11 يناير 1944: منعطف تاريخي في كفاح الشعب المغربي

إن يوم 11 يناير يوم مشهود في تاريخ كفاحنا التحريري، لأنه شكل منعطفا حاسما في توجيه الحركة الوطنية المغربية، في المرة الأولى بعد انهزام المقاومة المسلحة ضد الغزو الاستعماري الفرنسي، مقاومة دامت حوالي ربع قرن، وضع الشعب المغربي رسميا بواسطة حركته الوطنية، مطلب الاستقلال وضحى في سبيله، فيما بعد، بتضحيات غالية.

في بداية 1944 اتخذت الحرب ضد النازية بفضل الدور الأساسي الذي لعبه فيها الاتحاد السوفياتي، وهو الدولة الاشتراكية الوحيدة الموجودة في ذلـك الإبان اتخذت صبغـة نضال تحرري لا بالنسبـه للشعوب الاوروبية فحسب، التي ذاقت، طيلة أعوام، الأمرين من سيطرة ألمانيا الهتليرية، بل وبالنسبة للشعوب التي كانت تقاسي أيضا، في آسيا وأفريقيا خصوصا، من اضطهاد البلدان الاستعمارية الخائضه غمار الحرب العالمية الثانية لسبب التناقضات القائمة بين الدول الامبريالية.

وأخذت شعوب المستعمرات ومنها الشعب المغربي، التي كانت تشارك مشاركة فعالة في هذه الحرب، تدرك بأن الانتصار على النازية يجب أن يقترن بتحررها هي أيضا.

وهكذا أخذت شعوب الهند الصينية المستعمرة من طرف فرنسا، بمساهمتها في المعركة ضد الإمبريالية اليابانية حليفة ألمانيا النازية لتوجيه حربها التحررية ضد فرنسا.

السلوك ذاته سلكته شعوب الهند ضد الامبرياليه الانجليزيـة الحليفة في الحرب ضد ألمانيا النازية، سلوك أدى بعـد سنوات إلى استقلال الهند. ونفس الظروف هيأت انتفاضتين تاريخيتين ضد الإمبراطورية الفرنسية. الانتفاضة الأولى وقعت في الجزائر سنة 1945، والانتفاضة الثانية في مدغشقر.

حقا إن هاتين الانتفاضتين أغرقتا الشعبين في بحر من الدماء، لكنهما هيئتا حرب التحرر الوطني بالجزائر التـي اندلعت يوم فاتح نونبر 1954، والمعارك التحررية التي خاضها الشعـب المدغشقري والتي توجت بالنصر.

أثناء هذه المسيرة التاريخية لتصفية الاستعمار كنظام، وهي مسيرة مرتبطة بالسير المظفر، لا سيما للجيش السوفياتي الأحمر، الذي حطم الغول النازي، قدمت الحركة الوطنية المغربية يوم 11 يناير 1944 وثيقة الاستقلال التاريخية إلى كل من فرنسا وحلفائها.

فكان رد الإدارة الفرنسية في مستوى مفاجأتها وتشوشها وقلقها، في بعث مجموع التراب المغربي بقواتها القمعية العسكرية والمدنية، وأخذت تعتقل المواطنين جماعات وأفرادا ولا سيما منهم الذين وقعوا على الوثيقة، متهمة إياهم غباوة بالتعامل مع ألمانيا النازية.

ردا على هذه الأمواج من القمع والاضطهاد نظمت تلقائيا المظاهرات الشعبية العظمي، مقيمة الدليل على عمق حرکة منبثقة من أعماق الأمة، وليست موقفا ظرفيا صادرا عن كمشة من المهرجين كما ادعى ذلك المستعمرون.

وأمام سعة المظاهرات والعجز عن النيل منها عن طريق القمع العـادي، أطلقت الإقامة الفرنسية العامة لعمليات قتل بلا شفقة ولا رحمة،وحاصرت المدن ولا سيما التي كانـت حساسة للمعارك الشعبية، وقطعت عنها الغذاء والماء، واعتقلت المئات من الوطنيين، فعذبت وحكمت بالسجن، ونفت وأعدمت كثيرين.

لقد استطاع رجـال الحماية الفرنسية أن يسحقوا هذه الحركة وأن يغرقوها في الدم، لكن بصفة مؤقتة، لأن النار الموقدة لم تنطفئ، ولم ينتصر المستعمرون ولا عملائهم الخونة إلا قليلا ليتيقنوا من ذلك.

لأن الأهمية التاريخيـة لحركة يناير 1944 كانت تكمن في كونها قد طبعت نهاية حقبة من الزمن خلت، حقبة كانت تصنع في الماضي الحركة الوطنية.

 نعم، إن هذه الحركة، وطيلة أعوام، كان برنامجها هو ما يسمى حينذاك “بالمطالب المسجلة”. وتحت تأثير وعي شعبي جدید، ناتج عن نضوج سیاسي، تحت تأثیر ظروف عالميه سبق لنا الحديث عنها في بداية المقال، انتقلت الحركة الوطنية المغربية في 11 يناير من مرحلة إصلاحات في إطار الحماية إلى مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال. إن الأمر كان في الواقع قطيعة مع حقبة أكل عليها الدهر وشرب، والمرور إلى الكفاح 4 للقضاء نهائيا على تلك السيطرة كشرط لا مناص منه لتحرر اقتصادي وسياسي واجتماعی.

إن الفضل التاريخي لوثيقة 11 يناير 1944 يعود إذن لكونه فتح آفاق الاختيـار الوحيد الذي يناسب الوضع، وهو الاستقلال، ورسم الطريق لإنجازه، وحضر في نهاية الأمر المقاومة المسلحة التي اندلعت بعد مؤامرة 20 غشت التي تمت برجوع محمد الخامس يوم 16 نونبر 1955 وإعلان الاستقلال يوم 2 مارس 1956.

حقا إن وثيقة 11 يناير 1944، ولأسباب طبقية ناجمة عن أصل بعض الذين قدموها، كانت تحتوي على نقصان كبير: إنها لم تخطط عمليا محتوى الاستقلال السياسي والاقتصــادی والاجتماعي. ولقد صحح ذلك الحزب الشيوعي المغربي في بيانه التاريخي المؤرخ في شهر غشت 1946. إلا أن الظروف التاريخية لعهد الحماية كانت تحجب الطبيعة الحقيقية للصراع الطبقي، وساعدت هكذا هيمنة برجوازية معينة على الجماهير الكادحة، الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء على الأخص، وهذا ما يفسر كون العمال، الذين لـم يكونوا مهيئين لا أيديولوجيا ولا سياسيا لفرض مطامحهم الطبقية، قد حرموا غداة الاستقلال من ثمرات نضالاتهم لفائدة الإقطاعية والبرجوازية

واليوم وقد مرت 29 سنة على وثيقة 11 يناير 1944، وبعد 17 سنة من الاستقلال السياسي صارت الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين الفقراء وفئات أخرى من الكادحين، صاروا بفضل تجربتهم الخاصة، وبفضل ونشاط وتوجيه الثوريين والتقدميين، واعين أكثر من ذي قبل بمطامحهم الطبقية المرتبطة ارتباطا متینا بأهداف تحرر وطني حقیقي وبسير مجتمعنا نحن الاشتراكية.

اليوم، مثل 11 يناير 1944، فإن شروط انعطاف جديد في الكفاحات الشعبية أصبحت متوفرة. وإن الشعب والشبيبة على الخصوص صارا يدركان أکثر فأكثر بأن مرحلة جديدة قد بدأت، مرحلة من شأنها أن تسمح للشعب بأن يكون سيد أمره وبأن يمارس بنفسه تلك السيادة.

إن عبرة 11 يناير أمامنا و بالإمكان تحقيق هذه المرحله لكن بالاتحاد والعمل فقط.

البيان: عدد 8 بتاريخ الجمعة 12 يناير 1973

بقلم:عبد الله العياشي

Top