قبل أسابيع، اضطر أبو طالب إلى ترك بساتينه المزروعة بالفواكه في جنوب لبنان والنزوح إلى شمال البلاد، بعدما باتت أراضيه في قلب دائرة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، لكن قلبه ينفطر حزنا على محصول لطالما انتظره.
على غرار أبو طالب، وجد مزارعون كثر أنفسهم يتخلون قسرا عن مواسمهم من حمضيات وفواكه وخضار جراء جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة التي تطال مناطق محسوبة على حزب الله، لا سيما في جنوب البلاد وشرقها. أما من أنقذ محاصيله، فيعجز عن تسويقها.
ويقول أبو طالب الذي فضل استخدام اسم مستعار لأسباب أمنية، “بدأت الحرب قبل موسم القطاف بقليل”.
ويضيف الرجل الذي نزح من بلدة طيردبا قرب صور إلى مدينة طرابلس في تصريحات لوكالة فرانس برس “تركت 12 هكتارا من الأفوكادو والقشطة والحمضيات.. لم نتمكن من قطف شيء”.
وبينما كان يتفقد بساتينه، سمع دوي غارة إسرائيلية طالت بلدة مجاورة، على حد قوله، ما دفعه للعودة أدراجه من دون أن يتمكن من إنقاذ محصول الأفوكادو الذي عادة ما يكون مربحا لأنه مخصص للتصدير بشكل أساسي.
بعد عام من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله عبر الحدود، بدأت الدولة العبرية في 23 سبتمبر بتكثيف غاراتها على جنوب لبنان وشرقه، وحيث توجد بساتين وحقول زراعية شاسعة.
وأسفرت هذه الغارات عن مقتل أكثر من 1940 شخص على الأقل في لبنان، بينما دفعت أكثر من 1,2 مليون شخص إلى النزوح، ما اضطر عددا من المزارعين إلى التخلي عن أراضيهم ومحاصيلهم.
ورغم أن المحادثات السياسية تراوح مكانها، إلا أن أبو طالب يأمل التوصل إلى “وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن” لينقذ “ما تبقى” من مواسمه.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن أكثر من 1909 هكتارا من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان تضررت أو لم يتم جني محاصيلها منذ بدء تبادل القصف بين حزب الله وإسرائيل في الثامن من أكتوبر 2023 حتى 28 سبتمبر.
اضطر هاني سعد وهو مزارع كبير إلى التخلي عن أربع من خمس مزارع أفوكادو وحمضيات وقشطة وموز يملكها، أي ما يعادل 120 هيكتارا في منطقة النبطية (جنوب) التي يناسب مناخها المعتدل هذا النوع من المزروعات.
ويقول سعد الذي غادر بلدته وتوجه عند أولاده في مدينة جونية الساحلية شمال بيروت، “إذا جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غضون شهر، يمكنني أن أنقذ الموسم، ولكن إن لم يحصل ذلك، عندها سيضيع الموسم كله”.
قبل فترة، اندلع حريق في أحد البساتين الأربعة التي لا يمكنه الوصول إليها نتيجة استهدافها بغارة، ما اضطر عناصر الإطفاء إلى التدخل لإخماده.
وكان سعد يعتمد على 32 عاملا يساعدونه في الاهتمام بأراضيه وقطاف المواسم، غير أن 28 منهم غادروا، خصوصا إلى سوريا المجاورة التي يتحدرون منها.
بعد شن إسرائيل لغارات عدة على معبرين حدوديين رئيسيين مع سوريا الشهر الماضي، ما أدى إلى إغلاقهما، وارتفاع نسبة المخاطر التي تتعرض لها شركات النقل، ارتفعت كلفة الشحن، ما يجعل تصدير البضائع أمرا صعبا.
ويشرح شادي قعدان وهو مدير عام في شركة تصدير فواكه مقرها في صيدا (جنوب) لفرانس برس أن التصدير باتجاه دول الخليج التي تعد المنفذ الرئيسي للمحاصيل الزراعية، انخفض بنسبة أكثر من خمسين في المئة.
وأدى الانخفاض بدوره إلى فائض إنتاج في السوق المحلية، خصوصا في مناطق تعتبر آمنة، وبالتالي إلى انخفاض أسعار بعض الفواكه لا سيما الموز والقشطة.
ويلخص سعد الوضع بالقول “في النهاية، المزارع هو الخاسر”.
قبل الحرب، كانت غلة سعد اليومية من بيع الفواكه توازي خمسة آلاف دولار في اليوم. أما الآن، فما يتمكن من قطفه بالكاد يدر عليه 300 دولار يوميا.
ويضيف متنهدا “الحرب خربت بيتي. أمضي وقتي وأنا أشاهد الأخبار على التلفاز، بانتظار الإعلان عن وقف لإطلاق النار كي أعود إلى أرزاقي”.
مع نفاد الوقت، بدأت الحمضيات وثمار القشطة تتساقط على الأرض.
أما ثمار الأفوكادو التي صمدت، فهي بحاجة ماسة إلى المياه، بعدما تسببت غارة إسرائيلية في أوائل أكتوبر بقطع خط المياه الرئيسي الذي يغذي مشروع ري في المنطقة من نهر الليطاني.
مع ذلك، قرر بعض المزارعين البقاء في أراضيهم، كما هو حال غابي حاج الذي يقطن في بلدة رميش الحدودية التي تقطنها أكثرية مسيحية عند الحدود، تقع في نطاق النيران المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله.
وتمكن الرجل من قطف مئة شجرة زيتون من إجمالي 350 شجرة زيتون يملكها، بعدما اضطر إلى تركها من دون اهتمام أو معالجة طيلة عام بسبب عمليات القصف.
ويقول حاج لفرانس برس “استفدت من تراجع القتال لأقطف ما أمكنني”.
ويوضح أن الزراعة تعتبر شريان حياة لسكان المنطقة المنعزلة الآن عن العالم.
ومنذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، أتت النيران جراء الغارات الإسرائيلية على مساحات حرجية واسعة وحقول زيتون خصوصا في البلدات الحدودية في جنوب لبنان.
وفي منطقة البقاع، حيث السهول المترامية المساحة التي تشكل السلة الغذائية للبنان، يقول رئيس نقابة المزارعين إبراهيم ترشيشي لفرانس برس إن الزراعة في لبنان تمر في “أسوأ مراحلها” في تاريخها الحديث.
ويضيف متأسفا “شهدت أربع حروب، ولكن لم أشهد مثل هذه الحرب”.
أ.ف.ب