أجواء العيد…في زمن كورونا

بين سرايا مدينة الدار البيضاء الكبرى تبدأ طقوس عيد الأضحى المبارك قبل أسبوع حيث يفوح نسيمه من بعيد، ولا حديث في هذه الأيام القليلة المتبقية إلا عن العيد ومستلزماته.
ولعل هذه الأجواء يغلب عليها نوع من التوتر والصدمة بسبب تزامنها مع الأزمة التي يعيشها العالم إثر تفشي فيروس “كورونا”. لكن هذا لم يمنع الأسر المغربية من الخروج والتجول بعد إعطاء الحكومة المغربية الضوء الأخضر للمواطنين والسماح لهم بولوج الأسواق من أجل شراء أضحية العيد ومستلزماتها.
إن أول وجهة يتجه إليها أغلب المواطنين قبل حلول يوم العيد بأسبوع هي الأسواق الشعبية لرخص أثمنة المنتجات المعروضة فيها باختلاف أنواعها وأشكالها، في حين يفضل البعض منهم الذهاب إلى الأسواق التجارية الكبرى بلهفة من أجل الانقضاض على العروض والتخفيضات التي توفرها هذه الأسواق في هذه المناسبة.
بيان اليوم جابت هذه الأسواق الشعبية المزدحمة أزقتها بالمواطنين والمليئة شوارعها بالعربات المختلفة… تتعالى أصوات الباعة المتجولين على طول أرصفة شارع أفغانستان بمنطقة الحي الحسني ومحلات تجارية هي الأخرى تفتح أبوابها من جديد أمام الزوار وتعرض مختلف السلع والمنتوجات التي تخص أضحية العيد من أدوات ذبح وسلخ كالسكاكين والسواطير و الفؤوس وغيرها.
أجواء أقل ما يقال عنها أنها ثلج بارد فوق صفيح ساخن بعدما احتجز عدو القرن المغاربة في منازلهم، وانتزع منهم حريتهم. فهذه المناسبة في نظرهم هي تنفس للصعداء و رؤية للحياة الطبيعية من جديد بلهفة و شوق. وهي كذلك فرصة من أجل اقتناء ما يمكن اقتنائه ليوم العيد من مواد غذائية للطبخ، مثل التوابل، و التي يقبل عليها المواطنون بكثرة لتتبيل لحم الأضحية، وتسمى بالعطريةـ و كذلك البصل الذي يستعمل كثيرا في هذه الفترة من أجل تجهيز الأطباق باختلاف أشكالها و أنواعها، و البرقوق الذي لا يمر العيد من دونه. فهو رمز من رموز المطبخ المغربي وجزء لا يتجزأ من فن العيش في المغرب .
كما تقبل الأسر المغربية أيضا على شراء الفحم والمجمرة أي الكانون لشواء القطبان التي تعتبر عادة ضرورية من عادات المغاربة كل سنة.

تجهيزات عيد الأضحى

تتنافس الأسر المغربية، خاصة في المناسبات والأعياد، لإظهار أذواقها في تنسيق وترتيب لوازم هذه المناسبات، حيث تعتبر السيدات مواسم الأعياد فرصة لشراء المستلزمات التي دائما ما يتم تأجيل شرائها، خاصة أن في هذه الفترة تكثر الزيارات العائلية، والدعوات لتناول الطعام وغيره والتباهي بجودة لحم الأضحية،
وبما أن الأضحية هي جزء لا يتجزأ من طقوس هذا العيد، تحرص كل عائلة على شراء السكين أو الساطور المناسب، الذي يستخدم لذبح الأضحية، كذلك فإنه يكثر الإقبال على شراء الشوايات ومعدات الشواء من فحم وبهارات، كون الكثير من الناس يفضلون تناول اللحم المشوي على اللحم المطبوخ.
و تؤكد لنا السيدة رقية (ربة بيت) في تصريح لها لجريدة “بيان اليوم” أن هذه المستلزمات ضرورية ولابد منها وتعتبر من التقاليد المغربية العريقة مثل التوابل من أجل تعطير وتنسيم اللحم المطبوخ و اللحم المقدد و رأس الحانوت لتحضير المروزية التي تستعمل في الطهي.
كما يوزع أغلب المواطنين في هذه المناسبة نصيبا من أضاحيهم للأقارب والمحتاجين، لذلك فإن توفير الميزان والأكياس البلاستيكية المخصصة للحوم هو ضرورة تتطلبها هذه المناسبة ؛ حتى يتمكن رب الأسرة من تقسيم تلك الأضحية وتوزيعها على الفئة المحتاجة بشكل عادل.

الأناقة يوم العيد عادة متوارثة

لا تقتصر البهجة على أيام العيد وحده، بل يبدأ الفرح بالتسلل إلى نفوس الكبار والصغار قبل العيد، فالشباب الذكور منهم والإناث يهرولون مسرعين الى محلات وحوانيت الثياب والأزياء لشراء ما يوافق ذوقهم من ملابس تقليدية وأخرى عصرية. وإن كان ثمنها مرتفعا، فهذا لا يمنعهم من شرائها.
يتحدد ذوقهم الخاص تماشيا مع الموضة الحديثة، وهناك من يريدها فقط أن تكون ملابس محترمة وعادية تليق لهذه المناسبة. فيما يفضل شباب آخرون تأجيل شراء الملابس بعد عيد الأضحى بسبب عدم قدرتهم على الموازنة بين كفتي الأناقة و الأضحية و مستلزماتها في آن واحد، خصوصا أن أثمنة الملابس و الأزياء تتذبذب أحيانا. فهناك من يبيعها بأثمنة منخفضة و مغرية مخافة عدم الإقبال عليها في نهاية السنة و صدور أشكال و أنواع جديدة و مختلفة من الثياب و الملابس قد تعصف بنظيرتها القديمة/ في حين يتشبث تجار آخرون بالأثمنة العادية بل وقد يرفعون سعرها في بعض الأحيان بغية تعويض خساراتهم في هذه الظرفية الصعبة واستغلال هذه المناسبة التي يخرج المواطنون فيها لشراء ما يريدونه و تتحرك عجلة الاقتصاد التجاري من جديد و التي قد لا تتكرر مرة أخرى.

إجراءات السلامة الصحية خلال عملية التسوق

مناسبة عيد الأضحى دفعت بالكثير من المواطنين إلى الخروج والتجول في الأسواق دون وعي وانتباه إلى إجراءات السلامة الصحية واحترام مسافة الأمان وارتداء الكمامات حيث أن هناك فقط فئة قليلة من المواطنين الذين يرتدونها.
صحيح أن “كوفيد 19 ” لم يقف سدا منيعا أمام فرحة العيد. الا أن هذا لا يعني التراخي الكامل، بل وجب، في المقابل، التسلح باليقظة للاحتماء من هذا العدو الميكروسكوبي عن طريق اتباع إجراءات السلامة الصحية اثناء عملية التسوق التي تعرف تجمعات عدة وازدحام في الأزقة
وهذه الإجراءات هي كالتالي:
-ارتداء الكمامة الواقية وتجنب ازالتها في الأماكن العامة والمزدحمة.
-احترام مسافة الأمان بين المتسوقين أو الوافدين على المحلات التجارية.
-اصطحاب المعقم اليدوي من أجل استعماله بعد لمس السلع والمنتجات.
الاعتماد على ملصقات توعوية في المحلات التجارية من طرف التجار من أجل تذكير الزبناء بإجراءات الوقاية من الفيروس وتعقيم وغسل جميع المشتريات التي تم اقتنائها من السوق
وفي سياق هذه الإجراءات يؤكد لنا السيد حسن (50سنة) صاحب محل صغير لبيع الملابس الرجالية أنه و للأسف لا يتم احترام هذه الإجراءات أثناء تسوق المواطنين بل يتدافعون ويتهافتون على السلع دون التفكير في عواقب هذه السلوكيات التي قد تجلب الأذى والضرر لهم و لعائلاتهم بسبب قلة الوعي و التراخي و الاستهانة بهذا الفيروس الذي يحصد الأخضر و اليابس.
كما يشير السيد حسن إلى أن سلوك المواطنين في التسوق دليل على عدم الوعي رغم الجهود المبذولة من طرف الحكومة في تحسيس و توعية المواطنين مرارا و تكرارا عبر فيديوهات تبث على شكل إعلانات تلفزيونية و التي من المؤكد أنه تمت رؤيتها من طرف المواطنين بشكل مستمر خلال فترة الحجر الصحي لكنها و للأسف لم تجدي نفعا و لم تجد أذانا صاغية مشيرا إلى أن هذه السلوكيات الغير مقبولة قد نجني من ورائها المصائب و نعود من حيث بدأنا من نقطة الصفر حسب قوله

مهنة “فندق الخروف” الموسمية

أما بالنسبة لأصحاب فنادق الخروف فقد تم منعهم من مزاولة نشاطهم الموسمي من طرف السلطات المحلية وذلك تطبيقا لإجراءات السلامة الصحية خلال هذه الفترة العصيبة التي يعيشها بلدنا إثر تفشي فيروس (كوفيد-19) مما خلف استياء كبيرا في صفوف هؤلاء الباعة الشباب الذين عبروا عن رفضهم لهذا القرار الغير المبرر على حد تعبيرهم.
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية لم تصدر أي بلاغ يقضي بمنع هذه الفنادق العشوائية فانه واقعيا لم يسمح بنصبها و يتجول أعوان السلطة بين الأحياء من أجل المراقبة فهناك من ينصبها و هناك من يتم منعه من ذلك.
في حين ستوفر المجازر الجماعية لمدينة الدار البيضاء خدمة إيواء الأضاحي بإسطبلات مهيئة لهذا الغرض يومين قبل عيد الأضحى والذي تحدد ثمنها في 24 درهما لليلة الواحدة، مع احتساب الرسوم، إضافة إلى خدمة ذبح الأضحية والذي تحدد ثمنها في 240 درهما مع احتساب الرسوم، كما جاء في بلاغ شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للخدمات على موقعها الرسمي.

وفي هذا السياق يحدثنا الشاب أيمن (24 سنة) العاطل عن العمل لمدة أربعة سنوات متتالية، والذي أكد أنه، طيلة هذه المدة، جعل من المهن الموسمية ملاذا له، ومن بينها “تنظيم فندق الخروف” الذي يجني من خلاله بعض الأموال التي تكفيه لبضعة أيام أو أسابيع محدودة إلى حين اقتراب نشاط أو ومهنة موسمية أخرى تنقذه من مقصلة الفقر ومن شبح البطالة. كما يؤكد لنا أيضا أن منع فنادق الخروف حرم الكثير من الأسر المغربية من شراء أضحية العيد مما قد يزيد الطين بلة على حد قوله.

فرحة العيد…رغما عن “كوفيد 19”

تعيش البلاد، إثر تفشي فيروس كورونا، أزمات خانقة، خاصة الاقتصادية منها، و التي زعزعت حسابات الموظفين و العاملين، سواء فاقدي العمل بشكل قطعي أو المخصوم من راتبهم الشهري.
إلا أن العيد أبى أن ينحني أمام سلطة كورونا، ويظل، على غرار السنوات الماضية، صامدا، بنفس الأجواء و الطقوس. لذلك كان الاستعداد هذه السنة كالسنوات التي خلت. نفس الهمة و البريق، ونفس التشبث بالعادات والتقاليد تدفع المغاربة إلى بذل قصارى جهدهم وتقديم الغالي و النفيس في سبيل هذه المناسبة الدينية السنوية من أجل سعادتهم وسعادة أطفالهم.

< رضا اد لقاضي (صحافي متدرب)

Related posts

Top