عقدان مرا اليوم على أحداث 16 ماي الإرهابية، التي كانت هزت الدار البيضاء في: 2003، وأحدثت صدمة كبرى بالمغرب، وبعدها مباشرة غيرت السلطات المــــــغربية والأجهزة الأمنية تعاملها مع خطر الإرهاب، وتأكد استهداف المملكة، خصوصا وسط التحديات التي كانت متفاقمة حينها بسبب الجماعات المتطرفة، ونتيجة تحولات السياق العالمي الذي كان عرف قبل سنتين فقط تفجيرات شتنبر بالولايات المتحدة الأمريكية.
التعامل المغربي الجديد مع تحدي الإرهاب تجلى من خلال اعتماد مقاربة استباقية تقوم أساسا على تفكيك خلايا إرهابية قبل أن تبلغ مرحلة التنفيذ، وبذلك نجحت الأجهزة الأمنية في إجهاض المخاطر التي تتربص بالبلاد وأمنها واستقرارها، كما استطاعت تحجيم تمدد «الخلايا النائمة» المسخرة من لدن الجماعات المتطرفة، وصارت التجربة المــــــغربية على هذا المستوى نموذجية في المنطقة وعبر العالم.
خلال العشرين سنة التي أعقبت جريمة 16 ماي بالدار البيضاء، من المؤكد شهدت البلاد عديد تغيرات وأحداث، كما أن تطورات إقليمية ودولية كثيرة وقعت، ولكن الحرب ضد الإرهاب تتواصل، سواء في بلادنا أو في مناطق أخرى عبر العالم.
تعقيدات السياق الدولي والإقليمي وتنامي الأزمات السياسية والعسكرية والحروب الأهلية، وخصوصا في المنطقة العربية ومنطقة الساحل جنوب الصحراء، كل هذا يفرز اليوم تحديات أمنية واستراتيجية متزايدة تهدد أكثر من بلد، بما في ذلك المغرب، وأساسا ما يتصل بالإرهاب والجريمة المنظمة وتطور الإرهاب الإلكتروني والانتشار العشوائي للسلاح في عدد من المناطق، وهذا يفرض استمرار اليقظة الأمنية ببلادنا، وتقوية التصدي المغربي الشمولي لحماية أمن واستقرار المملكة.
التجربة المــــــغربية في التصدي لخطر الإرهاب تجلت في كفاءة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الوطنية وتفوقها الميداني والتقني والعملياتي، وأيضا في المقاربة الاستباقية المتبعة من لدن السلطات المــــــغربية، حيث باتت مواجهة الإرهاب وتفكيك «الخلايا النائمة» وتجفيف مصادر الإرهاب عناوين مركزية للسياسة المــــــغربية على هذا الصعيد، كما تميزت التجربة المــــــغربية أيضا بسياسة «المراجعات»، والسعي لإحداث مصالحات، وكسر الارتباط مع الجماعات المتطرفة الدولية…
اليوم، وبلادنا تعبر عشرين سنة بعد الأحداث الإجرامية المفجعة، من المؤكد أن الوقت ليس هو الوقت، والسياقات اختلفت، والأجهزة الأمنية حققت فعلا عديد مكتسبات في المعركة ضد الإرهاب والتصدي للجريمة المنظمة، وفي حماية أمن البلاد واستقرارها، ولكن المخاطر، رغم كل ذلك، تبقى قائمة، وأيضا تكتسب تجليات مستجدة، وأساسا لما ينعدم التعاون والتنسيق مع نظام جار متعنت وعدواني، ولما تتعدد الأزمات والانفلاتات في عدد من مناطق العالم، ولذلك يستمر التحدي مطروحا، والمسؤولية ملحة لتقوية اليقظة والتعبئة والحزم لمواجهة الخطر الإرهابي.
وعلاوة على يقظة الأجهزة الأمنية ونجاعة المقاربة المتبعة وأهمية تمتين العمل الأمني والاستخباراتي وتطوير تأهيله المادي والتقني والعملياتي، فإن إنجاح الإصلاحات الداخلية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وإعلامية وديموقراطية، من شأنه تقوية الجبهة الوطنية الداخلية، وتعزيز الوعي المجتمعي العام ليكون هو صمام الأمان الأساسي في حماية أمن البلاد ووحدتها واستقرارها.
<محتات الرقاص