سجل المجلس الأعلى للحسابات أنه على الرغم من أن الاستراتيجيات المخصصة للصحة العقلية تمنح مكانة مهمة لتعزيز الوقاية من الاضطرابات العقلية، إلا أن الجهود التي تبذلها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في هذا الإطار تظل “غير كافية سواء تجاه كافة المواطنين أو تجاه فئات معينة منهم”، مؤكدا أن هذا “القصور على مستوى الوقاية من الاضطرابات العقلية” يؤدي إلى “رعاية طبية مكلفة للمنظومة الصحية الوطنية”.
وأوضح المجلس ضمن تقريره السنوي برسم 2023-2024 أن الاضطرابات العقلية وسط عموم السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة وأكثر، وكما أظهر ذلك المسح الوطني لانتشار الاضطرابات العقلية (2003-2006)، “تشكل عبئا مرضيا لا يستهان به، وتعتبر من الرهانات الحقيقية للصحة العمومية ببلادنا”.
وأوصى المجلس رئاسة الحكومة بوضع سياسة متكاملة ذات توجهات واضحة تأخذ بعين الاعتبار الإشكاليات الكبرى لهذه المنظومة، لاسيما تلك المتعلقة بتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الأمراض النفسية وتطوير عرض صحي مناسب يلبي حاجيات الساكنة والمجالات الترابية، مع وضع إطار قانوني مناسب يراعي الطبيعة الخاصة للصحة العقلية، وإطار حكامة ملائم يشرك جميع المتدخلين في هذا المجال.
أوصى المجلس وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بوضع وتنفيذ استراتيجية ملائمة للصحة العقلية متعددة القطاعات، ترتكز على إعداد وتنفيذ مخطط لتعزيز الوقاية في مجال الصحة العقلية، وتعزيز العرض الصحي المخصص للصحة النفسية، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، إضافة إلى إنشاء نظام للمراقبة والرصد الوبائي، وذلك استنادا إلى نظام معلومات فعال ومنسق.
وتفيد الأرقام الرسمية أن أكثر من 17 في المائة من المغاربة من مشاكل الصحة النفسية. وتشكل هذه الأخيرة السبب الأول للعجز (22.3 في المائة من العبء الإجمالي للعجز)، والسبب الثاني للمراضة الوطنية (10.52 في المائة من العبء الإجمالي للأمراض) مباشرة بعد أمراض القلب والشرايين (25.68 في المائة)، وقبل السرطانات (8.02 في المائة).
وكانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، قد أعلنت مؤخرا، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للصحة النفسية (10 أكتوبر 2024)، عن استعدادها لإطلاق “الخطة الاستراتيجية متعددة القطاعات للصحة النفسية 2030”. وحسب الوزارة، فإن عرض الصحة النفسية بالمغرب يشمل أساسا 11 مستشفى للأمراض النفسية، و34 قسما للطب النفسي مدمجة على مستوى المستشفيات العمومية، مما يوفر حوالي 2260 سريرا. كما يضم العرض الصحي، حسب نفس المصدر، أربع مؤسسات لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وفرقا متخصصة تضم 362 طبيبا نفسيا و1301 ممرضا في الصحة النفسية. وأفادت الوزارة أن هذا العرض مكن خلال سنة 2023 من التكفل بـ250 ألف و624 مريضا، وتقديم خدمات الصحة النفسية من خلال مقاربة طبية نفسية واجتماعية.
وأفاد تقرير المجلس أن المهمة الرقابية التي قام بها الأخير، في هذا الإطار، جعلت على رأس أهدافها التأكد من أن منظومة الصحة العقلية، بأبعادها المختلفة، قادرة على الاستجابة بشكل مناسب لاحتياجات الساكنة، وذلك من خلال تناول الجوانب المرتبطة بالوقاية في مجال الصحة العقلية، وبتوفر خدمات الرعاية الصحية وإمكانية الولوج إليها، وبظروف رعاية المرضى والتكفل بهم.
وبخصوص الجوانب المتعلقة بتعزيز الوقاية من الاضطرابات العقلية، سجل المجلس أن هذه الجوانب غير مدمجة بشكل كاف في منظومة الصحة العقلية، على غرار ما أوصت به منظمة الصحة العالمية في هذا المجال.
وعلى مستوى العرض الصحي في مجال الطب النفسي، أفاد التقرير أن الجهود التي بذلتها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في السنوات الأخيرة لتطوير وتوفير عرض صحي مناسب، “لا تزال غير كافية لضمان توفر مؤسسات للصحة النفسية وإمكانية الوصول إليها بشكل كاف للسكان”.
وفي هذا الصدد، كشف المجلس عن عدم كفاية المؤسسات الصحية وعدم تعميمها على مجمل التراب الوطني. وأشار التقرير إلى أن معدل القدرة الاستيعابية للمؤسسات الصحية في مجال الطب النفسي الذي يبلغ 6.86 سرير فقط لكل 100 ألف نسمة، يعتبر معدلا ضعيفا مقارنة بالمعايير الدولية، مما يعكس فجوة كبيرة في القدرة على تلبية الطلب المتزايد على خدمات الصحة العقلية.
كما سجل عدم كفاية الأطباء المتخصصين، وتوزيعهم بشكل متكافئ، وعدم كفاية بعض التخصصات المساهمة في التكفل بالمرضى النفسيين، فضلا عن عدم توفر الأدوية على مستوى الهياكل الصحية وعدم كفاية التعويض عن بعض الأدوية والخدمات الطبية من طرف التأمين الصحي.
وفيما يتعلق بطرق التكفل وتنظيم العلاجات والخدمات الصحية، وقف المجلس على مجموعة من الاختلالات التي تتجلى بصفة خاصة في ضعف إدماج الصحة العقلية في مؤسسات الرعاية الأولية، وغياب التنسيق بين المستويات المختلفة للرعاية النفسية، وكذا غياب الرعاية الشاملة للمرضى. وتؤدي هذه الاختلالات، حسب التقرير، إلى اضطرابات في مسارات الرعاية، مما يضر بالمرضى ويزيد الضغط على المؤسسات الاستشفائية المتخصصة في الطب النفسي. كما سلط التقرير الضوء أيضا عن “انقطاعات في التكفل الصحي للمرضى بسبب عدم وجود أنظمة مراقبة ما بعد العلاج، وعدم كفاية مؤسسات إعادة التأهيل وهياكل الاستقبال للحالات الاجتماعية”.
<سميرة الشناوي