ناقش خبراء وسياسيون مغاربة وأجانب مؤخرا، ضمن فعاليات موسم أصيلة، موضوع “الخليج العربي بين الشرق والغرب: المسألة الشرقية الجديدة”.
وتطرق الخبراء عامة إلى الموقع الجيوسياسي والاقتصادي لدول الخليج العربي في ظل الظروف العامة التي يعيشها العالم في المرحلة الأخيرة والأدوار التي تضطلع بها هذه الدول للمساهمة في ضمان استتباب الأمن والاستقرار والتوازن الاقتصادي اقليميا ودوليا، وكذا الروابط المتينة التي تجمع الدول المعنية بالمملكة المغربية. كما تناول الخبراء، من زوايا مختلفة، التحديات التي تواجهها الدول المعنية في المشرق العربي للحد من التدخل الخارجي في منطقة غنية بمواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي المتميز وأوضاع غير مستقرة في المحيط الجغرافي القريب ،وكذا مبادراتها لمواجهة الأزمات الدولية الجديدة ارتباطا بالحرب بأوكرانيا و تقلب سوق الطاقة العالمي والأمن الغذائي والعلاقات المتجاذبة مع القوى الدولية. وشكلت المناسبة فرصة أيضا للتطرق الى طريقة تعامل دول الخليج العربي لتخطي التحديات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية عبر استثمار ما يعرف ب”القوة الناعمة” و”الدبلوماسية الحكيمة” لترميم المحيط الاقليمي من المخاطر التي نجمت عن نزاعات وصراعات ومواجهات عسكرية وأكد المتدخلون ، بتحليل سياسي دقيق، أن دول الخليج العربي.
تبذل جهودا مهمة لإعادة بناء النظام الإقليمي العربي وكذا على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية والاطلاع بدور اقتصادي أكثر تأثيرا وحيوية، موضحين معنى “المسألة الشرقية الجديدة ” كمصطلح سياسي يثار في الأدبيات السياسية الاستراتيجية الذي يرتبط بالتأثير النوعي لدول الخليج العربي في خطوط التحول ومسارات التشكل السياسي والاقتصادي العالمي الجديد ، اعتمادا على “أسلوب ذكي وبراغماتي يراعي بدرجة أولى مصالح الدول المعنية وحلفائها العرب”. وفي كلمة افتتاحية، أبرز الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى أن الموضوع المثار في الندوة يشير إلى الأدوار التي نهضت بها الدول الخليجية العربية للمساهمة في مساعي الأمن والسلم والتنمية في المنطقة خلال عقود طويلة، ومساعيها لضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأشار السيد بن عيسى إلى أن الندوة تثير التحديات الكبرى التي تواجهها الدول المعنية على إثر التحولات الإقليمية النوعية التي عرفتها المنطقة واستفحال التدخل الخارجي للقوى الاقليمية غير العربية، والتأثيرات المباشرة للأزمات الدولية الجديدة والعلاقات بالقوى الدولية المتصارعة ضمن موازين ورهانات الخارطة الإقليمية للمنطقة. من جانبه، اعتبر جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن الحديث عن “المسألة الشرقية” موضوع حيوي وملح، ويستوجب التعرض لعدد من المفاهيم السياسية المرتبطة بالمنطقة العربية كوحدة فاعلة في النظام الإقليمي والمجتمع الدولي، ومفهوم الهوية الثقافية والانتماء والولاء ،مبرزا أن المفاهيم تعرضت لتغيرات على خلفية اهتزازات وتمزقات نتيجة الصراع والتنافس من قبل الدول الأوروبية والدول الكبرى على ثروات ومقدرات دول المنطقة العربية قديما وحديثا. وأضاف أن الدول العربية المعنية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، لا تعتمد في ظل الظروف العامة الدولية والاقليمية الصعبة على الردع والاستعداد للدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية بل باستثمار نموذج خاص للتسامح الذي هو العنصر الأهم في تعزيز القوة الناعمة للدول المعنية لبناء جسور التعاون والتواصل بين الثقافات والأديان المختلفة ونبذ خطاب العنف والكراهية والتطرف.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (الدورة 75) التركي فولمان بوزكار أن التحول الذي يعرفه النظام العالمي الجديد لأسباب عديدة تساهم فيها بعض الدول بتأثير كبير إضافة الى تأثير قضايا الطاقة والاقتصاد بشكل عام، يواكبه تغيير مثير للاهتمام لدول عربية وخاصة منها الشرق الأوسطية، مما يساهم في تموقع الدول المعنية في خريطة القرار الجيوستراتيجي العالمي. ورأى الخبير أن الكثير من التحديات تواجه العالم بأسره، منها ما هو مرتبط بالأمن والاقتصاد والسياسية والصراع على موقع القيادة في العالم، لكن الدول العربية المشرقية وبعض دول شمال أفريقيا يتعزز دورها في ظل الظروف العالمية الراهنة، وأوضحت حلقة أساسية في منظومة تدبير شؤون العالم، مبرزا أن خريطة سياسية جديدة تتشكل في العالم و سيكون لدول عربية دور هام في بلورتها، بحكم الموقع الاستراتيجي ولكن أيضا بحكم التدبير الحكيم لعلاقاتها ومساهمتها في الاقتصاد العالمي. ولاحظ الخبير الإعلامي البحريني نبيل الحمر أن الحرب الأوكرانية كشفت الكثير من مواقف العالم الغربي وخاصة ما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والمبادئ والمفاهيم والإعلام الحر التي “ذهبت كلها أدراج الرياح عندما لامست الحرب العالم الغربي”، مضيفا أن “أهم ما كشفته الحرب الدائرة في اوكرانيا، هو أن العالم الغربي لم يستطع أن يجر العرب إلى جانبه في ساحة الحرب، وهذه كانت علامة بارزة جدا في مسيرة التحولات التي شهدتها المنطقة العربية بين الشرق والغرب”. كما لاحظ أن الكثير من الظروف الإقليمية والعالمية خلقت تحولات إيجابية جديدة في العالم العربي، فيما يخص تعزيز الجبهة الداخلية العربية والنأي بها عن التدخلات الخارجية، وتكثيف الاتصالات والتنسيق فيما بين دولنا من أجل خلق مواقف أكثر انسجاما في الحديث مع الخارج إلى جانب الوعي العربي العام الذي تشكل في أعقاب ذلك. واعتبرت سميرة بن رجب وزير الدولة لشؤون الإعلام سابقا في مملكة البحرين أن جهود دول المشرق العربي ومساهمتها في تغيير النظام السياسي في المنطقة كما في العالم “مهمة وناضجة” ،مشددة على أن الواقع السياسي الحالي يتجاوز الواقع القديم الذي كان فيه تأثير بعض الدولية بارزا، ومن المتوقع أن يخرج العالم من المطبات العالمية بمفاهيم جديدة سيكون لبعض الدول العربية فيها دور مهم ومؤثر، لأنها تمتلك كل المقومات لتكون في صلب الأحداث وليس على هامشها . و تطرق السيد حسن احبيض رئيس جامعة القاضي عياض للعلاقات المتينة والصلبة التي تجمع المملكة المغربية بأشقائه في المشرق العربي، واصفا إياها بالمهمة تساهم في جعل الدول المعنية مؤثرة في خريطة التغييرات السياسية والاقتصادية والتنموية الجيواستراتيجية التي تعرفها المنطقة بخطى سريعة بفعل الأحداث العالمية خاصة. وأبرز أن من أهم الدعائم التي تجعل العلاقات بين المغرب ودول الخليج العربي صلبة ولا تزعزعها الظروف الراهنة العابرة، المسحة الإنسانية والحضارية لسياساتها العامة ووحدة العقيدة والثقافة واللغة والتكامل والنظرة الشاملة والمتبصرة نحو المستقبل. كما أبرز أن البلدان المعنية لها الطموح ذاته لضمان الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي، والمقاربات الناضجة لتجاوز الإشكالات الاقتصادية وتحدي الأمن الغذائي، كما تراهن في علاقاتها الخارجية على الدبلوماسية الذكية والروابط متعددة الأطراف وسعيها المشترك للوحدة والتكامل.