غداة إحياء اليوم العالمي للمرأة، نشرت منظمة الصحة العالمية، أول أمس الثلاثاء، تقريرا يشير إلى تعرض ثلث نساء العالم للعنف الجسدي وخصوصا الجنسي من قبل شركائهن في أغلب الحالات. ويعتبر التقرير أن جائحة فيروس كورونا ساهمت في تفاقم الأوضاع نظرا لملازمة البيوت والتبعات الاقتصادية الصعبة التي رافقتها. وقال مدير عام منظمة الصحة إن “العنف ضد النساء آفة متجذرة في كل الدول والثقافات”، ودعا الحكومات إلى التحرك لأنه “خلافا لكوفيد-19 فإن العنف الذي تتعرض له المرأة لا يمكن وقفه بلقاح”.
وأفاد التقرير أن هناك امرأة واحدة من كل ثلاث نساء، أي حوالي 736 مليون امرأة، يتعرضن أثناء حياتهن للعنف البدني، أو الجنسي من قِبل الشريك الحميم، أو للعنف الجنسي من قبل غير الشركاء، وهو عدد لم يتغير تقريبا طوال العقد الماضي.
وقالت الطبيبة كلوديا غارسيا-مورينو واحدة من معدي التقرير إنه حتى لو ما زالت المعطيات المتينة غير متوفرة حتى الساعة، من الواضح أن آثار الجائحة الظاهرة منذ أكثر من سنة والتي أرغمت ملايين الأشخاص على ملازمة منازلهم وسببت أزمة اقتصادية عالمية، سلبية.
وصرحت “نعلم أن وضع العديد من النساء تفاقم على الأرجح” مشيرة إلى أن 641 مليون امرأة أي 26% من اللواتي هن في سن الخامسة عشرة وأكثر، كن ضحايا العنف من قبل شركائهن.
وقالت “النساء اللواتي كن يتعرضن لسوء المعاملة وجدن أنفسهن عالقات في هذا الوضع. فجأة وجدن أنفسهن أكثر عزلة وعلى الدوام مع الشريك الذي يسيء معاملتهن”. وقد تساهم الصعوبات المادية والضغوط الناجمة عن وجود الأولاد في المنزل باستمرار ومشكلات أخرى ناجمة عن الجائحة، في التسبب بعنف جديد.
كما يكشف التقرير أن 6% من النساء تعرضن لاعتداء جنسي من شخص غير شريكهن، لكن المحرمات التي تحيط بهذا الموضوع توحي بأن عددهن الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. وغالبا ما تبدأ هذه التجاوزات في سن مبكرة.
وأعلن مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن “العنف ضد النساء آفة متجذرة في كل الدول والثقافات ويلحق الأذى بملايين النساء وأسرهن”. ودعا الحكومات إلى التحرك لأنه “خلافا لكوفيد-19 فإن العنف الذي تتعرض له المرأة لا يمكن وقفه بلقاح”.
تزايد معدلات العنف المنزلي
والتقرير الذي نشر الثلاثاء هو الثاني من نوعه ويستند إلى بيانات جمعت بين 2000 و2018. ومع ذلك، فإن الاختلاف في المنهجية يجعل المقارنات صعبة مع أول وثيقة حول الموضوع نشرت في 2013. والواضح بالنسبة للباحثة هو أن “معدلات العنف المنزلي مرتفعة للغاية وبات من الضروري التحرك بشكل عاجل”.
كما لاحظت تباينات إقليمية حتى وإن كان مستوى العنف “مرتفعا جدا في كل مكان”. وتشهد الدول الفقيرة عموما مستويات عنف تتعرض لها النساء أعلى من الدول الغنية، وأوقيانيا هي المنطقة الأكثر تأثرا بهذه الآفة مع تعرض 51% من النساء بين 15 و49 عاما، لهذه الاعتداءات. كما تأثرت جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء بشدة بذلك. وتسجل جنوب أوروبا أدنى معدل بنسبة 16%.
النساء الأصغر سنا أكثر الضحايا
ويبدأ هذا العنف مبكرا، إذ تتعرض واحدة من كل 4 نساء شابات (تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً) ممن ارتبطن بعلاقة، للعنف من الشريك الحميم بحلول بلوغهن منتصف العشرينيات من عمرها.
ومع أن هذه الأرقام تكشف عن معدلات العنف ضد النساء والفتيات التي كانت مرتفعة بالفعل إلى درجة مثيرة للقلق، إلا أنها لا تجسّد الأثر المستمر لجائحة فيروس كورونا المستجد.
جائحة “كوفيد-19” تفاقم العنف ضد المرأة
وأدت الجائحة إلى زيادة تعرض النساء للعنف، وذلك نتيجة لتدابير مثل الإغلاق الشامل، وانقطاع خدمات الدعم الحيوية.
وأدت الآثار المتعددة لجائحة كورونا إلى تكون “جائحة مصاحبة” لمختلف أنواع العنف المتزايد ضد النساء، وفقاً للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فومزيلي ملامبو-نغوكا.
وشهدت العديد من البلدان بالفعل زيادة في البلاغات التي وردت إلى خطوط المساعدة، والشرطة، والعاملين الصحيين، والمعلمين، وغيرهم من مقدمي الخدمات بشأن مواجهة العنف من الشريك الحميم أثناء الإغلاق الشامل، ومع ذلك، إلا أن الأثر الكامل للجائحة على معدل انتشار العنف لن يُحدَد إلا بعد استئناف المسوح.
وتشكل الإجحافات عاملا رئيسيا من عوامل خطر العنف ضد المرأة، ويؤثر العنف على نحو غير متناسب على النساء اللواتي يعشن في البلدان المنخفضة الدخل، وبلدان الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط.
وتشير التقديرات إلى أن 37% من النساء اللاتي يعشن في البلدان الأشد فقرا قد تعرضن للعنف البدني و/أو الجنسي من قبل الشريك الحميم في حياتهن، ويرتفع معدل الانتشار في بعض هذه البلدان ليصل إلى امرأة من كل اثنتين.
غوتيريش: مكاسب النساء تراجعت في ظل كورونا
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد عبر عن أسفه يوم الاثنين الماضي، في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لأن حقوق المرأة التي أحرزتها المرأة بشق الأنفس على مستوى العالم شهدت تراجعا في ظل جائحة كورونا، في الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات لتمكين المرأة في جميع أنحاء العالم، من ميانمار وأفغانستان إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بالقيادات النسائية اللاتي شهدت بلدانهن أعدادا ضئيلة من الوفيات أثناء الجائحة، والنساء اللاتي يشكلن 70 في المئة من العاملين في مجال الصحة والرعاية في الخطوط الأمامية، والمنظمات النسائية التي قدمت خدمات محلية والمعلومات الخاصة بكوفيد-19.
وذكر غوتيريش في رسالة عبر الفيديو، أن الوباء أظهر أنه “في عالم يهيمن عليه الذكور وتطغى فيه الثقافة الذكورية، تصبح المساواة بين الجنسين مسألة تمكين. لكنها فرضت أيضا حسابًا للتفاوتات العالمية وأوجه الضعف والتمييز الراسخ بين الجنسين”.
كل هذه القضايا، فضلا عن ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، ستكون على جدول أعمال حدثين رئيسيين قادمين يشكلان جزءا من الذكرى السنوية الخامسة والعشرين المؤجلة لمؤتمر بكين للمرأة عام 1995 الذي اعتمد خارطة طريق من 150 صفحة لتحقيق المساواة بين الجنسين.
وسينطلق الحدثان، اللذان يركزان على المجتمع المدني ويهدفان إلى “دفع” المساواة بين الجنسين، باجتماع عالمي افتراضي في مكسيكو سيتي في الفترة من 29 إلى 31 مارس الجاري.
وسيلي ذلك اجتماع في باريس في الفترة من 30 يونيو إلى 2 يوليو، والذي أُعلن عنه الإثنين، سيعقد تحت شعار منتدى جيل المساواة.
وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فومزيل ملامبو-نجوكا، في احتفال الأمم المتحدة بيوم المرأة العالمي: “نحن نقف على مفترق طرق بينما نفكر في التعافي من جائحة كان لها تأثير هائل على النساء والفتيات”.