لا يزال القطاع غير المهيكل، هذه الآفة التي تعرف انتشارا بالمغرب في قلب الأجندة السياسية والاقتصادية، حيث ساهمت الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في إعادة إحياء النقاش القديم بشأن طرق دمج وحدات الإنتاج غير المهيكلة.
وبالرغم من تراجع حجم مساهمته في الناتج الداخلي الخام فإنه يواصل الإضرار بالاقتصاد الوطني، بسبب غياب مساهمته في المداخيل الضريبية وظروف العمل السيئة التي تؤدي أحيانا إلى وقوع كوارث.
وتحول العديد من العوامل دون اندماج وحدات الإنتاج غير المهيكلة في النسيج الاقتصادي المهيكل والتي تخشى بالخصوص من الضرائب غير الجذابة والقوانين الصارمة فضلا عن التكاليف المرتبطة بالأجور على حساب قدرتها التنافسية.
وحسب دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط فإن المكون الجبائي الرئيسي للقطاع غير المهيكل هو الضريبة على القيمة المضافة وضعف الإدماج المالي وغياب السيولة الذي يدفع وحدات الإنتاج غير المهيكلة إلى القيام بمعاملات مع مزودين لا يقومون بدورهم بالتصريحات اللازمة أو يشتغلون في القطاع غير المهيكل لتجنب أداء الضريبة على القيمة المضافة.
ويرى المشغلون بهذا القطاع أن التعديلات على الحد الأدنى للأجر تمثل عبئا إضافيا في الأجور، مما يجبر المقاولات لاسيما الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، على تقليص عدد العاملين بها أو عدم التصريح بهم.
وأشارت الدراسة إلى أن “التشريعات الإلزامية كالنصوص القانونية والإجراءات التي يتعين اتباعها لإحداث مقاولة صغرى مكلفة زمنيا أو ماديا ومعقدة بالنظر إلى المستوى التعليمي لمسؤولي وحدات الإنتاج غير المهيكلة، محذرة من أن الطابع المعقد والإلزامي للإطار المؤسساتي يساهم في انتشار الأنشطة غير المهيكلة.
وأبرز عبد الغني يومني، الباحث الاقتصادي والمتخصص في السياسات العمومية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، العبء الثقيل للقطاع غير المهيكل في ما يتعلق بالإيرادات الضريبية لاسيما الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة، وكذا المساهمات الاجتماعية، مضيفا أن مساهمة الاقتصاد غير المهيكل في الناتج الداخلي الخام تنافس قطاعات ذات أهمية كبيرة بالمغرب كالسياحة والنسيج.
وأكد أن “تقليص حجم القطاع غير المهيكل إلى ما دون 25 في المائة، متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليس مجرد دعوة أو تمن، وإنما يعد أحد التوجهات الاستراتيجية الكبرى للمملكة”.
وتابع أن الجائحة التي تسببت في توقف جزء مهم من القطاعات الاقتصادية الوطنية بما في ذلك الأنشطة السرية، كشفت عن ضعف التغطية الاجتماعية للعمال الذين يشتغل جزء كبير منهم في وحدات غير مهيكلة في غياب أي حماية اجتماعية، في مواجهة مثل هذه المخاطر.
وبهذا الخصوص، يؤكد الخبير الاقتصادي أن الأزمة الصحية كشفت عن الثقل الكبير للقطاع غير المهيكل بالمملكة، كما يدل على ذلك عدد المستفيدين من الإعانات التي منحتها الدولة لمساعدة الفئات المتضررة.
وأوضح أن إصلاح الحماية الاجتماعية وتعميمها في المغرب لتجاوز إشكال تعدد المتدخلين وضعف معدل التغطية “يتطلب جهدا ماليا سنويا لا يقل عن 14 مليار درهم، ولا يمكننا تحت أي ظرف كان تمويل الدين الاجتماعي، وإنما من خلال، على الخصوص، إعادة توزيع الضرائب”.
كما تتضمن مكافحة هذه الظاهرة القيام بمقارنة مرجعية لتقييم مدى ملاءمة الممارسات الفضلى على المستوى الدولي، حيث حققت العديد من البلدان إنجازات في هذا المجال. في هذا الصدد، استعرض السيد يومني التجربة اليونانية التي ركزت على تحديد سقف للدفع نقدا، وتشجيع الخدمات المصرفية، وتعزيز رقمنة عمليات البيع والشراء، وكذا جهود الشيلي في تعزيز الانخراط في الحماية الاجتماعية، وتبسيط الوضع القانوني والنظام الضريبي للمقاولات الصغيرة جدا ، وتشجيع السياسات العمومية التركية لإحداث المقاولات المتوسطة ومرونة عقود العمل.
وأكد دراسة حول الاقتصاد غير المهيكل نشرت على بوابة بنك المغرب أن استمرار العديد من الأنشطة غير المهيكلة يتطلب إصلاحات هيكلية إضافية، لاسيما تلك المتعلقة بالتعليم والنظام القضائي والسياسة الضريبية وسوق الشغل.
ويتعين الآن، قبل أي وقت مضى، اعتماد استراتيجية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار الطابع المعقد والخصائص الممي زة للقطاع غير المهيكل لتشجيع المشغلين على التوجه نحو القطاع المهيكل، للاستفادة من تدابير الدعم والتشجيع التي تضاعفت في السنوات الأخيرة على المستويات المالية والتنظيمية والاجتماعية.
القطاع غير المهيكل.. الآفة التي تواصل الانتشار
الوسوم