على امتداد أسبوع كامل، كانت أكادير عاصمة للكرة الشاطئية الإفريقية، والمناسبة احتضان الإقصائيات الخاصة بالقارة والمؤهلة للألعاب الأولمبية الصيفية، المقرر تنظيمها بالعاصمة اليابانية طوكيو صيف السنة الجارية.
طويلة أيام الدورة كان التنظيم واللوجستيك في مستوى الحدث، إذ لم تترك كل التفاصيل للصدفة أو قرارات آخر لحظة، كما أن جمالية هذه المدينة السياحية، وروعة شواطئها، وطيبوبة سكانها، عوامل ساهمت بقوة في ضمان نجاح هذا العرس الإفريقي، الشيء الذي نال إعجاب كل المشاركين.
كل سلطات عاصمة سوس بجميع التخصصات، تهيأت بما يكفي من أجل ضمان التنظيم في أحسن الظروف، وتأكيد السمعة التي يحظى بها المغرب على مستوى الاستضافة والتنظيم، كما أن مصالح وزارة الصحة كانت حاضرة بكثير من الفعالية والدقة في المتابعة، والمراقبة والتتبع اليومي، وبالفعل ساهمت خبرة وتجربة أطر الوزارة في ضمان تطويق الحالات الايجابية بالنسبة لوباء كورونا داخل بعض الوفود كما هو الحال بالنسبة لمصر وتونس.
24 فريقا في فئة الذكور، و20 فريقا لدى الإناث جاءت للمغرب من أجل التباري وتحقيق هدف واحد، ألا وهو تحقيق الحلم الأولمبي، ونيل شرف تمثيل القارة الإفريقية، وبالفعل كان التباري في المستوى العالي، وبرزت العديد من الطاقات في صنف الذكور والإناث، خاصة تلك التي تمارس بأكبر الدوريات العالمية.
على مستوى الإناث عرفت هذه الدورة مشاركة كل من منتخبات كوت ديفوار، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مصر، غامبيا، غانا، غينيا، كينيا، مالي، موزمبيق، جزر موريس، نيجيريا، جنوب إفريقيا، رواندا، سيراليون، السودان، أوغندا، زامبيا وزيمبابوي.
أما بالنسبة للمنافسات الخاصة بفئة الذكور، فضمت كلا من النيجر، كوت ديفوار، مصر، غامبيا، غانا، كينيا، المغرب، مالي، موزمبيق، جزر موريس، نيجيريا، جنوب إفريقيا، رواندا، سيراليون، السودان، زامبيا، زيمبابوي، تونس، الطوغو، تنزانيا، جنوب السودان، الكونغو برازافيل، بنين وبوتسوانا.
والإيجابي أن النجاح على المستوى التنظيمي واكبه أيضا نجاح تقني، حيث استطاع المنتخب المغربي للذكور كسب ورقة التأهيل لأولمبياد، بعد فوزه في النهائي على منتخب موزمبيق بجولتين مقابل واحدة.
وجاء تأهل العناصر الوطنية، إلى المباراة النهائية بعد الانتصار في نصف النهاية على حساب المنتخب الغامبي، بجولتين مقابل جولة واحدة.
بالنسبة للإناث استطاع منتخب كينيا الظفر بتذكرة هذا الصنف، بعد تفوقهن في المباراة النهائية على حساب نيجيريا، مع العلم أن إناث كينيا هزمن منتخب المغرب في نصف النهاية، بينما تأهلت نيجيريا على حساب مصر، بسبب قرار الإبعاد، إثر ثبوت حالة إصابة بفيروس كورنا ضمن أعضاء الوفد.
نجح المغرب إذن في احتضان هذا الحدث الإفريقي، كما قدم الدليل مرة أخرى على قيمة التنظيم والاحترافية في الاستقبال والتدبير اليومي لكل التفاصيل المرتبطة بهذه التظاهرة القارية، وهو ما أشاد به الخبراء الأفارقة والأجانب، حيث أكدت على العمق الإفريقي، وتجسيد لحضور فاعل ومؤثر، وهذه مسألة أصبحت عادية في كل التظاهرات التي تستضيفها بلادنا بالعديد من الأنواع الرياضية، وأسرة الكرة الطائرة لم تخرج عن هذا السياق، إذ تمكنت من تشريف الرياضة الوطنية، وتأكيد على أن رئاسة الاتحاد الإفريقي للعبة لم تأت من فراغ.
من هنا بدأت الحكاية
شكل حدث تأهل المنتخب الوطني للكرة الطائرة الشاطئية “رجال” إلى الألعاب الأولمبية طوكيو 2021، حدثا هاما ميز احتضان المغرب للتصفيات الأولمبية، حيث تحقق الحلم الأولمبي على ارض مدينة أكادير السياحية التي احتضنت على مدى أسبوع من التباري أسرة الكرة الطائرة الإفريقية.
هذا التأهل التاريخي للرجال، لم يأت من باب الصدفة أو الحظ، بل هو ثمرة لتخطيط محكم طيلة أزيد من أربع سنوات ليصل الثنائي المغربي محمد اعبيشة/زهير لكراوي إلى قمة العطاء التقني ويركب المنتخب تحت قيادة الإطار الشاب رشيد بوشدوق، هذا التحدي الكبير ووضع الكل نصب عينيه الحلم والاشتغال وفق برنامج محكم سطرته الإدارة التقنية تحت إشراف رئاسة الجامعة الملكية المغربية للكرة الطائرة في شخص بشرى حجيج.
وبدأت خيوط الحكاية منذ أن انهزم الثنائي أمام تونس في نهائي الكأس القارية 2016، والمغرب كان يتوفر على كرة المقابلة والتأهل إلى أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وأضاع المغرب لحظة تاريخية.
وكانت بداية الاستعداد الحقيقي وفق معايير علمية منظمة وبرنامج طموح يأخذ بعين الاعتبار الحضور المغربي على كل الواجهات، ليبدأ مشوار التحدي بواقعية التواجد والحضور الفني الذي ينتهي باعتلاء منصة التتويج.
وسيضرب هذا الثنائي بقوة خلال بطولة إفريقيا الأولى – مابوتو الموزمبيق -2017، والثانية- أبوجا نيجيريا – 2019 بتحقيق لقبين قاريين، إذ تأهل المغرب بفضلهما إلى بطولة العالم دورة النمسا 2017، وألمانيا، 2019 وأيضا دورتي الألعاب البحر الأبيض المتوسط بيسكارا-إيطاليا وتاراغونا-إسبانيا.
وهذا الزخم من حيث المشاركة المقرونة بالتتويج راكم من خلاله الثنائي تجربة وقدرة على رفع سقف الجاهزية إلى العالمية، والبحث الحثيث عن الطريق المعبد إلى الأولمبياد.
وكانت محطة كابو فيردي بمدينة صال 2019، من بين الملتقيات التي كان لها الأثر الإيجابي على الرغم من إحراز المغرب على برونزية الرجال، يكون التعريج بعدها إلى الألعاب الإفريقية في دورتها الأولى التي احتضنها بلادنا صيف السنة نفسها 2019، حيث توج المغرب وصيفا للبطل في المقابلة النهائية والتي كانت قمة في الأداء بين المنتخبين المغربي والغامبي.
وكانت محطات هذه المسيرة طويلة وشاقة، استفاد منها المنتخب الوطني كثيرا، وأعاد ترتيب أوراقه في وقت آمنت فيه كل الفعاليات بقدرة الثنائي رفع التحدي والوصول إلى أولمبياد طوكيو، وفرت فيه الجامعة الملكية المغربية للكرة الطائرة كل الظروف التي ساهمت في تخسين جودة الاستعداد والتكيف مع كل التحولات التي فرضتها جائحة كورونا التي توقفت فيها الحركة في كل الأرجاء.
أول تظاهرة كبرى على المستوى القاري خاصة بالكرة الطائرة تنظم بعد رفع الحظر الصحي والإداري، كانت هي التصفيات القارية التي حظي المغرب باحتضانها، وبالضبط بمدينة أكادير، حيث اجتمعت الأسرة الإفريقية، وهى الاستضافة التي جاءت مباشرة بعد انتخاب بشرى حجيج على رأس الاتحاد الإفريقية للكرة الطائرة، وهو اختيار يحمل في طياته مجموعة من الإشارات الايجابية ذات دلالات عميقة، فأكثر من 30 دولة شاركت من أجل تذكرتين فقط واحدة للرجال ومثيلتها للسيدات.
محطة أكادير حاضرة منطقة سوس العالمة، كانت فأل خير على الكرة الطائرة الشاطئية، وتشاء الظروف أن تكون القنطرة العبور إلى طوكيو، بالفعل أكد الثنائي المغربي أنه يسير نحو التتويج بعد حضور وازن، جعل من المغرب محط إعجاب واهتمام كل من تابع هذه الدورة، وكل من نافس على التذكرة بقوة، وخاصة منتخبات غامبيا ومصر وتونس والموزمبيق.
فرغبة عبيشة/الكراوي ومعهما كل مكونات الكرة الطائرة المغربية كانت كبيرة لتحقيق الحلم التاريخي في ملحمة شارك فيها اللاعبون والجامعة والأطر الفنية والجمهور والحكام، وكل من حضر دورة أكادير التي كانت قمة في التنظيم والتدبير والنقل واللوجستيك والإعلام.
دورة رفع فيها المغاربة حجم التنظيم أكثر مما توقع الاتحادين الأفريقي والدولي، توج هذا العمل بفوز باللقب القاري وانتزاع بطاقة التأهل إلى طوكيو باستحقاق جعل الثنائي يحقق هذا الحلم الذي طاردوه منذ مدة، وكانت أكادير المحطة المناسبة التي تحقق على أرضها هذا الحلم الغالي.
ست سنوات من العمل المضني للبطلين، رغم تباعدهما الجغرافي، حيث يمارس اعبيشة بالدوري القطرى، بينما يمارس لكراوي بفرنسا، إلا أن طموحها كان أقوى، بعد وضعا نصب أعينهما، الهدف الأسمى لكل رياضي، ألا وهو الوصول إلى الأولمبياد.
وعليه، لابد من استحضار قيمة هذا التتويج ووضع هذا التأهيل في سياق مثمر، يتطلب تكثيف وتشجيع تنظيم البطولات والدوريات على المستوى الوطني والجهوي، قصد الرفع من درجة التباري وضمان إعداد جيل المستقبل التواق إلى تحقيق انتصارات أخرى، وركوب تحديات كبرى، من شأنها المساهمة في تطوير مستوى الكرة الطائرة الشاطئية في كل ربوع المملكة.
تصريحات
بشرى حجيج: رئيسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم
«أنا جد فخورة هاته التظاهرة الدولية الهامة والتي عرفت مشاركة 28 بلدا إفريقيا مؤهلا للدور الأخير والنهائي.. تمكن المغرب من كسب رهان تنظيم هاته المسابقة المؤهلة للألعاب الأولمبية بطوكيو 2020 على المستوى التدبيري واللوجستيكي.. المغرب أرض اللقاءات والحضارات والسلام بين مختلف البلدان الإفريقية.. الحمد الله المنتخب الوطني المغربي للسيدات تمكن من الوصول إلى دور نصف النهائي قبل أن يقصى من نفس الدور.. المنتخب الوطني للذكور استطاع تحقيق التأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية».
جيبا: بطل عالمي في الكرة الطائرة
«دورة كانت ناجحة بكل المقاييس من ناحية التنظيم والأمان، وهذا أمر مهم في هذه الأيام في ظل ما تعرفه من جائحة فيروس كورونا المستجد.. علينا أولا الاهتمام بصحة الرياضيين وكل المدربين وأعضاء الأطقم التقنية.. بالنسبة للتنظيم ليس لدي شيء لأقوله.. كما ترى الجميع يعملون بشكل كبير وبتركيز تام.. أداء المشاركين جيد جدا، أعلم كم هي مهمة هذه النسخة لأنها مؤهلة للألعاب الأولمبية التي هي بمثابة الحلم لجميع الرياضيين.. المسابقة تشهد حضورا فرقا قوية تمثل العديد من البلدان.
رشيد بوشدوق: مدرب المنتخب المغربي
للكرة الطائرة الشاطئية
«اليوم تمكنت الجامعة الملكية المغربية للكرة الطائرة دخلت التاريخ من أوسع الأبواب، بعدما حققت العناصر الوطنية التأهل إلى الألعاب الأولمبية التي ستجرى بطوكيو 2020.. المنتخب كان تنقصه المشاركة في نهائيات الأولمبياد، بعدما شارك في جميع التظاهرات من بينها، البطولة الإفريقية والعربية، وبطولة العالم، والألعاب الفرنكوفونية وألعاب البحر الأبيض المتوسط.. أشكر بشرى حجيج رئيسة الجامعة الملكية المغربية للكرة الطائرة على كل المجهودات والدعم والسند، وجميع الأفراد الذين أنجحوا هاته التظاهرة الإقصائية التي أقيمت بأكادير».
عندما تسند الأمور لأهل الاختصاص
لاحظ كل رجال الإعلام الذين حضروا لتغطية فعاليات الاقصائيات الأفريقية الخاصة بدورة طوكيو الأولمبية، أن هناك الكثير من السلاسة في التعامل وتسهيل المهمة، من حيث المتابعة اليومية وطريقة الحصول على المعلومة، وأخذ التصريحات والصور في حينه، مما نال استحسان كل الزملاء مغاربة وأجانب.
وليس هناك أي سر وراء هذا المعطي الايجابي، إذ كان وراء هذا العمل الاحترافي الصحفي الرياضي سعيد انيس، الذي بذل مجهودا كبيرا من أجل تسهيل مهمة كل الزملاء والزميلات بدون استثناء، طيلة اسبوع كامل من المنافسات.
برافو سعيد..
< محمد الروحلي