أُزيلت من أمام السودان إحدى أهم العقبات التمويلية لإعادة بناء الاقتصاد حيث لطالما ربط المحللون فرص نجاح السلطات في إخراج الأوضاع من أمراضها المزمنة بمعالجة ملف الديون القديمة، المقرون في جانب رئيسي منه بإنهاء العقوبات الأميركية المفروضة وشطب الخرطوم من قوائم دعم الإرهاب.
وقالت وزيرة المالية هبة محمد علي إن “الولايات المتحدة ستمنح البنك الدولي قرضا مؤقتا بقيمة مليار دولار للمساعدة في سداد متأخرات ديون السودان المستحقة للبنك، بما يفتح الباب أمام تمويل الاقتصاد السوداني المتعثر”.
وأشارت إلى أنه تمت اليوم إزالة أكبر عقبة في طريق السودان في مسيرته لإعفاء الديون والمتأخرات والبالغة قرابة 60 مليار دولار عبر مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون من قبل مؤسسات التمويل الدولية، والذي استفادت منه في الماضي جميع الدول امؤهلة للمبادرة.
وتتركز معظم التعاملات في ديون السودان حول قرض مضمون من الدولة صدر في 1981، في إطار اتفاقية لإعادة هيكلة دين قيمته الأصلية 1.64 مليار دولار. وبعد فترة قصيرة من ذلك تخلفت الخرطوم مجددا عن سداد التزاماتها بشأن القرض، ولم تقدم الحكومات المتعاقبة في عهد نظام عمر حسن البشير على فعل شيء أيضا.
ويُعتبر إعفاء الديون من أهم الخطوات لفتح أبواب التمويل لمشاريع إنتاجية عظمى أهمها التركيز على البنى التحتية، التي تتطلب أموالا كثيرة، وتُعدُّ القاعدة للنهوض بجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة والتجارة والطاقة والتعدين وتشجيع الاستثمار الأجنبي في السودان.
وأوضحت الوزيرة السودانية أن هذا الإنجاز الكبير لا بد أن تتبعه خطوات عديدة لتنفيذ كافة الإصلاحات المطلوبة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لكبح جماح التضخم ومعالجة واستقرار سعر الصرف وتحقيق النمو المستدام وتمويل السلام.
وتأتي تصريحات الوزيرة بعد يوم من قرار الولايات المتحدة رفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتي ظلت مدرجة عليها لمدة 27 عاما. وكان وجود السودان على القائمة يحرمه من الحصول على مساعدات مالية واستثمارات أجنبية ضرورية في ظل أزمة اقتصادية ونقص في إمدادات القمح والوقود.
وقالت علي إن “رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية، يمكن أن يسمح له بالحصول على 1.5 مليار دولار سنويا كمساعدات تنموية من مبادرة لدعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون. كما ستقدم الولايات المتحدة للخرطوم منحة من القمح والحاصلات الأخرى لمدة 4 سنوات”.
وكجزء من العملية سيقوم بنك الاستيراد والتصدير الأميركي بتقديم ضمانات للمستثمرين الأميركيين من القطاع الخاص قد تصل إلى مليار دولار في البداية.
ومن المقرر تنفيذ الخطوة خلال الأيام المقبلة وستتيح للسودان استعادة القدرة على الحصول على تمويل من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي على أن يستقبل في ما بعد وفدا من الرؤساء التنفيذيين لأكبر 10 شركات زراعية أميركية لبناء فرص استثمارية ويتبع ذلك وفود من قطاعات أخرى متعددة.
ويأمل التجار السودانيون ومن ورائهم المواطنون في انخفاض أسعار المواد الاستهلاكية خاصة المرتبطة بالدولار بعد رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي يفتح فرص التصدير والاستيراد وينعكس إيجابا على الأسعار.
وتصطدم الخرطوم بعقبات كثيرة قبل معالجة الاختلالات في التوازنات المالية وكبح مستويات التضخم ودعم العملة المحلية وفتح ورشة كبيرة لإعادة ترميم البنية التحتية المتهالكة ووقف العجز الكبير في الموازنة والميزان التجاري وكذلك الديون.
ومع ذلك لدى الحكومة الانتقالية آمال كبيرة في أن تساهم الأمم المتحدة في وضع خطة شاملة على المديين القصير والمتوسط وصياغتها وفقا لأولويات الحكومة.
ويرى محللون سودانيون أن سداد الديون الخارجية للسودان يعد عملية معقدة وطويلة وتحتاج إلى حسابات دقيقة لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
ونفذت الحكومات المتعاقبة محاولات حثيثة لإصلاح سعر الصرف من خلال خفض قيمة العملة لمواجهة تذبذبها في السوق الرسمية جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة. وتُلقي الأوساط الاقتصادية باللوم على نظام البشير الذي جعل البلد يدخل في متاهة مالية معقدة.
وكانت السلطات النقدية قد شطبت نحو نصف قيمة الجنيه في إقرار غير مباشر بأسعار الصرف المتداولة في السوق السوداء، وفق وسائل إعلام محلية، بلغ متوسط سعر العملة الأميركية في تعاملات السوق السوداء 250 جنيها، بينما يبلغ 55 جنيها في المصارف.
وأعلنت الحكومة في سبتمبر الماضي حالة الطوارئ الاقتصادية بعد تسجيل تراجع قياسي في قيمة العملة وهو ما عقد مهام معالجة اختلالات الاقتصاد، في وقت تتهم فيه السلطات جهات تعمل لصالح النظام السابق بتخريب الأوضاع.
تسهيلات أميركية تفوق المليار دولار لدعم الاقتصاد السوداني
الوسوم