ناقش خبراء وباحثون بارزون في ميادين مختلفة، يوم الخميس الماضي بالرباط خلال ندوة نظمتها جمعية ليونز كلوب الدولية ومنطقة 416-المغرب، موضوع الزواج المبكر للفتيات.
وشكلت هذه الندوة، التي انعقدت تحت شعار “الزواج المبكر للفتاة المغربية ظاهرة متنامية” وشارك فيها خبراء اقتصاديون، وعلماء اجتماع، وأطباء، وقضاة، ومحامون، وفاعلون في المجتمع المدني، فضاء لتقاسم التجارب والتفكير في هاته الإشكالية التي باتت تثير، أكثر من أي وقت مضى، بحكم طبيعتها وتجذرها، قدرا كبيرا من الاهتمام.
ومن بين التوصيات التي انبثقت عن هذه الندوة، أبرز عبد الحق التراب، الحاكم السابق لنادي ليونز المغرب، أهمية توسيع حملات التوعية والتحسيس وإدراج هذه القضية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من السياسة العامة للتعليم.
وتشمل التوصيات أيضا تعزيز النقاش العمومي حول القضايا “السوسيو-الثقافية” المرتبطة بالزواج والأمور الجنسية واعتماد عبارة “زواج الأطفال” في النص القانوني، بدلا من عبارة “زواج القاصرين”، أو الزواج المبكر، من أجل إزالة كل لبس.
كما دعا التراب إلى إلغاء الاستثناءات ومعاقبة أي مخالفة جنائيا، والقضاء على زواج الأطفال غير الرسمي المعروف بزواج “العرف” أو “الفاتحة” وزيجات “العقود” ومحاربة الهدر المدرسي وأمية الفتيات الصغيرات.
وأكد التراب أيضا على الحاجة إلى تمكين المرأة من أجل ضمان استقلاليتها المالية وصون كرامتها، وإدراج مفهوم جديد للزواج في النموذج التنموي الجديد.
من جهتها، أشادت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، في مداخلة بالمناسبة، بتنظيم هذه الندوة لبحث موضوع معقد.
وشددت الوزيرة على ضرورة إشراك الجامعة المغربية في كافة الإجراءات المتخذة لمكافحة هذه الآفة المقلقة، مسجلة أن انخراط الأوساط الأكاديمية كفيل بأن يمكن من معالجة عميقة لهذه الظاهرة وفهمها جغرافيا.
وقالت إنه يتعين إشراك أساتذة وطلبة من مختلف الجامعات المغربية لرفع الستار عن الزواج المبكر للأطفال، مطالبة بتقوية محاربة الهدر المدرسي، منشأ هذا المشكل.
وأوضحت المصلي أن وزارتها أحدثت عدة فضاءات مهيأة لفائدة النساء من أجل إبراز دور المرأة في المجتمع، ومن أجل أن ضمان تمتعها بحقوقها كاملة.
من جانبها، أبرزت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، نزهة بوشارب، أن موضوع الزواج المبكر يسائل الحكومة والمجتمع المدني وكافة الفاعلين المعنيين لتعزيز النقاش ووضع الوسائل والآليات الكفيلة بتطويق هذه الإشكالية.
وأضافت بوشارب أن هذه الندوة تشكل فرصة للوقوف على مدى تكامل الحلول المقدمة بحيث تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية، بما يمك ن الفتاة الشابة من التمتع بحقوقها المشروعة المرتبطة بالتعليم والصحة.
ولفتت الوزيرة إلى أن حماية حقوق القاصرين مهما كان جنسهم، من مسؤولية الجميع، وأن هذه القضية تستدعي تعبئة جماعية لتوعية الأسر بكون زواج القاصرين لا يحل مشاكل الأسرة، بل يشكل عبئا إضافيا ثقيلا على المجتمع.
وأوضحت أنه في إطار تفعيل التوجيهات الملكية السامية، بذلت الحكومة جهودا للنهوض بجميع الفئات الاجتماعية، وخصوصا النساء والفتيات.
أما رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، فسجل أن هذا اللقاء يعالج موضوعا شائكا وحساسا تتداخل فيه الاعتبارات الاجتماعية والقانونية والاقتصادية والثقافية.
وأعرب الشامي في هذا الصدد عن أسفه لكون 12 مليون فتاة في العالم يتزوجن كل سنة، وفي كل 7 ثوان، تضطر فتاة لم يتجاوز عمرها 15 سنة إلى الزواج، وأكثر من مليون فتاة يصبحن أمهات قبل هذه السن.
ولاحظ أنه “في المغرب، يتم منح أكثر من 30 ألف تصريح سنويا للزواج من فتيات قاصرات، مما يعني أن طفولة هؤلاء الفتيات تنتهي بشكل مفاجئ كل سنة”.
واعتبر الشامي أن هؤلاء الطفلات المتزوجات ضحايا ثلاث مرات: باعتبارهن طفلات وزوجات المستقبل وأمهات المستقبل.
ولمعالجة هذا الموضوع، أوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المغرب انخرط تدريجيا ولكن بثبات في طريق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، لا سيما من خلال الدستور الذي كرس المساواة بين الرجل والمرأة والنهوض بحقوق الأطفال وسمو القانون الدولي.
وفي هذا السياق، اعتبر الشامي أن الوقت قد حان لكي يرسخ المجتمع المغربي أكثر هذه الدينامية المحمودة ويكفل الحماية الكاملة للأطفال بكافة الوسائل، داعيا إلى مضاعفة الجهود لحل هذه المشكلة وتحقيق أهداف التنمية.
من جانبه، سجل خليل الهاشمي الإدريسي، فريق الريادة العالمي بـ “ليونس كلوب” المغرب – الحاكم السابق لليونز كلوب الدولي، أن هذا الموضوع الجوهري قد طفا إلى السطح بقوة “لدرجة أن تنامي هذه الظاهرة الاجتماعية، الزواج المبكر للفتيات الصغيرات، أصبح لافتا للانتباه من الناحية الإحصائية”.
وأعرب عن أسفه لكون “هذا التنامي سيؤدي إلى المزيد من الأطفال المحبطين أو التعساء، الذين اغتصبت طفولتهم، والمزيد من الفشل المدرسي، والمزيد من الأمية، والمزيد من التخلي عن الأطفال، والمزيد من البؤس …”.
وأضاف الهاشمي الإدريسي أن المجتمع يدفع، في وقت من الأوقات، ثمنا باهظا لحياة البالغين هاته التي لا يخبرون صعوباتها وتحدياتها، مشيرا إلى أننا “نواجه واقعا معقدا يصعب الإحاطة به، يتطلب مقاربات شاملة ومتعددة التخصصات، ولا يمكن أن تكون حلوله بسيطة وبديهية وسريعة”.
ولإفساح المجال للنقاش طرح الهاشمي الإدريسي جملة من الأسئلة أهمها: كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن التخفيف من تأثيرها على الأرواح المكسورة؟ وأية مقاربة تشريعية ناجعة إزاءها؟ وكيف يمكن فعل ذلك بشكل شرعي دون المس بالعادات والتقاليد المتجذرة تاريخيا؟
وأشار منظم الندوة، كريم الصقلي، حاكم المقاطعة 416-المغرب، إلى أن هذا اللقاء، الذي نظم في إطار الأنشطة الاجتماعية والثقافية لليونز كلوب الدولي، والمقاطعة 416-المغرب، أتاح الفرصة للتركيز على الزواج المبكر للفتاة المغربية التي أصبحت “ظاهرة متنامية”.
وسلط الصقلي الضوء على أهمية الموضوعات التي تم تناولها من خلال مختلف الموائد المستديرة المبرمجة، ولا سيما حلقة النقاش التي تناولت جوانب ثقافية وتشريعية واجتماعية واقتصادية، مشيدا بثراء النقاش حول هذه الآفة، من منطلق “مكانتنا بصفتنا مجتمعا مدنيا”. وتمحورت مناقشات هذه الندوة حول ثلاث حلقات نقاش وفق المقاربات الثلاث الرئيسية: المقاربات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية والثقافية.
ويندرج نشاط ليونز كلوب، الذي يقوم بالعديد من الأعمال التطوعية في مجال الصحة والتعليم ومحاربة الهشاشة، في إطار هذه العملية ويطمح من خلال هذه الندوة إلى المساهمة في إثراء النقاش وفتح آفاق جديدة.
خبراء وباحثون يقاربون موضوع الزواج المبكر للفتيات
الوسوم