لم يمر شهر أبريل دون احتفالات، حيث يقترن الثالث والعشرون من هذا الشهر باليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف، وقد كان للجهات المعنية بهذا القطاع انخراط في الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد مناسبة للوقوف عند ما آل إليه وضع النشر والتأليف ببلادنا، في هذا السياق كان لنا اتصال بمجموعة من الباحثين والمبدعين للإدلاء بآرائهم ووجهات نظرهم حول الاحتفال ودلالالته.
*الأديب العربي بنجلون: البشرية لا تستطيع أن تستغني عن الكتاب الورقي لعلاقته الوثيقة بالبصر والعقل والطبيعة
باعتراف الكثير من العلماء والمثقفين والتقنيين، ومنهم الراحل ستيف جوبز، المدير التنفيذي لشركة أبل، أن البشرية لا تستطيع أن تستغني عن الكتاب الورقي، لعلاقته الوثيقة بالبصر والعقل والطبيعة. فالقراءة فيه أريح للنظر، وأجْدى للعقل، وأدْنى لطبيعة الإنسان. بينما الكتاب الرقمي، تتداخل فيه عوامل خارجية وغير طبيعية، تضر بالعناصر الثلاثة الآنفة. بل الاستفادة منه قليلة جدا ولحظية، أي سرعان ما تتبخر، كأنك لم تقرأ شيئا.
فالأشعة المنبعثة منه، تحدث اضطرابات في العين، وتبعثر الانتباه، وبالتالي، ينعدم التركيز، ومع مرور السنوات، تتكون مجموعة من الأمراض النفسية والعصبية. لكن، بالرغم من هذه الملاحظة، فإنني أحيانا أقرأ مقالا أو عملا أدبيا قصيرا، وغالبا ما أحوله إلى كتابة ورقية، كي أستوعبه أكثر. أوفق بين القراءتين الرقمية والورقية، وإن كنت أميل إلى الثانية وأفضلها، لما تحققه لي من علاقة حميمية مع الكتابة.
ولقد سبق أن سُئل الأديب الطاهر بنجلون السؤالَ نفسه، فأجاب بأنه أراد مرارا أن يبتلي بالقراءة الرقمية، غير أنه اكتشف أنها أقل فائدة من الورقية. وعلى كل، فإن التعامل مع الرقمي، ينبغي أن يكون حذرا ومحسوبا ودقيقا، وألا نجعله المبتدأ والخبر، إنما هو رافد من روافد التثقيف والتواصل مع العالم، دون أن يهيمن على حياتنا اليومية.*** حاليا، هذه المشكلة مطروحة في العالم العربي فقط. والغريب أن العرب مستهلكون للاتصالات الرقمية أكثر من منتجيها، لأنهم، من جهة، يعيشون فراغا ثقافيا وتعليميا مهولا، وثانيا، لا يدركون سر هذه الاختراعات، وكيف يستعملونها.
لهذا أرى أن المستقبل سيعرف توفيقا بين الاستعمال العقلاني للرقمي والحفاظ على الدور الذي يؤديه الورقي. ولا أدل على ذلك، من الكم الهائل من المطبوعات الورقية التي تصدر في العالم المتحضر.
يكفي أن أشير إلى أن رواية الكاتبة ليلى سليماني، طبع منها ما يربو عن ثلاثمائة وخمسين ألف نسخة، وهذا مؤشر على أن الكتاب الورقي له حضور قوي في فرنسا، كنموذج. لكن، لو عرضت ليلى هذه الرواية على دار نشر مغربية، كم نسخة ستصدر منها؟! لا أظن أنها ستتجاوز ألفي نسخة. وهذا يبين أننا لحد الآن لم نستطع أن نخط لأنفسنا منهجا للتعامل، سواء مع الكتاب الورقي أو الرقمي.
***
كنت وما زلت أعترف بأن وزارة الثقافة لم تزدهر إلا في عهد وزيرين: محمد بنعيسى ومحمد الصبيحي، لأن السياسة التي نهجاها في تقوية القراءة وحضور الكتاب المغربي، هي الدعم لأكثر من مرة في السنة. والفرق بين الوزيرين، هو أن الأول كان يدعم الكاتب باقتناء خمسين إلى مائة نسخة أو أكثر إذا كان سعر الكتاب زهيدا. والثاني يدعم الناشر، كي تظل حركة النشر نشيطة، يستفيد منها الكاتب والناشر والموزع..
كما أن دعم الكتاب، حفّز الكثير من الشباب على اقتحام مجال النشر، فهناك كتاب، لولا الدعم، لما ظهرت أعمالهم، خصوصا في مجال الكتابة للطفل. ولهذا ينبغي تثمين هذه العملية، التي تشجع على الكتابة والقراءة والتواصل الدؤوب بين الكاتب والقارئ، بل تجذر فعلا ثقافيا قمينا بالتقدير والاحترام. ويجب ألا ننظر إلى دعم الكتاب من هذا الجانب فقط، فهناك جوانب أخرى، لا يلتفت إليها الكثيرون. مثلا، تزويد المكتبات بنسخ من الإصدارات المدعمة، تحفيز الناشرين بالمشاركة في معارض الكتاب، داخل وخارج المغرب، وذلك بتعويض التنقل والإقامة.. وكل هذه العمليات، تدخل في إطار دعم الكتاب المغربي.
***
هناك الكثير من الإصدارات ظهرت لي مؤخرا، سواء التي تهم الكبار أو الصغار، منها كتاب نقدي موسوم بـ “هندسة الكتابة الروائية” صدر بالقاهرة، وآخر في الرحلة يصدر في الأسبوع المقبل عن الهيئة المصرية العامة للكتاب “أن تسافر” ويحمل الطبعة الثالثة، بعد صدور الأوليين بالمغرب. كما صدرت عن الهيئة نفسها مسرحية للطفل بعنوان: “أصدقاء الحديقة” وهناك مجموعتان قصصيتان تصدران قريبا بدعم من وزارة الثقافة: “أبطال بلادي” تتناول سير مجموعة من الأبطال المغاربة الذين استشهدوا في سبيل استقلال المغرب. والثانية بعنوان: “حروفي في قصص” موجهة للأطفال الصغار ما بين خمس وست سنوات.
*****
* الأديبة حنان الدرقاوي: الكتاب الورقي سيصمد لأن لاشيء يعوض العلاقة الحسية مع الورق
شخصيا أنا مدمنة قراءة، أقرأ ما بين خمسة أو ستة كتب أسبوعيا في مختلف التخصصات، خاصة في الأدب وعلم النفس والفلسفة وتاريخ الفنون والأديان.
لا أتخيل حياتي بدون كتب. أقرأ كأنني أتنفس وأعيش لكل لحظة من اليوم كتابا ولكل يوم معارف جديدة. أقرأ الكتاب الورقي أكثر وذلك لصعوبات بصرية يخلقها الكتاب الإلكتروني. ما لا أجده ورقيا أقرأه إلكترونيا. الكتاب الإلكتروني غير تقنيات البحث وزمنه. حين أكتب المقال الفلسفي أعتمد على الكتاب الإلكتروني وذلك لسهولة الحصول عليه. لقد غير الأنترنيت علاقتنا بالمعارف التي صارت متاحة للجميع ويسهل الإطلاع عليها. لا يمكنني تخيل العودة إلى الوراء، الكتاب الرقمي هو مستقبل الكتاب ولا مانع لدي رغم أني أفضل الكتاب الورقي.
***
في رأيي سيصمد الكتاب الورقي لأن لاشيء يعوض العلاقة الحسية مع الورق، رائحته وهسيسه حين نقلب الصفحات. رغم تقدم الوسائل الرقمية إلا أن الكتاب الورقي يبقى له عبقه وخصوصياته. في فرنسا يبقى الكتاب الورقي متقدما ومبيعاته مرتفعة. المشكل يطرح في البلدان التي لا تقرأ أساسا. الكتاب الورقي فيها يعاني من ركود ومبيعاته محدودة. هناك تطور في التقنيات لكن الكتاب الورقي يبقى قيمة أساسية لا يعلى عليها ولا يمكن تجاوزها.
***
أنا مستاءة من هاته السياسة، سياسة دعم النشر، لأنها تدعم الناشر ولا تدعم الكاتب للأسف. يجب دعم الكاتب ماديا ومعنويا لأنه بدونه لا وجود للكتاب ومن ثم لدار النشر نفسها. نحن ككتاب مغاربة نكتب بتضحية تامة ونعطي أعمالنا مجانا. لا أحد يمنح نتيجة مجهوده إلا الكتاب. الرصاص يتقاضى أجرا والحلاق أيضا إلا الكاتب فهو يشتغل ويعطي منتوجه بالمجان وهو حامد أن هناك ناشرا اهتم بما أنتجه. بل هناك من ينشر على نفقته وينفق على عمله وهذا وضع غير طبيعي. دور النشر لا تؤدي للمؤلفين حقوقهم رغم وجود عقود قانونية تحدد نسبة استفادة الكاتب. الوضع غير طبيعي ولا بد أن ينتهي ويتغير. يلزم على وزارة الثقافة أن تتدخل لضمان حقوق الكاتب ووضعه المادي والمعنوي.
***
لدي مجموعة قصصية بعنوان «وردة لعائشة» قيد الطبع عن دار فاصلة بطنجة، وكذا رواية « الراقصات لا يدخلن الجنة» لم أبعثها بعد للنشر. أشتغل أيضا على ترجمة كتاب «تلك الحاجة إلى الإيمان التي لا تصدق» للفيلسوفة جوليا كريستيفا وسيصدر عن مؤسسة مؤمنين بلاحدود قريبا. أشتغل أيضا على رواية « أرض الأخطاء» ومجموعة قصصية جديدة.
****
*القاص المصطفى كليتي: القراءة الرقمية فعالة وسريعة ولكن لا يمكنني الاستمرار فيها لساعات ممتدة
بحكم العادة أميل للكتاب الورقي بل قد أستنسخ الإلكتروني لأقرأه على مهل، فقراءة الكتاب الورقي تتيح فرصة التأمل والتوحد مع الكتاب، فالكتاب الورقي يمنحني متعة ولي شغف كبير به، بيد أن القراءة الرقمية فعالة وسريعة وخدماتية ولكن لا يمكنني الاستمرار فيها
لساعات ممتدة، مما يجعلني في كثير من الأحيان أخرجه من حلته الضوئية إلى صيغة ورقية، لأن الورق أقرب إلي، ولا أستغني عن القراءة والنشر في المواقع الإكترونية، فهناك أيضا متعة التفاعل والحوار مع أصدقاء من الكتاب وجمهور عام من المتلقين، فاللحظة
التي نعيشها تقتضي المزاوجة والتعامل مع النشر الإلكتروني والورقي على حد سواء.
***
حسب نيتي واعتقادي، الكتاب الورقي هو الأصل وسيبقى مادام محبوه وعاشقوه، فقد كان الكتاب منذ الأزل حمالا للمعرفة عبر التاريخ، فهو المعين الثر للمدارك المختلفة والمتنوعة، والمعطيات الرقمية تستند في معظمها على ما هو ورقي، وقد تكون الهيمنة
المطلقة مستقبلا للكتاب الإلكتروني لما يتيحه من إمكانيات وما تزودنا به محركات البحث من معطيات بسرعة ودقة، وفي نفس الوقت كل ما هو إلكتروني مهدد أكثر من غيره بالعطب والمحو والاندثار ولا يمكن الاطمئنان نهائيا لكل ما هو رقمي مما يشوبه من تلبس وقرصنة محتملة .
فالوسائط الإلكترونية لها أهميتها الكبرى ونجاعتها وقد تحمل مكتبة كاملة في خزان بحجم أصغر أصبع في اليد.
أرى أن الكتاب سيصمد لا محالة والرجوع إليه ضرورة، وغالبا القارئ المحترف يزاوج بين القراءة ببعديها الورقي والإلكتروني.
***
دعم الكتاب تبقى سياسة حميدة، غير أن الأمر لا يتوقف عند النشر وحده، فأعقد مسألة تتعلق بالتوزيع وترويج الكتاب، فما معنى أن تطبع الوزارة كتبا وتظل حبيسة الرفوف يتراكم عليها غبار النسيان والإهمال، فلابد من سن استراتيجية محكمة لترويج وتقريب الكتاب وتوزيعه بشكل مكثف على المدارس والدور الشباب والخزانات العامة على المستوى الوطني، فالدعم
الحقيقي حسب فهمي وتجربتي المتواضعة يتمثل في توزيع الكتاب بشكل واسع، وتكثيف حملات التحسيس بأهمية القراءة والحث عليها، فضعف المقروئية يؤزم من وضع الكتاب ولاسيما الكتاب الإبداعي، فجمهرة القراء عندنا قراءاتها بركاتية تتعلق بمقرارات مدرسة أو معهد أو جامعة أو استعداد لمباراة أو امتحان، أما القراءة العاشقة فلا يركن إليها إلا القليلون.
فمثل هذا المستوى من الدعم لا يرتهن بوزارة الثقافة فحسب، بل بقطاعات مختلفة وعلى رأسها التعليم لأن القراءة أولا وقبل كل شيء سلوك حضاري يترسخ عند المرء في السنوات البكر لكي يزهر ويثمر مع تقدم العمر.
***
أضع اللمسات الأخيرة لمشروع مجموعة قصصية جديدة تدخل في نسق مشروع كتابة القصة القصيرة جدا، وقد أصدرت سابقا مجموعتين «ستة وستين كشيفة» و»تفاحة يانعة وسكين صدئة»، وأنا الآن بصدد مجموعة ثالثة وسمتها بعنوان «فقط»، هي مجموعة قصيصات امتدت مسافة كتابتها من 2013 إلى 2016، تجربة ومغامرة إبداعية أراهن عبرها المساهمة في تأصيل هذا الجنس الإبداعي الذي لا يزال يبحث عن موطئ قدم في الساحة الأدبية، وأرى أن القصة القصيرة جدا فن وأدب المستقبل، وتتماشى مع مستجدات العصر ومتطلباته، وكأي جنس جديد يصطف حوله مناصرون ويقف في الطرف الآخر محافظون مناوئون، ولعل قوة الحضور الإبداعي لكل جنس تفرض تواجده وترسيخ نبتته في تربة العطاء والإبداع.
*******
*الشاعر طه عدنان: مبيعات الكتاب الورقي أعلى من مبيعات الكتاب الإلكتروني
أعتقد بأن الأهمّ هو فعل القراءة، سواء عبر النسخة الورقية أو الرقمية من الكتاب. فمن خلال النسخ الإلكترونية التي يسهل تداولها وتخزينها وتصفحّها على مختلف الشاشات يمكنني أن أحدّد أهمية هذا الكتاب أو ذاك، لأقدم على اقتنائه وقراءته ورقيا فيما بعد. خاصة وأنني أميل إلى الكتاب الورقي وأفضله شخصيا على مستوى القراءة. وأكثر ما يؤسفني في الكتاب الرقمي هو التداول المقرصن للكتب، والذي غالبا ما يكون عبر نسخ رديئة، على حساب الحقوق الفنية للمؤلف والناشر معا، بل وعلى حساب جمالية العرض الضرورية لضمان جودة تلقّي العمل الإبداعي.
***
أعتقد أن الكتاب الورقي يصمد بشكل جيد، بدليل ارتفاع مبيعات الكتاب الورقي عبر العالم، مقابل انخفاض مبيعات الكتاب الإلكتروني. وهو ما يعكسه نشاط دور النشر من جهة والإقبال المستمر على أسواق الكتب، بل والمتزايد على معارض الكتاب وطنيا ومحليا، وذلك عبر المعارض الجهوية التي تتيح للناشرين المغاربة فرصة اللقاء المباشر مع القرّاء في مختلف جهات البلاد، وأيضا عربيا عبر المعارض العربية التي تُشدّ لها الرّحال من طرف أصدقاء الكِتاب في مختلف البلدان العربية بل وحتى المهاجر الأوروبية. علاوة على أن الطلب على الكتاب دفع بالبعض إلى إقامة معارض للكتاب بأوروبا مثل معرض الكتاب العربي الأول من نوعه في إسكندنافيا والذي تقام الآن دورته الأولى في مالمو السويدية.
***
سياسة دعم النشر، أظن أنها سياسة جيّدة أعطت دينامية ملحوظة لقطاع النشر على الصعيد الوطني وعزّزت من فرص النشر لدى الكتّاب والمبدعين. لكن يلزم تقييم آليات الدعم بما يجعل الاستفادة غير مقتصرة على الناشر، لعلها تشمل المؤلف والقارئ أيضا. فلحدّ الآن، ما زال الكتّاب والقرّاء يجدون أنفسهم غير مستفيدين كما يجب من هذه السياسة. خاصة في ظلّ جشع وكسل بعض الناشرين الذين يسعون إلى الاستفادة من الدعم ماديا دون أن يجتهدوا في منح الكتاب فرصته على مستوى التوزيع والترويج الإعلامي والنقدي ولا حتى التجاري.
***
آخر إصدار شخصي هو ديوان شعر صدر عن “منشورات المتوسط” بميلانو العام الماضي تحت عنوان “بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني”، كما أشرفتُ على إصدار جماعي عن “منشورات ملتقى الطرق” بالدار البيضاء تحت عنوان “هذه ليست حقيبة”. صدر الكتاب بالعربية الصيف الماضي، فيما صدرت ترجمته الفرنسية هذه السنة خلال المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء. الكتاب عبارة عن سرود معاصرة لسبعة عشر كاتبا بالعربية من المغرب والعراق وسوريا وفلسطين ومصر والسودان يروون حكايات عن إقامتهم تحت سماء بلجيكية خفيضة. كتاب سردي مشترك يروي تمثلات الهجرة في الوجدان الإبداعي العربي.
إعداد: عبد العالي بركات