حلت، أمس الجمعة، الذكرى الـ 61 لاغتيال المناضل اليساري والمقاوم الوطني عبد الكريم بن عبد الله، أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي المغربي، وأحد مؤسي وقياديي منظمة الهلال الأسود للمقاومة، وذلك بضعة أيام بعد استقلال المغرب، على يد من اغتالوا أحمد الشرايبي، وثريا الشاوي، وغيرهم.
ولد عبد الكريم بن عبد الله بمدينة وجدة في التاسع والعشرين من شهر نونبر سنة 1923. وبعد حصوله على الباكالوريا، رحل الى فرنسا لمتابعة دراسته الجامعية بالمدرسة العليا للمناجم بباريس. وفي غضون دراسته بفرنسا، انخرط بالحزب الشيوعي المغربي في سنة 1947، حيث برز بنشاطه الوطني بين الطلبة، وكان من أبرز المشاركين في تأسيس اتحاد الطلاب المغاربة.
وبعد إتمام دراسته، رجع إلى المغرب سنة 1950، واشتغل بإدارة المعادن، وصار عضوا قياديا في الحزب الشيوعي المغربي. كما تولى مهمة الإشراف على إصدار مجلة فكرية تحمل عنوان «الفكرة الوطنية»، وتحمل مسؤولية بتنظيم الشبيبة الشيوعية المغربية، وترأس وفدا للشبيبة المغربية في المهرجان العالمي الثالث للشباب والطلبة، المنعقد ببرلين سنة 1951.
ستصلب السرية عود المناضل الشيوعي. وسيظهر جيل جديد تكون في حياة السرية القاسية مع بروز قادة جدد. وبزغت أسماء وشخصيات من قبيل عبد الكريم بن عبد الله، وعبد الله العياشي، ومحمد السطي. وعزز أنصار النضال المسلح موقعهم داخل الحزب. وإذا كان بعض القادة الوطنيين قد دُفعوا، ءانذاك، إلى شجب واستنكار بعض أعمال المقاومة مثل قنبلة السوق المركزي «مارشي سانترال»، فإنه يمكن بالمقابل تأكيد انعدام أي شجب لأعمال المقاومة المسلحة في كتابات الحزب ونداءاته.
اتضحت وتعززت فكرة إنشاء منظمة نضال مسلح في 1954. وبعد اعتقال قادة منظمة «اليد السوداء» في نهاية 1953، جرى تنسيق العمل لمواصلة النضال. وقرر مناضلون شيوعيون مقتنعون بضرورة إنشاء منظمة مقاومة الإقدام على الخطوة الأخيرة. وربطوا الصلة بمقاومين مثل عبد الله الحداوي والحسن الكلاوي. وقد كانت لهذا الأخير علاقات مع مقاومي «اليد السوداء» قبل اعتقالهم. وكان هدف تلك الصلات اتخاذ قرار إنشاء منظمة مقاومة جديدة.
وفي مارس 1954، في ذكرى إبرام عقد الحماية، أسس عبد الله الحداوي، والحسن الكلاوي، وعبد الكريم بنعبد الله، وعبد الله العياشي، والطيب بقالي، ومناضلون آخرون، حركة جديدة سموها «الهلال الأسود». كان الطيب البقالي، بكر المجموعة، قد شارك في الشبكات الشيوعية للمقاومة الفرنسية في مطلع سنوات 1940. وكان الحداوي أصغرهم (17 سنة، اغتيل وعمره 19 سنة)، وكان هو من اقترح اسم المنظمة «الهلال». بحيث حمل المنشور الأول عنوانا بارزا هو «من اليد السوداء إلى الهلال الأسود». وكانت المنشورات الموزعة تحمل صورة رشاش واسم المنظمة. أما أنشطتها المسلحة فتمتد من تصفية المتعاونين مع الاستعمار إلى إلقاء القنابل بالمدينة الأوربية مثل القنبلة التي انفجرت بشارع باريس بالدار البيضاء.
وبقدر ما كانت حركة المقاومة تتطور، أضحى التنسيق بين قادة الشبكات والمنظمات المختلفة ضرورة. حيث كان ضعف التنسيق يفسر في البداية بتقنية الفصل والحرص على الأمن وروح الاستقلال لدى مختلف المنظمات. من ثم بادر المناضلون الشيوعيون في هذا الإطار إلى خلق تجمع وحدوي للمقاومة سيتيح تجميع مقاومين كان بعضهم مرتبطا بمنظمات مختلفة. كانت هذه اللجنة المسماة لجنة الاتحاد الوطني مشكلة من محمد حاج عموري، واحمد بلبشير، وعبد الله العياشي، وعبد الكريم بنعبد الله، وبشير الفكيكي. وكان الغالب هم مناضلو الحزب الشيوعي وحزب الشورى والاستقلال. وكان مناضلو هذا الحزب بوجه خاص من عناصر القاعدة التي لم تنل دوما دعم قيادة الحزب. وقدم بعضهم مثل مصطفى القصري ومحمد الصقلي، مساعدتهم وتعاونهم مع مجلة «الفكرة الوطنية» التي يشرف عليها عبد الكريم بنعبد الله.
أتاح هذا التعاون بين مقاومين بآراء سياسية متباينة، بواسطة لجنة الاتحاد الوطني، تنسيقا على مستويات مختلفة، منها مثلا تنظيم إضرابات مارس وغشت 1954، موثقين على هذا النحو الصفوف وساعين إلى تصليب العزائم لخلق مناخ مواجهة دائمة مع المستعمر.
شهدت المنظمة السرية، أهم منظمات المقاومة، تراجعا بعد الاعتقالات المتتالية لأعضاء قيادتها. بحيث فقدت احتكار سلطة المبادرة التي كانت لها من قبل وكانت تتيح لها تنظيم عمليات على نطاق واسع. فنظام العلاقات العمودية الصارم الذي يحمي عددا من الفروع من القمع سيصير عديم الفعالية عندما يضرب القمع القيادة. كان انقطاع العلاقات مع القادة الجدد الذين يحلون مكان الأطر المعتقلة أو الملاحقة، يدفع الفروع إلى الاستقلال التنظيمي وإلى ظهور منظمات صغيرة. وستصطدم المنظمة السرية، في سعيها إلى استعادة الشبكات القديمة، واسترجاع المبادرة، بصراعات النفوذ وبتضارب المصالح بين المجموعات والشخصيات المتنافسة، لا سيما بعد إطلاق سراح القادة الوطنيين الساعين، هم كذلك، إلى الظفر بدعم القاعدة لخوض مفاوضات الاستقلال فقط.
في الكتابات القليلة التي ورد فيها ذكر عبد الكريم بنعبد الله، وفي تصريحات شهود مرحلة ما بعد الاستقلال، يرد فيها اسم هذا الشهيد مقرونا دائما بخدمات جليلة وتضحيات جسيمة قدمها لوطنه ولحزبه وهو لم يتم عقده الثالث، وهو ما يعني أن الرجل كان شعلة وضاءة أنارت درب بلد يتلمس أولى الخطوات في غبش فجر الاستقلال، تخلى، وهو المهندس الجيولوجي الوحيد في المغرب، عن المنصب وعن الموقع الاجتماعي الرفيع، وعن حياة الترف، لينخرط في النضال السياسي، مدركا أن الوطن، بحاجة ماسة لأبنائه، خاصة المتنورين منهم، لحمل مشعل التحرر، ليس فقط من الاستعمار الفرنسي المسلح، بل أيضا من التخلف والجهل والرجعية واستغلال خيرات البلاد من طرف قلة قليلة هيمنت على ثروات البلاد، وعقدت صفقات مع المستعمر الذي خرج من الباب ليعود من النافذة.
بيان