رمضان هو شهر جوع وعطش ولكنه يعتبر في نفس الوقت بلسما وشفاء للأجساد والأرواح. وللصيام فوائد عديدة، تتوزع على العديد من الجوانب، منها الجانب الروحي والديني، الأخلاقي الاجتماعي، وكذا بالنسبة إلى الصحة البدنية للصائمين. ويوجد اليوم إجماع من قبل العلماء والأطباء على فوائد الجوع لفترات قصيرة للجسم، فأثناء الجوع يبدأ الجسم في تنظيف الأمعاء والكبد والدم من السموم، وتتقلص أمراض الأوعية الدموية، كما أن الجوع لفترات قصيرة ينشط المناعة. في هذه الزاوية، نسلط الضوء على بعض الجوانب الصحية التي يجب استحضارها من أجل صيام يجسد القول المأثور “صوموا تصحوا”.
د. مصطفى مودن : الصيام لساعات طويلة قد يؤدي إلى ظهور مضاعفات جانبية لدى مريض السكري
يعتبر صيام شهر رمضان أحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام وبالتالي فإن أداء هاته الشعيرة يعتبر إلزاميا للمسلمين البالغين، مع إعفاء مجموعة معينة من بينهم مرضى السكري المعرضين لبعض المضاعفات التي تحول دون أدائهم لهذا الركن.
ومن بين هذه المضاعفات التي تحصل في يوم الصيام ارتفاع أو انخفاض في سكر الدم، الإماهة، الاجتفاف، وتعقيدات أيضية حادة مثل الحامض الكيتوني السكري.
ورغم إعفاء مرضى السكري من الصيام إلا أننا نجد عدد كبيرا من المرضى يشاركون في الصيام في شهر رمضان حيث أن نسبة 94.6% استطاعت صيام الأيام 15 يوما الأولى ونسبة 61.9% أتمت شهر الصيام (إحصائيات 2020).
قد يوفر شهر رمضان فوائد دائمة، ففي الواقع يمكن لرمضان أن يوفر فرصة لأسلوب حياة أفضل، فيساعد على نقص في الوزن والإقلاع عن التدخين.
وقد يساعد مرضى السكري في تقوية التحالف العلاجي بين الطبيب والمريض مما يوفر فرصة لتحسين إدارة مرض السكري، مع التركيز على الرعاية الذاتية وتنظيم العلاج وتوقيت الوجبات، وتماشيا مع ظهور أدوية وتوصيات جديدة إلى جانب الدراسات الحديثة عن مرض السكري ورمضان، والتي ساهمت في تحسين المعرفة، مما جعل صيام بعض مرضى السكري أمرا ممكنا.
ونحن بصدد التحدث على مرض السكري لابد من تسليط الضوء على الأخطار التي قد تواكب صيام هذا النوع من المرضى، خصوصا أن الصيام لساعات طويلة قد يؤدي إلى ظهور مضاعفات جانبية يكون لها وقع كبير على صحتهم نذكر منها ما سردناه سالفا: الانخفاض الحاد للسكر في الدم خصوصا بعد الظهر، أو ارتفاع جسيم في سكر الدم، وظهور الحامض الكيتوني الذي قد يؤدي إلى غيبوبة حادة. ناهيك عن قلة شرب الماء الذي قد يؤدي إلى الانتشاف أو الاجتفاف الذي قد يؤثر سلبيا على وظيفة الكلي والقلب.
إن صوم مرضى السكري كان محل نقاش متواز بين الأطباء وعلماء الدين الذين أخرجوا توصيات صنفت المرضى إلى ثلاث فئات أخذت بعين الاعتبار مستوى خطورة مرضهم:
+ فئة تتكون من ذوي الاحتمالات الكبيرة جدا للمضاعفات الخطيرة بصفة شبه مؤكدة طبيا والتي نرى نحن أطباء داء السكري أنها معرضة لحصول ضرر بالغ عند الصيام ويعتبر منتميا لهذه الفئة كل مريض بداء السكري أصيب إما:
* بنوبة وغيبوبة الانخفاض الحاد لسكر الدم خلال الأشهر الثلاثة قبل حلول شهر رمضان.
* نوبة الحماض الكيتوني السكري.
* الصنف الأول لمرض السكري.
* تعفنات التي قد تصيب مرضى السكري.
* الارتفاع الحاد لنسبة السكر في الدم.
* المرأة الحامل.
* مرضى القصور الكلوي.
* المرضى المسنين.
+ الفئة الثانية وهي تشمل كلا من مرضى السكري الصنف الأول والثاني غير المسيطر عليه أو التي يصعب التحكم في توازنها رغم استعمالهم للدواء هذه الفئة يجب أن تمتثل لأوامر طبيبها إذا أمرها بالإمساك عن الصيام.
+ أما الفئة الثالثة فتضم كل المرضى بداء السكري ذوي الاحتمالات المتوسطة أو المنخفضة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام والتي تحافظ على توازن سكر الدم والمثابرة في الحمية وأخذ الدواء بانتظام. خصوصا وأن احتمال الضرر في هذه الفئة متوسط أو منخفض.
+ أما الفئة الثالثة فتضم كل المرضى بداء السكري ذوي الاحتمالات المتوسطة أو المنخفضة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام والتي تحافظ على توازن سكر الدم والمثابرة في الحمية وأخذ الدواء بانتظام. خصوصا وأن احتمال الضرر في هذه الفئة متوسط أو منخفض.
إن عملية صوم رمضان بالنسبة لمرضى السكري هي عملية تشاركية بين الطبيب الذي يقدر مدى تأثير الصوم على حالة المريض من حيث إمكانية الصوم من عدمه، وبين المريض الذي يقدر مدى قدرته وتحمله للصوم.
ففي كل الحالات يجب الاستجابة لأوامر الطبيب حتى يتمكن المريض تجنب كل ما لا يحمد عقباه.
إذا تم التوافق على صوم المصاب بالسكري فعليه:
* تأخير وجبة السحور إلى ما قبل الفجر.
* الإكثار من شرب الماء أثناء لحظة الإفطار لتجنب الجفاف.
* الإقلال من النشاط الجسماني خلال فترة ما بعد الظهر لتجنب الانخفاض الحاد لسكر الدم، وتأجيل النشاط الرياضي إلى الفترة ما بين الإفطار والسحور.
* الإفطار كلما شعر بأعراض انخفاض نسبة السكر في الدم والإسراع بتناول كل ما يمكن رفع هذه النسبة.
**********
نصائح مهمة
افحص غلوكوز الدم بانتظام
مراقبة نسبة الغلوكوز في الدم وحقن الأنسولين لا تفسد الصيام وهي مهمة، لأنها نافذتك لمعرفة مستويات الغلوكوز في الدم وإدارة مرض السكري لديك، فقد تؤثر التغييرات في عادات الأكل خلال شهر رمضان على نسبة الغلوكوز في الدم، وبالتالي من المهم فحص مستويات الغلوكوز في الدم بانتظام.
ويجب على الأشخاص المعرضين لخطر كبير (حتى لو لم يكونوا صائمين) فحص مستويات السكر في الدم 3-4 مرات في اليوم.
كما يجب على الأشخاص المعرضين لمخاطر معتدلة أو منخفضة فحص مستويات الغلوكوز في الدم مرة واحدة إلى مرتين في اليوم.
تعديلات الدواء أثناء الصيام
تحدث إلى طبيبك حول التعديلات المطلوبة للجرعة أو التوقيت أو نوع الدواء لتقليل مخاطر انخفاض نسبة السكر في الدم أثناء ساعات الصيام، فمن المهم أن تعرف أن قياس نسبة الغلوكوز في الدم وحقن الأنسولين لا تفطر.
متى يجب عليك الإفطار فورا؟
يجب على مرضى السكري أن يفطروا إذا وصل مستوى غلوكوز الدم أقل من 70 ملجم ديسيلتر، فأعد التحقق في غضون ساعة واحدة إذا كان مستوى الغلوكوز في الدم في النطاق 70-90 ملجم ديسيلتر، وإذا كان غلوكوز الدم أعلى من 300 ملجم ديسيلتر، أو تظهر عليك أعراض نقص السكر في الدم، أو ارتفاع السكر في الدم، أو الجفاف أو المرض الحاد.
ممارسة الرياضة في رمضان
مارس تمارين خفيفة إلى معتدلة بانتظام خلال شهر رمضان، ولا ينصح بممارسة التمارين الرياضية القاسية أثناء الصيام بسبب زيادة خطر الإصابة بانخفاض غلوكوز الدم أو الجفاف، ويجب اعتبار المجهود البدني المتضمن في صلاة التراويح، مثل الركوع والقيام، جزءا من أنشطة التمارين اليومية.
نصائح غذائية لمرضى السكري أثناء الصيام
قسم السعرات الحرارية اليومية بين وجبتي السحور والإفطار، بالإضافة إلى 1-2 وجبة خفيفة بينهما إذا لزم الأمر.
وتأكد من أن الوجبات متوازنة وتحتوي على 45-50% من الكربوهيدرات، و20-30% بروتين، و35% دهون، وفواكه وخضروات، واحرص على تناول الكثير من الخضروات والسلطات في رمضان.
وحاول أن تقلل من الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، فابتعد علن المقليات، واستخدم كميات قليلة من الزيت عند الطهي.
وحافظ على رطوبة جسمك باستمرار، في الوجبتين الرئيسيتين أو بينهما، عن طريق شرب الماء أو غيره من المشروبات غير المحلاة، وتجنب المشروبات المحتوية على الكافيين والمحلاة بالسكر وكذلك ابتعد عن الحلويات.
واعتمد على خبز الحبوب الكاملة، أو الخبز الأسمر، وتناول الأطعمة الغنية بالألياف التي تطلق الطاقة ببطء قبل وبعد الصيام، مثل الفاصوليا، والأرز.
> إعداد: سميرة الشناوي