الأحزاب ليست كلها غائبة…

سجل مراقبون استمرار بعض الأحزاب الوطنية في حضورها التواصلي مع الرأي العام الوطني، واصطفافها في عمق انشغال المغرب والمغاربة، وفي المقابل جرى التساؤل عن دور كائنات حزبية عديدة أخرى متواجدة في السجلات الإدارية، لكن في ظرفية صعبة مثل هذه غابت ولم يعد أحد يسمع عنها شيئا.

وهذا المعطى يجب فعلا تسجيله والوقوف عنده واستخراج ما يلزم من دروس منه للمستقبل.

ليس منة أو إعلاء للذات ونرجسيتها، ولكن الموضوعية تفرض اليوم أن نسجل أن حزب التقدم والاشتراكية منذ الأيام الأولى لأزمة “كورونا- كوفيد-19″، حرص على الاستمرار في حضوره السياسي والتواصلي، وواصل عقد الاجتماعات الأسبوعية لمكتبه السياسي عن بعد، ويصدر عقبها بلاغات للرأي العام الوطني.

التقدم والاشتراكية، ومن موقعه الحالي في المعارضة، اعتبر نفسه معنيا بشكل يومي بما تعانيه بلادنا، وواصل صياغة المواقف والاقتراحات والتعبير عنها، كما انخرط في دينامية التعريف بما تتخذه الحكومة من إجراءات ومبادرات لمواجهة الأزمة الصحية، وأيضا متابعة تنفيذها، وحث المواطنات والمواطنين على الالتزام الصارم بمقتضيات حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي في البيوت.

لقد انخرط حزب التقدم والاشتراكية أيضا في مبادرات  تواصلية وترافعية وتحسيسية بمعية قوى وطنية أخرى ممثلة في البرلمان، أو من خلال تنظيماته الموازية الشبابية والنسائية والقطاعية والمهنية، كما قام بمبادرات ذاتية، إما من طرف الأمين العام والمكتب السياسي، أو من خلال فروع الحزب وهياكله الترابية والقطاعية في مختلف جهات المملكة.

وآخر هذه المبادرات جسدها نداء الأمين العام الموجه إلى كل مناضلات ومناضلي الحزب.

في السياق نفسه، ينخرط أعضاء الحزب من مهنيي قطاع الصحة، من مختلف مواقع عملهم، في مبادرات إسعافية وطبية واجتماعية وتوعوية في مناطق مختلفة، ويضعون أنفسهم رهن إشارة مصالح وزارة الصحة والسلطات العمومية لتقديم كل المساعدات الطبية واللوجيستيكية، كما يخوض مناضلون آخرون في أقاليم تواجدهم مبادرات اجتماعية وتضامنية متعددة، وجميع هذه الأعمال والمبادرات يقوم بها المناضلون وسط السكان وبمعيتهم، انطلاقا من علاقاتهم الإنسانية وقناعاتهم المبدئية، وذلك، على غرار باقي المواطنات والمواطنين في سلوكهم اليومي، ولا يتباهون بها، لكون الأمر يتعلق بواجب يفترض أن يقوم به الجميع وعلى مدار الساعة هذه الأيام.

إن أعضاء الحزب، أو مناضلو الأحزاب الجادة بشكل عام، ليسوا كائنات مختلفة عن البشر، حتى يتعمد البعض توجيه اتهاماته إليهم، كما لو أنهم يمتلكون قوة ليست لدى الآخرين، أو أن يمتطي ظهر”كورونا” ويشرع في سلخهم، كما لو أنهم وراء هذا الوباء حتى.

المغرب في هذه الظرفية الصحية والمجتمعية الصعبة، في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، ليرسخ القناعة بضرورة تطوير ممارستنا الحزبية والديمقراطية الوطنية، وبالحاجة إلى تقوية تعدديتنا السياسية والنقابية والإعلامية، ذلك أن الأحزاب الحقيقية ذات التاريخ والمصداقية، وأيضا النقابات والجمعيات والصحافة الوطنية، هي القادرة على تمتين ثقة الشعب في إجراءات وبرامج السلطات العمومية، وأن تلعب دور الوساطة الناجعة، وأن تكرس الثقة والاستقرار وسط المجتمع.

من يستغل اليوم الأزمة ليجدد استهدافه القديم للأحزاب بإطلاقية فجة ومن دون أي تمييز، هو يلعب بالنار ويتموقع ضد مصلحة هذه البلاد ومستقبلها.

من المؤكد فعلا، أن الكيانات المصطنعة التي جرى النفخ فيها في السنوات الأخيرة ووضعها في مواقع الصدارة عسفا، أبانت اليوم عن العقم وعن… العدم، لكن هذا كان الكثيرون يقولونه منذ زمان، وأن تجمعات حزبية مصطنعة أخرى لا تمتلك مذ كانت أي رؤية أو قناعة، وكل هذا صحيح ويقتنع به الكل، والمغرب أساسا لا يستفيد منها أي شيء، ولكن الشعب المغربي أنجب، في المقابل، وعبر التاريخ، قواه الوطنية الحقيقية الممتلكة للتاريخ والمصداقية والرؤية والأفق، وهي موجودة وتقوم بدورها، و”ولاد عبد الواحد ليسوا كلهم واحد”، عكس القول المأثور.

إن دور الأحزاب الحقيقية اليوم هو أن تتواصل مع المغاربة، وأن تساهم في التوعية والتحسيس، وأن تحث شعبنا على الالتزام بالحجر الصحي وشروط الوقاية والتعاون مع السلطات لتجاوز هذه المحنة الصحية والمجتمعية، ودورها أيضا هو أن تراقب تنفيذ البرامج الحكومية على أرض الواقع وأن تقدم اقتراحات التطوير والتحسين، وأن تنبه إلى الأخطاء وتجليات القصور، وأن تعبر عن رؤية واضحة لكي تحافظ بلادنا على تضامنها الوطني واستقرارها المجتمعي وحياتها السياسية والمؤسساتية، وأن لا تدع هذه الأزمة تؤثر على السير العادي للبلاد، أو أن تؤدي إلى أي انفلات أو تجاوز أو تراجع عن المكتسبات السياسية والحقوقية والديمقراطية.

ومن يريد اليوم بواسطة “التشيار” الأعمى، أن يحمل الأحزاب وزر أي مشكلة، فالوقت ليس الوقت، والظرفية لا تتحمل كثير عمى في الرؤية أو بلادة في التحليل.

لما يتجاوز بلدنا وشعبنا هذه الأزمة، حينها يمكن أن نعيد التأكيد على كلام سابق، وهو رفض تبخيس دور الأحزاب الجادة والعمل السياسي، وضرورة تطوير حقلنا الحزبي والسياسي واحترام استقلاليته، ومن ثم صياغة نموذج تنموي يقوم على الديمقراطية والتعددية والانفتاح والحرية.

هذا الكلام سيحين زمنه بعد أن نساهم كلنا في مساندة وطننا ليعبر هذه الأزمة.

أما الآن، فمهمتنا كلنا هي إنجاح بقاء شعبنا في البيوت واحترام أحكام حالة الطوارئ الصحية، وأن تلتزم أبواق الاستهداف و”التشيار” الطائش، بالحجر أيضا، وأن تغلق أفواهها وتركز على مصير البلاد 

محتات الرقاص

Related posts

Top