مع تفاقم المواجهة الجيوسياسية والتوترات، فإن اللاعبين العالميين الرئيسيين يحولون تركيزهم بسرعة نحو أفريقيا. ومن الناحية العملية، يتخذ الزعماء الأفارقة أيضا خيارات إستراتيجية استنادا إلى نماذجهم التنموية.

ويقول كيستر كين كلوميغا، الباحث في الشؤون الأفريقية، في تقرير نشره موقه مودرن بوليسي إن هؤلاء القادة يضطرون إلى العمل على تنفيذ وعودهم الانتخابية، وخاصة تلك المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، ووضع أهداف شاملة لتحسين الأداء. وبعد انتهاء الولاية الرئاسية، لا بد من إظهار النجاح والإنجازات أمام الناخبين كضمان لشغل المناصب السياسية العليا.

وفي نهاية المطاف، سعيا لتحقيق هذه المهام، يستكشف الزعماء الأفارقة سبل التعاون الخارجي الفعال لتحويل الموارد غير المستغلة، وتحديث الزراعة، وإضافة القيمة من خلال التصنيع، وبطبيعة الحال، خلق فرص العمل للشباب والجيل الجديد المتنامي.

ويضيف كين كلوميغا أن اتباع الشعارات المناهضة للغرب من المؤكد أنه لن يضمن أو يسهل التنمية المتوقعة. وعلى الجانب الآخر، يتعين على الزعماء الأفارقة أن يتصرفوا بحكمة، وأن يتشاركوا مع لاعبين خارجيين حقيقيين في تنمية القارة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.

وهناك دلائل صارخة على أن أفريقيا منقسمة بشكل حاد، وأن الصراعات المتنوعة تلقي بظلالها الثقيلة على التطورات هناك.

ومضى أكثر من 60 عاما على إعلان الأمم المتحدة استقلال أفريقيا السياسي، لكن أفريقيا لا تزال بعيدة عن تحقيق مكانتها الاقتصادية على الرغم من الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة، والموارد غير مستغلة إلى حد كبير، في حين أن حوالي 60 في المئة من السكان يعانون من الفقر.

ويقول البعض إن مواقف ونهج القيادة يعيقان التنمية في أفريقيا، بينما يلقي آخرون اللوم على العلاقات الغامضة التي يتبناها اللاعبون الأجانب.

وفي الكثير من الحالات، يتمتع الزعماء الأفارقة بعلاقات ثنائية واسعة النطاق مع القوى الاستعمارية السابقة. وفي الاتجاه المعاكس، تنتقد روسيا والصين العلاقات الغربية والأوروبية مع أفريقيا.

وعلى الأقل، قدمت الصين دعما كبيرا في تطوير البنية التحتية واستثمرت في مختلف القطاعات. ولم تشرع روسيا إلا في محاربة “الاستعمار الجديد” الذي تعتبره عائقا في طريقها لاستعادة جزء من نفوذ الحقبة السوفيتية في أفريقيا.

ومع ذلك، أصدر معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية أحدث تقرير سياسي له حول العلاقات الروسية – الأفريقية. وأشار هذا التقرير إلى جوانب من الروايات حول مناهضة الاستعمار ووصف كيف تنقل النخب الروسية مصادر التضامن هذه إلى الجمهور الأفريقي.

وسعيا وراء النفوذ على المدى الطويل، استخدمت النخب الروسية في الكثير من الأحيان عناصر مناهضة للاستعمار كجزء من سياستها الحالية للسيطرة على تصورات الأفارقة وفي المقام الأول كتكتيكات جديدة لاستعراض القوة في أفريقيا.

وبينما كانت روسيا تكافح من أجل شق طريقها إلى أفريقيا هذه السنوات، كان الحدث الرمزي الوحيد هو القمة الروسية – الأفريقية الأولى التي عقدت في سوتشي، والتي ضمت رؤساء دول من 43 دولة أفريقية وعرضت طموحات موسكو في القوة العظمى.

ولا تزال روسيا لاعبا اقتصاديا صغيرا جدا في أفريقيا. وحجم التجارة – حوالي 17 مليار دولار في عام 2021 – هو تقريبا نفس حجم التجارة في تركيا، ونصف حجم التجارة في الولايات المتحدة، وأصغر بعدة مرات من الصين والاتحاد الأوروبي.

ووفقا لستيفن جروزد، رئيس برنامج الحوكمة والدبلوماسية الأفريقية، “هناك مجال للنمو، لكن العقوبات تجعل هذا الأمر أكثر صعوبة”.

ويشير تقرير 2022 إلى أن عدوانية روسيا المتزايدة في أفريقيا هي محرك لعدم الاستقرار، وأن نهجها في الحكم يشجع الممارسات الضارة، مثل الفساد والاستبداد في أفريقيا.

ولا يمكن إنكار أن موسكو تسعى إلى استمالة النخب الأفريقية لخدمة مصالحها. وفي سياق نظام جيوسياسي متعدد الأقطاب، من الممكن أن ننظر إلى صورة التعاون الروسية باعتبارها مغرية للغاية، ولكنها مبنية أيضا على الأوهام.

والأفضل من ذلك أن موقف روسيا يتلخص في صراع بين الأوهام والواقع. ويبدو أن روسيا قوة استعمارية جديدة ترتدي ملابس مناهضة للاستعمار.

وتؤثر عدم كفاءة موسكو الإستراتيجية وعلاقاتها الغامضة المهيمنة سلبا على التطورات المستدامة في أفريقيا.

وحتى الآن، تبدو روسيا وكأنها “قوة عظمى افتراضية” أكثر من كونها منافسا حقيقيا للنفوذ الأوروبي والأميركي والصيني.

ويقول الباحث والمحلل الأميركي من أصل أفريقي ليبتون ماثيوز إن المشاركة الاقتصادية عموما مع قوة أجنبية أكثر تطورا هي دائما في مصلحة الدول الأفريقية النامية. لكن مثل هذه الترتيبات تكون عديمة الجدوى إذا لم يكن هناك نقل للمعرفة.

سعيا وراء النفوذ على المدى الطويل استخدمت النخب الروسية عناصر مناهضة للاستعمار كجزء من سياستها للسيطرة على تصورات الأفارقة

وعلى الرغم من الاحترام الذي يكنه بعض الزعماء الأفارقة لروسيا، إلا أنها ليست قوة من الدرجة الأولى.

وعلى مؤشر جودة الحياة، تحتل روسيا المرتبة 70، ومن حيث الابتكار، فهي في أحسن الأحوال قوة متوسطة، على الرغم من الجودة الفكرية لسكانها. ومع ذلك، يجب على الدول الأفريقية اغتنام الفرص الاستثمارية التي تقدمها روسيا. ولا تزال روسيا، من وجهات نظر عديدة، ليست نموذجا يحتذى به للدول الأفريقية.

وبينما تبحر مختلف الجهات الفاعلة العالمية في المياه الجيوسياسية المضطربة الناجمة عن محاولة التحول المهيمن في القوة العالمية، فمن المهم ألا يعتبر الشرق والغرب وحلفاؤه الأوروبيون ولا روسيا دعم أفريقيا أمرا مفروغا منه.

وفي الآونة الأخيرة، لاحظ جورج نيونجيسا، وهو زميل أول في معهد السياسة الأفريقية في نيروبي، كينيا، أن الإستراتيجيات السياسية غير الفعالة التي تواجهها روسيا والتحديات التي تواجهها في تنفيذ أهدافها السياسية ملحوظة في العديد من البلدان الأفريقية.

وباختصار، من الضروري أن تأخذ روسيا مبادرات سياستها الاقتصادية الخارجية على محمل الجد في سعيها إلى اتخاذ موقف حازم على الساحة العالمية، حتى في حين تتلاعب بجهودها الرامية إلى استعادة نفوذها في أفريقيا.

وفي الماضي، كان الخطاب المناهض للغرب يعمل بشكل سحري في بناء المواءمة، ولكن في الوقت الحالي تركز غالبية القارة إلى حد كبير على التحول الديمقراطي والتحرر الاقتصادي.

ولهذا السبب، تناقش الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى دول الخليج، أفريقيا من زوايا مختلفة، لكن تركيزها الأساسي ينصب على كيفية ترسيخ وجودها الاقتصادي في القارة.