أعلن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب عن رفضه لمشروع قانون المالية لسنة 2025، والذي قال إنه لا يرقى إلى أن يشكل عاملا لاستعادة الثقة، ولا يقدم جوابا على الصعوبات الاقتصادية والمعضلات الاجتماعية.
وقال أحمد عبادي النائب البرلماني عن فريق التقدم والاشتراكية، في تدخله في الجلسة العامة المتعلقة بمناقشة والتصويت على مشروع قانون مالية 2025 أمس الخميس، إن مشروع مالية 2025 مشروع بدون نفس إصلاحي أو إبداع سياسي للحلول، مشيرا إلى أنه مشروع لا يستجيب حتى لالتزامات البرنامج الحكومي، وبالأحرى أن يكون جوابا شافيا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
وزاد عبادي، في مداخلته بمجلس النواب، أن القانون المذكور يقدم كل القضايا على أنها أولوية، في مقابل منجز متواضع على المستويات الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى تأكيده على أنه مشروع يقوم على فرضيات مضخمة وغير واقعية، وليس فيه ما يعزز فعلا السيادة الاقتصادية، بالإضافة إلى كونه لا يتضمن ما يبرهن على حسن استثمار الفرص والإمكانيات الذاتية للبلاد.
وشدد عبادي على أن مشروع قانون المالية الجديد لا يعكس تطلعات المواطن المغربي ولا يستجيب للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المغرب في الوقت الراهن. حيث قال إن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يعتبر هذا المشروع انعكاسا واستمرارا لسياسة الحكومة و”الرضى عن الذات”، مقابل تجاهل الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن، مما يزيد من عمق أزمة الثقة ويفاقم الاحتقان الاجتماعي.
وشدد عبادي على أن هذا القانون يأتي في ظرفية اقتصادية واجتماعية حرجة، حيث تتزايد معدلات البطالة وتتدهور القدرة الشرائية، مؤكدا أن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وضعف الدخل زاد من ضغوط الحياة اليومية على المواطن، خصوصا في ظل تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وتحديات التغير المناخي.
ولفت المتحدث إلى أن المواطن المغربي يعاني من الفجوة بين البرامج الحكومية التي تعلن عن تخصيص ملايين الدراهم للتنمية وبين ما يلمسه من محدودية في التحسن على أرض الواقع، حيث أوضح أن الحكومة فشلت في تدبير عدد من الأمور على هذا المستوى.
في هذا السياق، أردف عبادي أن الحكومة فشلت في تحقيق نسب نمو تضمن خلق فرص عمل حقيقية للمغاربة، حيث لم تتجاوز معدلات النمو 3 بالمئة، على عكس التزام الحكومة بتحقيق 4 بالمئة، مضيفا أن خلق مناصب الشغل يتطلب سياسات اقتصادية فعالة تحقق نسب نمو مرتفعة وتوفر بيئة جاذبة للاستثمار.
وتابع عضو فريق التقدم والاشتراكية أن الوضع الحالي يتسم بارتفاع البطالة إلى مستويات مقلقة، حيث بلغ معدل البطالة 13.1 بالمئة على المستوى الوطني و36.1 بالمئة في صفوف الشباب. كما لفت إلى تزايد أعداد الشباب الذين لا يتابعون الدراسة أو التدريب أو العمل إلى نحو 4.3 مليون شخص.
وأشار عبادي إلى أن برامج التشغيل، مثل برنامج “فرصة” وبرنامج “أوراش”، لم تحقق أهدافها المرجوة، مبرزاً أن هذا الأمر يعكس محدودية السياسات الحكومية في مجال التشغيل وعدم قدرتها على إيجاد حلول جذرية لمشكلة البطالة. وأكد فريق التقدم والاشتراكية أن الإخفاق في ميدان التشغيل هو برهان واضح على محدودية المقاربات الاقتصادية للحكومة، وعلى عجزها في تعزيز قدرات المقاولات المغربية واعتماد سياسات تصنيعية حديثة.
وفي نفس الإطار، دعا عضو فريق التقدم والاشتراكية إلى محاربة الفساد وتعزيز مناخ الاستثمار، مبدياً قلقه من تراجع المغرب في مؤشرات إدراك الفساد والحرية الاقتصادية، حيث أن هذا التراجع ينعكس سلباً على ثقة المقاولات والمستثمرين. ولفت الفريق إلى أن الحكومة لم تتخذ بعد إجراءات جدية لرفع مستوى الشفافية في المنافسة الاقتصادية، مما ينعكس سلباً على جاذبية الاقتصاد المغربي ويزيد من صعوبة جذب استثمارات أجنبية مباشرة تدعم الاقتصاد الوطني.
وبعدما توقف عند بعض النقاط الإيجابية المحدودة التي جاء بها المشروع الجديد، وضمنها جهود الحكومة في الرفع من الموارد المخصصة للاستثمار العمومي وتخصيص 340 مليار درهم لذلك والتي أشاد بها، أعرب عبادي عن قلقه من تدني نسب التنفيذ، وتأخر صرف الاعتمادات، والتوزيع غير العادل للاستثمارات بين الجهات.
كما لفت الفريق النيابي لحزب “الكتاب” إلى ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث قال عبادي إن مناخ الأعمال يحتاج إلى إصلاحات عميقة تضمن الشفافية وتحد من الفساد وتضمن تكافؤ الفرص للمقاولات الصغيرة والمتوسطة.
وفي سياق تفصيله في عدد من النقاط، جدد فريق التقدم والاشتراكية على لسان النائب أحمد عبادي توجيه انتقادات لاذعة للحكومة بخصوص الأسس التي بنيت عليها تقديرات الحكومة لمعدل التضخم، داعيا إلى مراجعة الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك.
وقال عبادي، في هذا الصدد، إن ارتفاع الأسعار أصبح هاجسا يوميا للمواطن المغربي، حيث صرح 82.5 بالمئة من المغاربة بأنهم يشعرون بتدهور مستوى معيشتهم، في حين أصبح 3.2 مليون مغربي يعيشون في دائرة الفقر والهشاشة. حيث تسائل عبادي، في هذا السياق،عن جدوى الدعم الموجه لبعض الفئات مثل أرباب النقل ومستوردي الأبقار، مشيرا إلى أن هناك ضرورة لضبط هوامش الربح ومكافحة المضاربات لضمان استقرار الأسعار.
وإلى جانب ارتفاع الأسعار، أكد البرلماني في صفوف الفريق أن مشروع قانون المالية لا يتضمن إصلاحا شاملا للنظام الضريبي بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن الضرائب يجب أن تكون عادلة وتراعي التفاوتات الاجتماعية، وأنه كان من الأجدر على الحكومة أن تفرض ضريبة على الثروة لتساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشار عبادي إلى أن اعتماد الحكومة على التمويلات المبتكرة قد يؤدي إلى المزيد من الأعباء المالية على الدولة، ويهدد استدامة الميزانية. محذرا من ارتفاع نسبة الدين العام، والتي قال إنها أصبحت تتجاوز 80 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.
وأعرب عضو الفريق عن قلقه من سياسة الحكومة في الاعتماد الكبير على التمويلات المبتكرة، والتي تثقل كاهل المالية العمومية وتؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه السياسات تطرح تخوفات جدية حول مصير المرافق العامة ومستقبل الأجيال القادمة.
إلى ذلك، وبالرغم من إشادة الفريق بانخراط الحكومة في مشروع الحماية الاجتماعية، أكد عبادي على ضرورة إحداث قانون لتمويل الحماية الاجتماعية، وتوضيح الموارد والنفقات الحقيقية لهذا المشروع، مبديا قلقه من أن قرابة 14 مليون مغربي يعتمدون حاليا على الدعم الحكومي في معيشتهم.
كما أشار إلى فشل الحكومة في تعميم التغطية الصحية، حيث لا يزال 7 ملايين شخص غير مشمولين بهذا النظام، ما يدل على ضرورة مراجعة سياسات الحكومة في مجال الصحة لضمان استفادة الجميع من هذا الحق الأساسي.
إلى ذلك، جدد عبادي رفض فريق التقدم والاشتراكية لمشروع قانون المالية لسنة 2025، مشيرا إلى أن المشروع لا يواكب تطلعات الشعب المغربي ولا يعكس التزامات الحكومة ببرنامجها. داعيا الحكومة إلى تغيير سياساتها وتوجهاتها، والانفتاح على حوار حقيقي مع الأحزاب السياسية، سواء من المعارضة أو الأغلبية، من أجل تحقيق بديل ديمقراطي تقدمي يخدم مصلحة المواطن المغربي ويسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، مؤكدا على أن الوقت قد حان للانتقال من الخطابات إلى الأفعال من أجل إحداث تغيير حقيقي في حياة المواطن المغربي.
محمد توفيق أمزيان