الأعمال الكاملة وسلسلة الكتاب الأول

كانت وزارة الثقافة المغربية قبل عقدين على الأقل قد وضعت مجموعة من البرامج للنهوض بالقطاع، وقد تم اعتبار ذلك من بين المكتسبات الهامة وغير المسبوقة التي لا ينبغي التراجع عنها.
فعلى مستوى النشر، وهذا ما يهمنا في هذه الورقة، كان قد تقرر العمل على إصدار الأعمال الكاملة للأدباء المغاربة الذين يمثلون الريادة بالخصوص: خناثة بنونة، محمد السرغيني، أحمد عبد السلام البقالي وغيرهم..
كما تقرر إنشاء سلسلة الكتاب الأول: رواية، مجموعة قصصية، مسرحية.. تهم من لم يسبق لهم أن طبعوا أي كتاب، مع احترام بطبيعة الحال شروط النشر.
وبالفعل تحقق تراكم على مستوى البرنامجين معا، وساهم ذلك في إغناء المكتبة المغربية وتعزيز الإشعاع الثقافي.
غير أنه خلال السنوات الأخيرة، حدث نوع من الفتور وتقلص الاهتمام بالنشر، وهم ذلك البرنامجين السالفي الذكر، بعدما كانت لهما ميزانية سنوية قارة ولجنة مشرفة نشيطة، ومع مرور الزمن، تلاشى التفكير في الحفاظ على هذه المكتسبات، وواصلت الوزارة نشاطها الروتيني، كأن شيئا لم يقع.
كيف يعقل أن يتم التخلي عن مشروعي الأعمال الكاملة وسلسلة الكتاب الأول رغم الأهمية التي يكتسيانها؟
من المؤكد أن ذلك لا يرجع إلى غياب الملفات المرشحة، ففيما يخص الأعمال الكاملة، هناك العديد من الأدباء الرواد الذين لا يزالون لم يحظوا بطبع إنتاجهم على هذا الصعيد، وهناك أدباء وافتهم المنية، يستحقون الاستفادة من هذا البرنامج، علما بأن إنتاجات هؤلاء وأولئك قد نفدت منذ فترة طويلة وليس لدى الأجيال الحالية علم بها.
وبالنسبة لسلسلة الكتاب الأول، فهناك عدد لا حصر له من الكتاب الذين راكموا نصوصا في مختلف الأجناس التعبيرية دون أن يتسنى لهم جمعها وإصدارها بين دفتي كتاب.
في حدود علمي، لم تصدر الوزارة بيانا توضح فيه دواعي وأسباب توقفها عن دعم هذين المشروعين، كما أنه لا أحد تقريبا من أفراد مجتمعنا استنكر قرار التخلي عنهما، ومن جهتها، فإن الجمعيات الثقافية لم تصدر أي بلاغ للتنديد بتراجع وزارة الثقافة عن جانب مهم من برامجها الثقافية.
طبع كتاب ليس عبارة عن إهدار للمال، بل يكتسي أهمية على مستوى تكريس الإشعاع الثقافي والحضاري، ففي نهاية المطاف، نحن لا نعيش بالخبز وحده.
من المفروض إذن في وزارة الثقافة أن تتمسك بالمشاريع المتعلقة بالنشر، وتعمل على بلورتها.
صحيح، هناك تحولات طرأت على مستوى تلقي المنتوج الفكري والإبداعي، خاصة في ظل انتشار التكنولوجية الرقمية وسهولة استخدامها، وفي الطريق هناك عالم جديد في التواصل يطلق عليه ميتافيرس، وتم تعميق هذه الأزمة مع فرض حالة الطوارئ الصحية على إثر اجتياح الوباء.
صارت الإنتاجات الأدبية والفكرية الجديدة تظهر على الصفحات الالكترونية ولم يعد أصحابها يعبؤون بفكرة إصدارها في كتب ورقية، سيما مع تحقق غاية الانتشار على نطاق أوسع.
هل كل هذه العوامل تعد مبررا لكي تتخلى وزارة الثقافة عن برامجها المتعلقة بالنشر: الأعمال الكاملة، سلسلة الكتاب الأول..؟ بالتأكيد لا، نظرا لأن ذلك يعتبر من صميم اختصاصاتها، بكل بساطة.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top