شكّلت حقوق ذوي الإعاقة أحد أبرز المطالب المقدمة الى هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب، حيث استقبلت الهيئة جمعيات وائتلافات متعددة، يهتم بعضها بحقوق هذه الفئة بشكل حصري، بينما يطرح البعض الآخر مقترحاته ضمن حقوق فئوية أخرى. ويتبين من خلال قراءة وتحليل بعض المذكرات المقدمة إلى الهيئة وجود تنوع في المطالب المرفوعة واختلاف الرؤى بخصوص طريقة تنزيلها.
زواج ذوي الإعاقة الذهنية بين القبول والرفض
يعتبر موضوع زواج ذوي الإعاقة الذهنية من بين النقاط الخلافيّة التي كشفتْ عنها المذكرات المقدّمة إلى الهيئة، حيث نصت المادة 23 من مدونة الأسرة على أن “يأذن قاضي الأسرة المكلّف بالزواج بزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية ذكرا كان أم أنثى، بعد تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر”، وذلك بعدما “يطلع القاضي الطرف الآخر على التقرير وينص على ذلك في محضر”. ويجب أن “يكون الطرف الآخر راشدا ويرضى صراحة في تعهد رسمي بعقد الزواج مع المصاب بالإعاقة”.
طالبت بعض الجمعيات النسائية بحذف إمكانية زواج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية بعدما ثبت لها عمليا أن تطبيق هذا النص على مستوى الواقع يكرس تمييزا بين الجنسين، إذ أن النساء هن أكثر فئة يتم تزويجهن للأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية، وغالبا ما يتمّ استغلال فقرهن. وطالبت جمعيات أخرى بالتنصيص على أن الإعاقة الذهنية التي يسمح فيها بالزواج هي الإعاقة الذهنية الخفيفة، نظرا لأن الشخص المصاب بإعاقة ذهنية هو شخص فاقد للأهلية المدنية والجنائية ولا يقبل أن يتحمل مسؤولية رعاية أسرة.
في المقابل، طالبت جمعيات أخرى بعدم اعتبار الإعاقة الذهنية مبررا للإقصاء من الحق في الزواج أو بناء أسرة، ونادت بإحاطة هذا الزواج بضمانات حمائية مثل الإدلاء بتقرير مفصّل عن نوع الإعاقة مع تحديد نسبة مساهمة الزواج بالنسبة للشخص ذي إعاقة ذهنية في الشفاء؛ واشتراط المصلحة الواضحة والأسباب المبررة لمنح الإذن، والتنصيص على إلزامية إجراء بحث اجتماعي على أطراف العلاقة، ووجوب تعليل أمر القاضي سواء بالقبول او الرفض، مع التنصيص على إمكانية الطعن فيه من طرف النيابة العامة.
وطالبت جمعيات أخرى بضرورة تأكّد المحكمة من مصادر الإنفاق في حالة زواج ذوي الاحتياجات الخاصّة، مع تقديم تقرير بحث اجتماعيّ من طرف مكتب المساعدة الاجتماعية.
في نفس السياق، أكّدت مذكّرات أخرى على أهمية تقييم الإعاقة بالانتقال من النموذج الطبي السائد إلى نموذج نسقي شامل، يأخذ بعين الاعتبار التقييم الاجتماعي، وطالبت بضمان إشراك الشخص “المعاق” ذهنيا في إجراءات الزواج والطلاق، علما أن القانون الحالي يسمح بزواجه، ولا يتطرّق إلى إمكانية مطالبته بالتطليق.
النيابة القانونية على الأشخاص في وضعية إعاقة
يعتبر موضوع النيابة القانونية على الأشخاص في وضعية إعاقة من بين المواضيع الجديدة والناشئة على مستوى مطالب الحركة الحقوقية المغربية حيث يستند على مبرر عام مفاده ضرورة ملاءمة مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004 مع اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب سنة 2009، وخاصة المادة 12(2) منها التي تنص على حقّ هذه الفئة في الحصول على الأهلية القانونية، التي تشمل الحق في ممارسة جميع حقوقهم، والاعتراف بقراراتهم أمام القانون على قدم المساواة مع بقية الأشخاص ومن دون تمييز بسبب الإعاقة. وقد خلصتْ اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى أن الأنظمة القانونية التي تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من الأهلية القانونية، وتعيّن أشخاصا آخرين ليتخذوا قرارات في مكانهم ويمارسوا حقوقهم بالنيابة عنهم ، لا تتفق مع المادة 12 المذكورة، ويجب إلغاؤها.
انطلاقا من هذا التشخيص ركزت المذكرات المقدّمة إلى الهيئة على ضرورة مراجعة كتاب النيابة القانونية بحذف المصطلحات التي تمتهن كرامة الأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية مثل “المجنون”، و”المعتوه”، و”السّفيه”، واعتماد لغة حقوقيّة، وتدقيق مفهوم الإعاقة باستحضار تنوّع فئاتها، من قبيل الإعاقة الذهنية أو العقلية أو الاجتماعية النفسية، واستحضار درجاتها.
كما طالبت عدد من المذكرات بتكريس مفهوم جديد للنيابة القانونية على الأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية قائم على المساعدة في الوصول الى القرار المُسانَد، عوض نظام الوكالة القائم على القرار البديل.
في نفس السياق، طالبتْ مذكرات أخرى بتخويل الأشخاص صلاحية اختيار نائبهم القانوني وتقنين نظام مساعدة قانونية ملائم لحاجيات الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية أو العجز الجسماني البليغ.
حقوق الأطفال والآباء في وضعية إعاقة
اقترحتْ عدد من المذكرات المقدمة إلى الهيئة تضمين حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل عرضاني داخل مدونة الأسرة، حيث وقفتْ عند بعض التطبيقات القضائية التي لا تراعي هذا البعد مثل تفسير شرط القدرة المطلوب لاستحقاق الحضانة على أنه يعني القدرة الصحية، بما قد يؤدي إلى استبعاد الأمّهات الموجودات في وضعية إعاقة من الحقّ في حضانة أطفالهن بعد الطلاق، واقترحت التنصيص بشكل واضح في النص على أن “إعاقة أحد الزوجين لوحدها لا تعتبر قرينة على عدم قدرته على الحضانة”.
ولاحظت مذكرات أخرى أنه وبالرغم من تنصيص المدونة على استمرار نفقة الآباء على أبنائهم المصابين بإعاقة إلى حين قدرتهم على الكسب، بحيث لا تسقط نفقتهم ببلوغهم سنّ الرشد القانوني، إلا أن المدوّنة لا تستحضر بعد الإعاقة ضمن معايير تقدير النفقة، علما بأنّ لهذه الفئة احتياجات خاصة تهمّ تعليمهم ومواكبتهم الصحية تستوجب رفع مبالغ نفقتهم، واقترحتْ في هذا المجال “ضرورة الأخذ بعين الاعتبار عند تحديد النفقة وجود إعاقة لدى أحد مستحقيها، وما يترتب عن ذلك من مصروفات إضافية، وكذلك على إمكانية مراجعة النفقة في حالة حصول تغيير في وضع مستحقيها كما في حالة تطور إعاقته”.
في نفس السياق، اقترحت عدد من المذكرات توسيع نطاق الوصية الواجبة ليشمل الأبناء في وضعية إعاقة، أو تشجيع الآباء على إبرام عقود تبرعيّة لضمان حقوق أبنائهم من هذه الفئة.
كما نبّهت عددا من الجمعيات إلى كون النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة لا تتوقف فقط على إدخال تعديلات تشريعية، بقدر ما تحتاج أيضا إلى القيام بإجراءات مواكبة من بينها توفير الولوجيات بمعناها الشامل داخل المرافق العمومية، وإصدار النصوص التنظيمية اللازمة لإدماج بعد الإعاقة في السياسات العمومية، بما في ذلك القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والشغل والاعلام.
ملاحظات حول المطالب المتعلقة بحقوق ذوي الاعاقة
يلاحظ المتتبع للشأن الحقوقي في المغرب اتجاها متزايدا للجمعيات التي تهتمّ بموضوع الإعاقة للانتظام في شبكات للترافع من أجل حقوق هذه الفئة، باعتبارها جزءا من حقوق الانسان المتعددة، حيث برزت جمعيات ذوي الإعاقة ضمن تنظيمات حقوقية وأخرى فئوية، وهو ما لم يمنع دون خلق ديناميات خاصة تضمّ جمعيات ذوي الإعاقة فيما بينهم، وهكذا تأسّس “التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة” سنة 2005، وهو يضمّ شبكة من الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة وتحالفاتٍ جهوية و موضوعاتية وأشخاصا ذاتيين ومعنويين مهتمين بحقوق ذوي مختلف أنواع الإعاقات، يعتمدون المقاربة الحقوقية في الترافع لدى المؤسسات والسلطات العمومية لضمان حقوق هذه الفئة. كما تأسس ائتلاف “عدالة النوع، السكان والمناخ” سنة 2016 تزامنا مع انعقاد قمة المناخ حيث يهدف إلى أن يكون منصّة مرجعية حول قضايا السكان، وقدّم مذكرة من أجل مدونة الأسرة دامجة للحقوق الفئوية لكيلا يتخلّف أحد خلف الركب.
من جهة ثانية، يلاحظ بروز المقاربة الحقوقيّة في طرح الملف الترافعي لجمعيّات ذوي الإعاقة عوض المقاربة “الإحسانية” التي ظلّت تغلب على طريقة معالجة هذا الملف، ويستند ترافع الجمعيات المهتمة بهذا الموضوع على التزامات المغرب الدولية بموجب مصادقته على اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة والملاحظات الختامية التي وجّهتها اللجنة للمغرب والتي أوصتْ بإدخال تعديلات واسعة على المقتضيات المتعلقة بالنيابة القانونية في مدوّنة الأسرة.
من جهة ثالثة، برز وبشكل كبير خلال النقاشات المتعلقة بتعديل مدونة الأسرة عدم استيعاب بعد الإعاقة من طرف جزء كبير من النسيج الحقوقي بخاصة على مستوى إمكانية تقبل موضوع الأهلية المدنية للشخص المصاب بإعاقة ذهنية. ويتقاسم هذا الغموض موقف عدد من الهيئات والمؤسسات، بحيث انفردت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتقديم توصياتها الداعية إلى مأسسة نمط جديد من النيابة القانونية على الأشخاص المعاقين ذهنيا يقوم على الانتقال من مفهوم الوكالة المعمول بها حاليا، إلى مفهوم الدعم والمواكبة والمصاحبة، بما يضمن لهم المشاركة في عملية صنع القرارات التي تخصّهم، واقتصار دور نائبهم القانوني على مساعدتهم عوض أن يحلّ محلّ إرادتهم في اتخاذ القرار.