أجوبة السفير الفرنسي عن الأزمة…

التصريحات التي أدلى بها السفير الفرنسي الجديد بالرباط، كريستوف لوكوتورييه، لأسبوعية «تيل كيل»، تبرز سعي ممثل باريس للإقناع بأن بلاده ليست لها صلة بالقرار الذي صدر مؤخرا عن البرلمان الأوروبي في حق المغرب.
الديبلوماسي الفرنسي أكد أن قرار البرلمان الأوروبي»لا يلزم أبدا فرنسا»، مضيفا «نحن مسؤولون عن قرارات السلطات الفرنسية، أما البرلمان الأوروبي فبعيد عن سلطتنا، والأمر  يتعلق بشخصيات منتخبة».
ومن جهة أخرى، أكد لوكورتييه نهاية أزمة التأشيرات مع المغرب، و»العودة إلى الوضع السابق»، موضحا أنه أرسل إلى الرباط»لطي الصفحة»…
من دون شك أن السفير يمارس مهمته الطبيعية، ويحاول الدفاع عن صورة بلاده، ويسعى لنفي كل مسؤولية عنها في استهداف المملكة من طرف البرلمان الأوروبي، كما أنه يحاول تهدئة الأجواء للتقليل من التوتر الواضح بين البلدين منذ مدة.
لكن مقابل ما سبق، فالذي يجب أن يقتنع بما أورده الديبلوماسي الفرنسي هو سلطات بلاده أولا، وليس الشعب المغربي.
الجميع يدرك وجود أزمة، حقيقية ومستمرة، في العلاقات بين الرباط وباريس، ولهذه الأزمة عديد أبعاد وتجليات، وما يسمى» الدولة العميقة»في فرنسا، وأيضا التيار السياسي الحاكم حاليا، منزعجان فعلا من تنامي حضور المغرب في القارة الإفريقية، وإصرار الرباط على تنويع الشراكات الإقليمية والدولية، كما أن باريس لا تخفي تضايقها من تطور العلاقات الثنائية المــــــغربية الإسبانية، وأيضا مع ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، وتواجه ذلك بالارتماء في أحضان جينرالات الجزائر، وتقوية العلاقات الفرنسية الجزائرية، وهي، في ذلك، تفضل الحصول على الغاز والمحروقات مقابل التخلي عن كل تفكير استراتيجي في علاقاتها الإقليمية وموقعها ومصالحها الحقيقية، وتجر، بالتالي، المنطقة إلى إدامة التوتر والتشرذم.
هنا تكمن مسؤولية فرنسا، وعلى هذا المستوى يجب أن تقتنع طبقتها السياسية ودولتها العميقة، ويجب أن يتكلم عقلاؤها، وليس أن ينهمك سفيرها في محاولات لإقناع المغاربة بانتفاء كل أزمة بين البلدين، وبغياب أي مسؤولية لبلاده عما يحدث في علاقاتها مع الرباط. اليوم تشهد فرنسا مشكلات في علاقاتها الخارجية، ليس فقط مع المغرب، ولكن مع عواصم إفريقية أخرى، ومن ثم، واضح تعدد تراجعات باريس على صعيد حضورها الإفريقي والإقليمي والدولي، ويضاف ذلك إلى استعصاءات داخلية عديدة، وإلى تدني كبير ملحوظ في الساحتين السياسية والإعلامية، وهو ما يجمل الوضع في كون فرنسا الحالية ليست، إطلاقا، فرنسا التي يعرفها المغاربة، وليست فرنسا الكبار.
مع ذلك، ليس المغرب من أشعل الأزمات مع شريكه التاريخي الأساسي، وليس المغرب من يمعن في إطالة أمد الأزمة الثنائية، ولكن المغرب تغير، ويصر اليوم على الدفاع عن مصالحه وحقوقه، وهو ما لا تريد باريس رؤيته أو إدراكه أو العمل على ضوئه.
أما المغرب، فهو يدرك تشعب العلاقات والشراكات بينه وبين فرنسا، ولا يسعى للتفريط فيها أو تجاوزها، ولكنه، في نفس الوقت، يؤكد اليوم على النظر لعلاقاته الدولية من منظار الاعتراف بمغربية الصحراء واحترام وحدته الترابية، ولذلك هو يطلب من باريس الإقدام على خطوة أخرى إلى الأمام، على غرار واشنطن ومدريد وسواهما، ويشترط إنهاء الأزمة التمييزية للتأشيرات واحترام كرامة المغربيات والمغاربة، وبالتالي التعاطي مع كل نقاط العلاقات الثنائية ضمن منطق المساواة والندية، وفي إطار شراكة رابح-رابح، والابتعاد عن التعالي ومنطق الهيمنة المرتبطين بزمن استعماري ولى بدون رجعة.
أما قرار البرلمان الأوروبي الصادر مؤخرا في حق المغرب، فنتفق مع السفير الفرنسي بكونه(لا يلزم فرنسا)، وهو أيضا لا يلزم الدول الأعضاء في علاقاتها الثنائية، ولكنه لا يخلو من تأثير في الاتفاقيات الاوروبية المشتركة مع الرباط، علاوة على أن الكثيرين عرضوا تفاصيل تحركات برلمانيين فرنسيين، وخصوصا من الجماعة السياسية للرئيس، لصالح القرار الاوروبي المذكور، وبدا السلوك ومحتوى القرار غير بعيدين عن منطق الانتقائية والابتزاز والمبالغة في الاستهداف.
وعندما يقرر البرلمان الأوروبي العودة من جديد، غدا الخميس، لدراسة المزاعم المتعلقة بالتجسس على مسؤولين أوروبيين بواسطة برنامج بيغاسوس، تحت غطاء:(جيوسياسية برامج التجسس)، فالأمر يبدو باعثا على التأمل، حتى أن صحيفة»لو سوار»البلجيكية أفادت أن مساعي تجري لإقحام المغرب، مرة أخرى،ضمن هذا النقاش في البرلمان الأوروبي.
الباعث على التأمل هنا، وأيضا الاستغراب، هو أن البرلمان الأوروبي سبق ان شكل، في مارس الماضي، لجنة تحقيق من 38 عضوا لدراسة الموضوع، وقدمت نتائج تحقيقها في نونبر المنصرم، وأكدت، من خلالها، عدم وجود أي أدلة عن تورط المغرب في كل ما قيل ونشر من مزاعم بهذا الشأن.
وجرى، في السياق ذاته، الإستماع لمسؤولين من المخابرات الإسبانية، وبدورهم نفوا أي تورط للمغرب في مزاعم التجسس، لكن كل هذا ربما لم يعجب خصوم المغرب، ويحاولون اليوم اجترار الموضوع مرة أخرى، والسعي لإيجاد أي وسيلة لتكرار الهجوم على المملكة واستهدافها.
كل هذا يسائل اليوم البرلمان الأوروبي حول المنحدرات التي تجره اليها بعض مكوناته الشعبوية، ويسائل أيضا الطبقة السياسية الفرنسية ونخبتها البرلمانية، وخصوصا الموالية للتيار الحاكم حاليا، والتي يبدو أنها لا تزال بعيدة عن التفكير بعقلانية في مستقبل العلاقات بين البلدين، ولا تزال في حاجة إلى حكمة ورصانة كبار فرنسا.
الديبلوماسية المغربية، من جهتها، مدعوة لتمتين صمود مواقفها وثباتها ضمن هذه التحولات الإقليمية المعقدة، ومدعوة لليقظة والإصرار على مصالح المملكة أولا، وبالتالي، تدبير العلاقة الصعبة مع باريس بالعقلانية والذكاء اللازمين، ولكن، في نفس الوقت، السفير الفرنسي الجديد، والذي يجتهد في انتقاء مفرداته وأجوبته الديبلوماسية، عليه أن يقتنع هو أن مصدر الأزمة بين البلدين يوجد هناك لدى مسؤوليه ورؤسائه، وليس هنا، وأنه ليس المغاربة من يجب إقناعهم، ولكن قادة فرنسا وطبقتها السياسية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top