح، هو العديد من تصريحات جنرالات العسكر الجزائري الذين أصيبوا بالهذيان بعد إعادة الجيش المغربي الأمور إلى نصابها بالمنطقة الحدودية العازلة بين معبري المغرب وموريتانيا (قندهار)، والتي كانت بؤرة لاحتضان جميع الأنشطة غير الشرعية في غياب أجهزة الأمن لمراقبة ما يحصل في جزء من رمال الصحراء المغربية.
ويعبر العسكر الجزائري عن أطماعه في الموقع الاستراتيجي الدولي للكركرات، من خلال السخاء المبالغ فيه في تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية لمليشيات البوليساريو الذين كانوا يصولون ويجلون بين الحدود الموريتانية والمنطقة العازلة المغربية، مهددين بوقف اتفاق إطلاق النار.
مناورات البوليساريو
وتناور ميشليشات البوليساريو بين الفينة والأخرى بالسلاح الناري على طول الجدار الرملي الدفاعي بإطلاق بعض الرصاصات التي يرد عليها عناصر الجيش المغربي، بحسب ما أكدته مصادر عسكريةلبيان اليوم.
ولا يقف الدعم الجزائري للمغرب عند هذا الحد، بل يقدم جيشه الدعم المالي من أموال الجزائريين لقيادة جمهورية الوهم التي فقدت مصداقيتها بعد تهاوي أسهم أطروحتها الانفصالية ولعب دور الضحية.
وبدل أن تتحلى هذه القيادة المتواجدة بمخيمات تندوف بالجرأة في اتخاذ قرار مستقل بدون الرجوع إلى جنرالات العسكر الجزائري، مازالت مصرة على رفض الطرح المغربي المتقدم لحل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية من خلال الحكم الذاتي، والذي يروم الحفاظ على وحدة التراب الوطني، واستكمال ورش التنمية الذي أطلقه المغرب بالأقاليم الجنوبية.
ولم يتقبل النظام الجزائري بعد، التقدم الذي سجله المغرب في المنطقة، بعد دحر الجيش المغربي لعناصر البوليساريو صوب المناطق العازلة وراء الجدار الرملي المغربي الذي تم تشييده بين سنة 1980 و1987.
ومباشرة بعد تقدم القوات المسلحة الملكية المغربية بـ»قندهار» قررت السلطات المحلية بالكرارات، ربط المعبر الحدودي المغربي والموريتاني بالطريق المعبدة، في تغيير للبنية التحتية السيئة للتنقل والتي استفادت منها البوليساريو لسنوات بابتزازها للسائقين الذين كانوا مطالبين بأداء 100 درهم أثناء الذهاب والإياب.
وستسهل الطريق التي يتم الاشتغال عليها حاليا حركة مرور الشاحنات والسيارات التي تدخل بعد مسافة 2 كلم من الطريق المعبدة، في مسلك طرقيوعر وغير مجهز، يستغرق من السائقين وقتا طويلا يتعدى 45 دقيقة للوصول إلى معبر موريتانيا البري.
وكشفسائق إحدى الجرافات لبيان اليوم، أن العمل لا يتوقف في «قندهار»، حيث توجد أوامر عاجلة بإخلاء المنطقة التي كانت عازلة لما يقارب 30 سنة، وتنظيفها من النفايات الثقيلة، وبقايا معدات عناصر جبهة البوليساريو التي كانت مرابطة في المنطقة العازلة، بإقامة سدود أمنية تهدد سلامة العابرين.
وأوضح سائق الشاحنة، بأن هذه المهمة العسيرة يغامر فيها المغاربة، لأنهم لا يتوفرون على معطيات أمنية بخصوص وجود ألغام متفجرة، سبق وأن زرعتها عناصر البوليساريو في المنطقة.
لكن تقتضي السيادة الوطنية من المغرب تأمين أراضيه بتطهيرها من كل الشوائب وإعادة فرض النظام القانوني بها، بعد فرار عناصر جبهة البوليساريو إلى مخيمات المحتجزين، عقب التدخل العسكري المغربي، الذي أمن بشكل جيد حركة التنقل بين المعبر الحدودي البري للمغرب وجارته موريتانيا، بحسب ما وقفت عليه بيان اليوم في المنطقة العازلة ووثقته بالصور في الميدان.
> موفد بيان اليوم إلى الكركرات: يوسف الخيدر- تصوير: أحمد عقيل مكاو