أحمد بوكوس*: جلالة الملك رسخ خلال عهده التعددية التي تسم هويتنا الثقافية

شهد المغرب خلال العهد الجديد مسارا رائدا في إقرار الحقوق اللغوية والثقافية، حيث شكل خطاب جلالة الملك محمد السادس بأجدير سنة 2001، التقعيد الحقيقي للتنوع اللغوي والثقافي الذي يتميز به المغرب، بمأسسة إدماج اللغة الأمازيغية في الحياة العامة، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة رسمية للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغية، ليتوج هذا المسار بخطوة جبارة أرسى لها أسمى قانون في البلاد، ممثلا في دستور 2011، الذي أعاد الاعتبار للأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية حيث نص على اعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية بجانب اللغة العربية.
وفي هذا السياق، قال أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، إنه “من السمات المأثورة للعهد المحمدي الجديد توجيه جلالة الملك، للأمة خطابه السامي لعيد العرش، يوم 30 يوليوز 2001، ضمنه قراره السديد بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتحديد مهامّه، وقد حظيت هذه المؤسسة بالرعاية المولوية السامية لجلالته، الذي خوّلها استقلالية مالية وإدارية. ولقد أبرز جلالة الملك الطابع التعددي للهوية الوطنية من حيث إنها “بنيت على روافد متنوعة، أمازيغية وعربية، وصحراوية إفريقية وأندلسية”.


وأضاف العميد أحمد بوكوس، في تصريح لجريدة بيان اليوم ، أن “جلالة الملك أبى إلا أن يعيد التأكيد على رسوخ الاقتناع بهذه التعددية التي تسم هويتنا الثقافية، وذلك في خطابه السامي بأجدير، في السابع عشر من أكتوبر 2001، الذي بمناسبته وضع جلالته طابعه الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بمحضر سائر مكونات الأمة. كما أتى خطاب جلالته في التاسع من مارس 2011 ليعزز مكان الصدارة التاريخي الذي تتبوؤه الثقافة الأمازيغية في سيرورة تشكيل الهوية الوطنية، ويدعو إلى ترسيمها في مشروع الدستور الذي تم التصويت عليه في استحقاقات فاتح يوليوز 2011، والذي يتضمن الإقرار بوضع الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية.
وأفاد الدكتور بوكوس أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إذ يتعزز بالتوجيهات الملكية الحصيفة وبمرجعيات جلالته الوازنة، فقد ساهم في النهوض بالأمازيغية في مجالات إستراتيجية عدة، وخاصة منها التربية، والبحث العملي والإعلام، والشراكة مع المؤسسات ذات الأهداف المماثلة وجمعيات المجتمع المدني العاملة في حقل النهوض بالثقافة الأمازيغية.
وأوضح في هذا الإطار، على أنه في مجال التربية والتعليم، تم منذ سنة 2003 – 2004، انطلاق مسلسل إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتعليم، بالسلك الابتدائي، ثم بالتعليم العالي، فالتكوين المستمر بمعاهد تكوين الأطر. وقد تجلّت آفاق جديدة لتعميم تدريس الأمازيغية من خلال القوانين التنظيميّة المنصوص عليها في دستور المملكة، وكذا في النصوص المرجعية التي تؤطّر السياسة التربوية.
وغني عن البيان، يؤكد المتحدث ذاته، أن موافقة جلالة الملك على مشروع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية باعتماد حرف تيفناغ كان بمثابة القول الفصل لتَبنِّي ذات الخيار من قبَل برلمان الأمّة. وفي مجال الإعلام، تم تعزيز مكانة الأمازيغية بإنشاء القناة الثامنة في يناير 2010. ولهذا المنبر الإعلامي إسهامٌ مهمّ في التربية والتثقيف والترفيه لفائدة المواطن الناطق بالأمازيغية، من خلال إدماجه الأمثَل في المجموعة الوطنية بواسطة لغته الأم وثقافته الأصلية. كما تمّ الدفع بقطب الإعلام الناطق بالأمازيغية عبر تطوير القنوات الإذاعية العمومية والخاصة.
وشدد عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على أن الخطب السامية لجلالة الملك، وتوجيهاته النيّرة ومساندته الدائمة، هي لَمِنَ الدعامات الرئيسة للسياسة الثقافية واللغوية الجديدة التي يشهدها المغرب في ظل العهد الجديد، قائلا: “وتلك سياسة منبثقة عن حس استراتيجي يجعل من الاعتراف بمجموع الإرث الثقافي واللغوي شرطا أساسيا للوحدة الوطنية، من خلال ترسيخ هويته وتعزيزها، ومن خلال إقرار الحقوق الثقافية واللغوية للشعب المغربي.”
وأبرز المتحدث أنه على الصعيد الوطني، كان لهذا الإقرار فضل كبير على ما طال الثقافة المغربية، بسائر تعبيراتها، من تنمية وازدهار، وعلى الصعيد الدولي، فإن الاعتراف الدستوري بتعدد التعابير الثقافية واللغوية وتنوعها، قد بوّأ المغرب مكانة متميزة في مصاف الأمم، باعتبار ذلك مؤشرا دالا على وزن التطور الديمقراطي، ونبراسا حاسما لحماية منظومة حقوق الإنسان كاملة وغير مجزأة، وعربونا على أن الثقافة المغربية، قائمة على مبادئ التضامن، والعيش المشترك في بحبوحة من التماسك الاجتماعي واحترام الاختلاف في ظل الوحدة.

* عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

فنن العفاني

Related posts

Top