الجنرال عبد العزيز: المؤسسة العسكرية تحمي إرادة الشعب الجزائري
تستمر لجنة الإصلاحات السياسية في الجزائر برئاسة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح في الاستماع إلى مقترحات مختلف ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والتنظيمات الطلابية والشبابية، في وقت أعلنت فيه أحزاب سياسية بارزة ومعارضة عدة رفضها المشاركة في هذه المشاورات، إلى جانب شخصيات أخرى لها وزنها التاريخي والسياسي على غرار عبد الحميد مهري، ورئيس الحكومة السابق مولود حمروش، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول مصير هذه المشاورات ومصداقيتها.
فمنذ الإعلان عن اسم عبد القادر بن صالح ليكون رئيس اللجنة المكلفة للاستماع إلى مطالب ومقترحات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، سارع العديد من التكتلات السياسية إلى التعبير عن رفضه المشاركة في هذه المشاورات، منتقدًا بشدة تعيين بن صالح على رأس هذه اللجنة، وهو ما فسروه بعدم وجود رغبة حقيقية من طرف النظام في إحداث قطيعة حقيقية مع أسلوب وطبيعة الحكم الحالي.
ردود فعل مناهضة
في هذا السياق، أعلن حزب «جبهة القوى الاشتراكية» رفضه القاطع المشاركة في هذه المشاورات، الأمر عينه بالنسبة إلى حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، ويعتبر رئيس الحزب سعيد سعدي في حديثه لـ «إيلاف» أن هناك تناقضًا مكشوفًا للسلطة، فمن جهة يسارع جميع المسؤولين إلى القول إنه في الجزائر لا توجد أزمة سياسية، وإنما ضائقة اجتماعية خفيفة يسهل معالجتها، ومن جهة أخرى يعلن رئيس الدولة في أول ظهور له بعد أشهر من الانزواء عندما كانت البلاد تحترق عن إصلاحات سياسية، وهذا يُعتبر مسعى في شكله وأهدافه إلى الإبقاء على الوضع القائم، وهذا نقيض التغيير».
من جهتها، وصفت لويزة حنون «زعيمة حزب العمال التروتسكي» المشاركين في المشاورات السياسية بـالجثث السياسية الميتة، معتبرة أن تلك الإصلاحات بدأت تنحرف عن مسارها، وطالبت من اللجنة بضرورة انتقاء الأطراف الفاعلة والجدية للتشاور، وشددت على أن تعديل الدستور هو أولى من قوانين الإصلاح، وتمسكت بضرورة تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة من اجل إرساء برلمان حقيقي يمتلك السيادة. وتقدمت بمقترحات عدة تخص استقلالية القضاء وتعزيز رقابة الأحزاب ومنع التجوال السياسي للنواب، فيما انتقدت صيغة القوائم الحرة في الانتخابات التشريعية، باعتبار أن معظمها يقع في قبضة رجال المال والأعمال.
أما موسى تواتي «رئيس الجبهة الوطنية الديمقراطية» فقد وصف العملية بأنها دعوة إلى الحوار عبر الهاتف، مضيفاً «أن السلطة هي نفسها التي ظلت تجتر نفسها عبر حوارات عديدة مضت، وظلت أيضًا تجتر الفشل، الذي أضحى بمثابة علامة جزائرية مسجلة في كل مناحي الحياة».
وتابع: «يمكن القول إن السلطة هي الآن في صدد فتح حوار مع نفسها، وإن ما تقوم به هذه الأيام من دعوة كل من هبّ ودبّ تحت مسميات عدة، يدخل ضمن تخوف الجبهة الوطنية من سعي السلطة إلى تدجين المعارضة الحقيقية ومحاولة خنق صوتها وسط صخب الأصوات الأخرى».
طالب تواتي بضرورة تكريس مبدأ الاحترافية السياسية والخروج من الغرف المغلقة واعتماد حوار شفاف ينبذ العودة إلى الخيارات التي انتهى إليها حوار 1994، والذي أفضى إلى المزيد من تكريس ديمقراطية الواجهة، وأضاف: «قبل أن نقوم بأي خطوة علينا إشراك الشعب، ولابد أن نتعلم كيف نستفتي الشعب بوصفه صاحب السيادة والسلطة الحقيقية».
أما المرشح السابق لمنصب رئيس الجمهورية عام 1999 ورئيس حزب «عهد 54» فوزي رباعين فقد اعتبر أن الطريقة التي بادر بها رئيس الجمهورية هذه الإصلاحات ستسمح من دون شك بالتضييق أكثر على الحريات والديمقراطية، مثلما كرّس ذلك خلال عهديه السابقين، كما ستسمح أيضًا للسلطة بمواصلة سيطرتها على الحياة السياسية، وإذا كانت لديها النية فعلاً في الإصلاحات، فعليها أن تنظم لقاء وطنيًا بين كل الأطراف السياسية ومباشرة عبر وسائل الإعلام».
إلى جانب تلك الأحزاب، أعلنت شخصيات ذات ثقل تاريخي وسياسي عدم مشاركتها في عملية التشاورات الجارية، وآخرهم رئيس الحكومة السابق مقداد سيفي، وسبقه قبل ذلك الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري، الذي أعلن قبل بدء المشاورات عن عدم المشاركة فيها. كذلك الأمر بالنسبة إلى المرشح السابق لرئاسة الجمهورية أحمد طالب الإبراهيمي، والرئيس السابق لحركة الإصلاح عبد الله جاب الله.
مناشدات للمشاركة من أجل التغيير
أدى إعلان تلك الأطراف عن مواقفها بالوزير الأول أحمد أويحي إلى مناشدتهم بالانخراط في هذا المسعى من خلال طرح مواقفهم ومقترحاتهم، والاستفادة من تعهدات الرئيس بوتفليقة السياسية، مؤكداً في تصريحات صحافية أن مقترحات الأحزاب ونتائج المشاورات ستكون المصدر الوحيد للتعديلات والمراجعات التي تشمل الدستور وسبعة قوانين أخرى».
الأمر عينه بالنسبة إلى الجنرال المتقاعد خالد نزار، الذي كان من أبرز صنّاع القرار في فترة التسعينات من القرن الماضي، والذي حثّ السلطة إلى بذل جهود إضافية لإقناع الشخصيات ذات الوزن السياسي -قاصداً بذلك حسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري وغيرهما- إلى المشاركة في المشاورات.
مقترحات جديدة
من جانب آخر، قدم رئيس الحكومة السابق إسماعيل حمداني لائحة تتضمن 18 مقترحاً، تشمل تعديل الدستور والقوانين الأخرى المطروحة للمراجعة، وأكّد أنه اقترح أن يشمل تحديد العهدين في دستور رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة وكل المسؤوليات التنفيذية والتشريعية.
ويرى أن قيادة الأحزاب السياسية معنية أيضاً بتحديد عهدة رؤوسائها بعهدتين فقط، وطالب بتوسيع صلاحية حق إخطار المجلس الدستوري بأي طعن في القوانين والقرارات لهيئات أخرى، إضافة إلى رئاسة الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني، وسنّ قانون ”تناقض المصالح” يحدّ من علاقة المال بالسياسة والحدّ من فرض الرؤى والتصورات السياسية بالقوة.
من جهة أخرى، طالبت حركة النهضة عبر رئيسها فاتح ربيعي بضرورة تعديل الأجندة الزمنية للإصلاحات السياسية، وطرح تعديل الدستور قبل أي مراجعة للقوانين السبعة المطروحة في حزمة الإصلاحات التي اقترحها الرئيس بوتفليقة. مضيفًا بأن الحركة متمسكة بموقفها الداعي إلى تعديل الدستور قبل القوانين الأخرى انطلاقاً من مبدأ أن الدستور أمّ القوانين، كما طالب من رئيس الجمهورية توفير المناخ والأجواء التي تسمح بتنفيذ حزمة الإصلاحات السياسية في هدوء، وتهدئة الجبهة الاجتماعية والاستجابة السريعة للمطالب العمالية والمهنية».أما الوزيرالسابق والمرشح السابق للرئاسة عام 1995 نورالدين بوكروح فاعتبر أن آلية الاستشارة أمر إيجابي، لكن الأهم من ذلك النتائج التي ستظهر قريبًا، مؤكدًا في الوقت نفسه انه قـد حان الوقت لتنتقل الجزائر من عهد الدولة الهائمة إلى دولة قائمة مستقرة عن طريق احترام الدستور».
أما حزب «جبهة التحرير الوطني» فقد تقدّم إلى لجنة الدستور وقانون الانتخابات بعرض لمقترحات خلال أعمال الدورة الرابعة للجنة المركزية للحزب، والتي اختتمت أمس، أبرزها أن حزب الغالبية البرلمانية يفضل حالياً نظام الحكم «شبه الرئاسي»، ويدعو إلى اختيار الوزير الأول من الغالبية البرلمانية، ووضع الحزب فرضيتين لاختيار نائب رئيس الجمهورية، إما بالتعيين أو الانتخاب، والدعوة إلى أن تؤدي الحكومة اليمين الدستوري أمام رئيس الجمهورية قبل تولي المهام، وتحديد دورة برلمانية واحدة في السنة، وإنشاء محكمة عليا تختص بمحاكمة الوزير الأول في انتظار تحديد موقف الحزب من مسألة فتح العهد الانتخابية لمنصب رئيس الجمهورية».