انطلقت مؤخرا بالرباط، التظاهرة الثقافية الكبرى “إشعاع إفريقيا من العاصمة” والتي تقام أول سنة بالمغرب احتفاء بالفنون السمراء، وكانت الانطلاقة بافتتاح 7 معارض فنية وفوتوغرافية لفنانين من مختلف دول إفريقيا.
التظاهرة التي تستمر إلى غاية 30 من أبريل وتحتضنها العاصمة الرباط، تتميز بتنوع الأنشطة الثقافية والفنية، فبعد افتتاح المعارض الفنية بكل من متحف محمد السادس للفن المعاصر وفضاء صندوق الإيداع والتدبير، فيلا الفنون، باب الرواح بالإضافة إلى المكتبة الوطنية وباب الكبير وبنك المغرب، أقيمت سهرة فنية بمسرح محمد الخامس، حيث ألهبت فرقة جوكو خشبة المسرح.
كما سيتم على مدى شهر أبريل تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية منها المتعلق بالفنون التشكيلية والتراث بالإضافة إلى الموسيقى والسينما، وغيرها من الاشكال الثقافية وذلك في إطار برنامج الدورة الغني والمتميز.
وتميز اليوم الأول بافتتاح مجموعة من العروض الفنية بعدد من قاعات العرض بالعاصمة، بحضور ثلة من الفنانين المغاربة والأفارقة وسفراء الدول الافريقية بالمغرب. حيث نظمت مؤسسة متاحف المغرب القائمة على دورة هذه السنة زيارة للمعارض السبعة ذات المحتوى الغني والمتنوع.
متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر “نظرات حول إفريقيا المعاصرة”
يجمع متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر- الشريان الرئيسي للمشهد الفني المغربي- ثلاث معارض رئيسية وهي “إطلالة على إفريقيا”، “حضور مشترك”، و”تكريم”. حيث يقدم بداية الفنانان وحيد شحاتة، مصور فرنسي من أصول تونسية، وكوكا نتادي، الفنان التشكيلي الكونغولي الفرنسي. معرضا تحت عنوان “حضور مشترك”حيث يقترح هذان المبدعان ثمرة عمل مشترك أنجزاه بمراكش بدعم من مؤسسة مونيريسو.
ويقدم الفنان الفوتوغرافي التونسي وحيد الشحاتة، من قلب الفضاء المتحفي، سلسلة “النهضة” وهي السلسلة الرائعة التي تتضمن بورتريهات أعاد من خلالها اكتشاف الميثولوجيا الإفريقية من زوايتي الضوء والإشراق.
وتجسد بورتريهات الفنان شحاتة الحياة الإفريقية بدلالاتها وأشكالها، حيث تسبر أغوار حياة الانسان الافريقي، وترصد معاناته، آلامه وآماله.
من جانبه يقدم الفنان التشكيلي كوكا نتادى رسام جداريات وفاعل بحركة هيب هوب، عصارة أربع سنوات من البحث التصويري في موضوع “المحارب بانتو”، الرمز القوي والصلب الباحث عن الحرية والهوية.
كما يقترح متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر معرض “تكريم”، وهو عبارة عن أرشيفات تذكارية لصور بعض الفنانين الذين رحلوامؤخرا أمثال: مالك سيديبي، «عين باماكو»، ليلى علوي من خلال مجموعتها «المغاربة» وعثمان دلامي الذي يكشف من خلال سلسلة «موسيقيو الحال» موهبته الكبيرة بمجال التصوير.
كذلك يقدم معرض “إطلالة على إفريقيا” مجموعة من الأعمال المنبثقة عن مجموعة خاصة وفريدة في استكشاف رائع لتيارات الفن المعاصر الافريقي، حيث يتضمن أعمال خاصة للعديد من الفنانين الأفارقة، من بينهم مغاربة.
الفضاء التعبيري لصندوق الإيداع والتدبير “نسيج الأحلام”
ولأول مرة بالمغرب يُقدم أيضا معرض “نسيج الأحلام” حيث يجسد هذا المعرض حوارا رائعا ما بين النسيج الإفريقي وتحف الصناعة التقليدية لمدينة فاس، وذلك بإبداع من الفنان المالي عبدلاوي كوناطي، الذي يقدم على قطع ثوب البازان، وهو نوع من النسيج الإفريقي الأصيل، أعمالا رائعة تتراوح ما بين التشكيل، النحت وفن المنشئات.
فيلا الفنون “كايا من خلال مرياه”
كذلك، فيلا الفنون محتضنة لأنشطة التظاهرة، سواء التشكيلية منها أو الموسيقية، والبداية بالمعارض التشكيلية، حيث تحتضن على مدى هذا الشهر معرضا للفنون التشكيلية وفن المنشآت، تحت عنوان “كايا من خلال مرياه” يستعرض فيه الفنانون أحمد الورديغي، نجية مهاجي، عبد الرحيم يامو، بيير بودو، جان كوبا، شيري سامبا، كالكيست داكبوكان، كونزالو مابوندي، فابريس مونتيرو، إبداعاتهم الفنية المختلفة.
ويجمع هذا المعرض ما بين الفنون التشكيلية وفن المنشئات ويتطرق من خلاله الفنانون لتصوراتهم للأرض بمختلف أشكالها وحالاتها، تكريما لها وشهادة حية على العلاقة المتينة والحميمية التي تربطهم بها.
رواق باب الرواح”لنحلق فوق سماء إفريقيا”
وبرواق باب الرواح ينظم، أيضا معرض تشكيلي يحمل عنوان “لنحلق فوق سماء إفريقيا”، يعرض فيه بعض الفنانين الأفارقة أعمالا تكشف وتسبر أغوار تيارات الفن الإفريقي.
كما يقدم المعرض أعمال خارج الأسوار ستحلق فوق سماء 14 دولة إفريقية من خلال أعمال مؤثرة ووسائل مختلفة.
المكتبة الوطنية “تراث”
بدورها تحتضن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية معرض “تراث”، وهو عبارة عن معرض فريد من نوعه يكشف عن المخطوطات القديمة ومميزات الخط العربي الافريقي، كما يعرض خرائط وأيقونات قديمة إلى جانب طوابع بريدية للقارة.
باب الكبير “نظرات متقاطعة”
ويشكل معرض باب الكبير “نظرات متقاطعة” مناسبة لإعادة اكتشاف محيط الرباط بمنظار مصورين وفنانين أفارقة، حيث يقدم العديد من الفنانين من جنسيات مختلفة صورا فوتوغرافية عن الحياة بالأحياء وأزقة المدينة العتيقة بالرباط، بالإضافة إلى صور أخرى من أحياء مختلفة للعاصمة.
كما يدعو معرض “نظرات متقاطعة” الفنانين والمصورين الأفارقة للتعرف على بيئة الرباط، التي تكشف لهم الواقع والحلم. الزمن الحاضر وذاكرة الرباط.
بنك المغرب “الذهب الإفريقي”
ختام جولة المعارض، كان من بنك المغرب، الذي يحتضن معرض “الذهب الافريقي، والذي يعتبر من المعارض الغنية من خلال تضمنه للوحات وخرائط توثق للخط التجاري الذي ينطلق من قلب افريقيا في اتجاه شمالها، حيث تزدهر تجارة الذهب، كما تظهر اللوحات والمخطوطات أهم الطرق التي تربط جنوب افريقيا بشمالها عبر محطات معينة ومناطق استخراج الذهب.
كما يقدم المعرض نبذة عن التاريخ الطويل والحافل الذي يميز العلاقات الثقافية والتجارية التي كانت سائدة ما بين المغرب والضفة الأخرى لإفريقيا. حيث كان موضوع المبادلات السائد آنذاك هو الذهب، وللحصول على هذا المعدن النفيس، كان التجار المغاربة يلجؤون إلى مقايضته بسلع متنوعة من ملابس، أدوات أو صفائح نحاسية، ورق، منتوجات جلدية، أدوات خزفية إلى جانب النقد الصدفي «الغوري»، وعلى الخصوص الملح.
المعرض يقدم، أيضا، جانبا من التقاليد التي كانت سائدة بالقارة الإفريقية خصوصا على مستوى الأزياء والعتاد، حيث يقدم للجمهور نماذج حقيقية لهذه التحف الفنية عبرت القرون والعقود والسنوات ولازالت تقاوم البقاء لتوثق تاريخ إفريقيا.
السهرة الموسيقية الافتتاحية “موسيقى من أعماق إفريقيا”
إلى جانب المعارض التشكيلية كان لجمهور الرباط وضيوف التظاهرة القادمين من العديد من الدول الافريقية والأوروبية موعد مع الموسيقى الافريقية، حيث افتتحت فرقة “جوكو” الحفل الفني بكوكتيل رائع يمزج بين أشكال الموسيقى بالقارة السمراء، خصوصا وأن الفرقة تتكون من خمسة أصوات موسيقية مختلفة تشكل حلقة وصل بين المغرب والسينغال، الموزمبيق والكوت ديفوار، حيث ينحدر الموسيقيين الخمسة من عوالم متعددة ويتقنون أداء فنون الكورف الفانكي، حيث تتزاوج الايقاعات مع اللغات. وتتشكل الفرقة الخماسية من كل من فولان بوحسين بالرباب والمهدي الناسولي في الغناء والكمبري، أستاذ البلافون الايفواري علي كيتا، الموزمبيقي تشيلدو توماس عازف على الباس والسينغالي سيكا سيك على الباطري.
الجمهور كان له موعد كذلك مع مؤسس الأركسترا الوطنية لباربيس، الفنان عزيز السحماوي الذي أشعل بدوره منصة مسرح محمد الخامس.
هذا وستعرف هذه التظاهرة التي ستستمر طيلة شهر أبريل تنظيم العديد من السهرات الموسيقية بفيلا الفنون بالإضافة إلى الحفلة الختامية التي سيحتضنها مسرح محمد الخامس في آواخر أبريل، بالإضافة إلى المعارض التشكيلية والفوتوغرافية السبعة المفتوحة أمام الجميع، فضلا عن معرضين خاصين للتراث يكشفان ويحكيان مدى غزارة وغنى التراث وعراقة العلاقات الثقافية المتينة التي تربط المغرب بإفريقيا وبلدانها. السينما والفنون الحضرية، أيضا من ضمن أنشطة تظاهرة “إشعاع إفريقيا من العاصمة”، فضلا عن أشكال ثقافية تعبيرية أخرى تكشف العمق المغربي في إفريقيا وتسلط الضوء على الروابط الثقافية المشتركة المتجذرة في التاريخ.
محمد توفيق أمزيان