أكد إعلاميون وخبراء دوليون في مجال الاعلام أن الأخبار الكاذبة أضحت تشكل خطرا كبيرا على الأفراد والمجتمعات، وذلك لكونها تعمل على توجيه الناس في منحى، يسعى صاحب الخبر الكاذب، إلى توجيههم إليه عن قصد.
وأضاف الإعلاميون والخبراء، في ندوة حول “الأخبار الكاذبة” نظمها مركز هسبريس للدراسات بشراكة مع القناة الألمانية “دوتشه فيله” أول أمس الخميس بالرباط، أن هذه الأخبار الزائفة تعرف في الآونة الأخيرة تناسلا كبيرا بالعديد من المجتمعات والدول، خصوصا مع احتدام الصراع في مجموعة من المناطق، كما سجلوا تناسل الأخبار الكاذبة بالعديد من الاستحقاقات التي تجري في العديد من الدول. مشيرين إلى أن هناك ضغطا لتوجيه الناس في تيار معين.
كما أجمع الخبراء على أن خطر هذه الأخبار الزائفة يتجلى في كون وسائل الإعلام كانت تملك في السابق سلطة قوية نسبيا حول ما يحق تمريره للرأي العام، لكن في الوضع الحالي، يمكن اليوم لكل مستخدم للإنترنيت أن ينشر أخبارا زائفة في قطاع عام أو شبه عام. ويتم هذا الآن بشكل أسهل. يشير الخبراء. موضحين أن كل من يتواجد في الشبكة العنكبوتية وفي مواقع التواصل الاجتماعي يشكل لبنة في عملية نشر الأخبار، بالنظر لكون المعلومات يمكن لها الانتشار على هذا النحو بسرعة، خارج نطاق وسائل الإعلام الكلاسيكية الكبيرة.
في هذا السياق قال مصطفى الخلفي، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الحكومة عرفت قبل تشكيلها إطلاق عدد كبير من الإشاعات والأخبار الكاذبة، مشددا على أن “المسؤولية الأساسية في انتشار هذه الأخبار ليست على الصحفي، لأنه كان وسيطا، بل هو ضحية فاعلين يشتغلون من أجل استهداف أشخاص معينين أو خلق حالة معينة”.
وأضاف الخلفي الذي كان مشاركا في ذات الندوة أن الإشاعة في الإعلام أخذت بعدا عالميا ولم تعد فقط محلية، مقدما العديد من النماذج من مختلف دول العالم، مشيرا إلى أن هناك من يستغل هذا المشكل لإطلاق موجة من الرقابة على حرية التعبير.
وحذر الخلفي من كون مسألة الإشاعة أو الأخبار الكاذبة لها “مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية” وخصوصا على الأفراد، معتبرا أن حرية التعبير تقف عند خصوصيات الافراد، التي لا يمكن التطفل عليها بحجة حرية التعبير.، داعيا في السياق ذاته، إلى معالجة هذا الموضوع عبر الالتزام بالضوابط المهنية والتي على رأسها البحث عن مصدرين للخبر والاتصال المباشر بالمعني.
واعتبر الخلفي أن الدفاع عن حرية التعبير مكتسب لا يمكن التراجع عنه، والحملة ضد الأخبار الزائفة لا يمكن أن تكون ضربا للحرية، مشيرا إلى أنه “لا ينبغي الخلط بين النضال من أجل الحرية وبين النضال من أجل محاربة الأخبار الكاذبة، هذه مسؤولية المهنيين، واعتماد تشريعات تصب في هذا الاتجاه”.
من جانبه قال أنطوان عون، مدير قسم البرامج العربية بقناة العربية، إن “هناك عوامل تساهم في انتشار الأخبار الكاذبة، خاصة مع بروز وسائل التواصل الحديثة”. وحدد عون هذه العوامل في عاملين رئيسيين أولها يتمثل في السرعة التي أصبحت متاحة اليوم، وهو ما لم يكن متاحا مع الإعلام التقليدي، حيث كان التدقيق في المعلومة أهم من السرعة. في حين يتمثل العامل الثاني في العامل العاطفي، وهو ما يفسره عون بكون المتابعين يميلون للأخبار التي يتوافقون معها، وهو ما يدفعهم إلى مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من انتشارها، ولو كانت مجرد كذبة.
كما أوضح عون أن الأخبار الكاذبة كانت دائما موجودة عبر التاريخ معتبرا أن طريقة التعاطي مع هذه الأخبار هي التي تفرق اليوم، خصوصا مع صعوبة محاصرة هذه الأخبار بالنظر إلى تعدد الوسائط الاجتماعية.
من جانبه، أيضا، اعتبر بيتر ليمبورغ، المدير العام لمؤسسة دويتشه فيله الألمانية، الأخبار الزائفة والشائعات ظاهرة قديمة، مشيرا إلى أن الشائعات كانت منتشرة بحدة داخل المجتمعات القديمة. موضحا أن “اختيار هذه القضية موضوعا للنقاش في هذه الندوة للتدقيق فيها وتمحيصها شيء جيد، لكونه سيدفع المشاهدين إلى التفكير مرتين قبل تصديق أي خبر يصادفونه على الشبكة العنكبوتية”.
ودعا ليمبورغ إلى التفريق بين اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا للأخبار، وبين كونها فضاء فقط لتداول الأخبار والمعلومات، موضحا ذلك بالقول “إن مواقع التواصل الاجتماعي ليست مصدرا موثوقا، هي مجرد وسيلة تواصلية، وعدد من الناس يصدقون كل الأخبار التي يطالعونها فيها”.
في حين يرى رشيد الجنكاري، مستشار دولي في الإعلام الجديد، أن الإعلام الإلكتروني يعد متنفسا في الدول العربية، معتبرا أنه بفضل الإعلام البديل أصبح بالإمكان معرفة الوقائع التي تجري في مختلف الدول العربية على سبيل المثال.
كما اعتبر الجنكاري أن الانحرافات في التعاطي مع الأخبار مراهقة رقمية صحية، لأنها تخلق نوعا من التدافع بينها وبين وسائل الإعلام التقليدية، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام السمعية البصرية في الدول العربية لازالت تحت رعاية الدولة، ولا بد من تحقيق التوازن من خلال خلق صحافة مواطنة.
محمد توفيق أمزيان
عدسة: رضوان موسى