الاعتماد على النفس سر التنشئة السليمة

يعتقد بعض الآباء أن الدخول في تفاصيل حياة أطفالهم كافة يندرج تحت بند التربية السليمة، إلا أن ذلك ربما يكون سبب إصابة الصغار لاحقا بالأزمات النفسية وفقدان الثقة في النفس، نظرا لأن تلك الطرق التربوية لا تسمح للطفل بأن يكون مستعدا لاختبارات الحياة المفاجئة، لذا سنوضح هنا الفوائد النفسية وراء عدم تضييق الخناق على الابن والابنة، في ظل اعتماد الطفل على نفسه.
تعتبر مرحلة الحبو هي الدليل الأبرز على أهمية اعتماد الطفل على نفسه منذ البداية، حيث يساعده ذلك على التطور عبر إدراك كيفية تنظيم عمل أطراف الجسم مع المخ، بل ويحسن من مهاراته الذهنية، الأمر الذي يتطلب عدم الحد من حركة الأطفال الصغار، في ظل توفير عناصر الأمان لهم، والتأكد من أن تطبيق الأمر نفسه في أغلب مهام الحياة فيما بعد هو الطريق الأمثل للتربية السليمة.
اعتماد الطفل على نفسه في مواجهة المشكلات المختلفة، قد يبدو مأساويا في نظر بعض الآباء الذين يرغبون في مساعدة أطفالهم فورا، إلا أن مواجهة تلك العقبات تساعدهم في الواقع على اتخاذ القرارات والتطوير من طرق التفكير في وقت مبكر، ما قد يؤدي لوقوع الطفل في الأخطاء أحيانا، وهو أمر طبيعي في ظل تعلم الأطفال الصغار من التجارب الناجحة والفاشلة على حد سواء.
يحتاج الطفل إلى تعلم إظهار السلوك المناسب لسنه وللموقف الذي يمر به، فبينما يعد البكاء من ردود الفعل الطبيعية بالنسبة للأطفال في عامهم الأول، فإن الأطفال الأكبر سنا يجب أن يظهروا ردود فعل مختلفة، ما يمكن تعلمه في ظل اعتماد الطفل على نفسه، مع الحصول على تحفيز الآباء بشأن اختيار رد الفعل المناسب وعدم حثه على عدم البكاء بصورة انفعالية.
وتعتبر مساعدة الأطفال في حل الواجبات الدراسية الصعبة من السلوكيات التي قد تضر أكثر مما تفيد، فالواجب المدرسي الذي يحتوي على توجيهات الآباء لن يجعل الأطفال أكثر ذكاء، بل يمكن للدرجات المحبطة في الاختبارات الدراسية أن تكون وسيلة اكتشاف أزمة ما لدى الطفل لتصبح السبب وراء تحسين مستواه فيما بعد، علما بأن سوء درجات الطفل تعطيه نظرة مختلفة للأمور، عندما يدرك أن الحياة لا تتوقف عند حدوث الأزمات.
ربما يبدو إبداء تعاطف زائد من قبل الأب أو الأم مع الطفل الصغير، سواء عند خسارته في رياضة ما أو عند حصوله على درجات سيئة في الاختبارات المدرسية، من الخيارات الصائبة في نظر الكثيرين، إلا أن الأهم من ذلك هو أن يقنع الآباء صغارهم بأن المشكلات تحدث باستمرار، وأن الحل يبقى دائما في كيفية التأقلم معها بهدوء ودون انفعال، لذا يصبح عدم البكاء بصحبة الطفل على ما حدث، وترك الفرصة له من أجل الاعتماد على نفسه لتعويض الخسارة، هو العلاج الأمثل للأزمات التي تواجهه.
القيام بكل مهام الأطفال والإشراف على تحركاتهم كافة في كل لحظة، لن يترك لهم الفرصة من أجل طلب المساعدة لأنها تأتي على الأغلب بصورة تلقائية، ما يتطلب اعتماد الطفل على نفسه في أغلب مهامه الحياتية، حتى يدرك التوقيت والكيفية التي تمكنه من طلب المساعدة، التي يجب أن تأتيه في تلك الحالة، ليشعر حينها بالأمان المطلوب.
في الختام، يحتاج الأطفال الصغار إلى تعلم الاعتماد على النفس في وقت مبكر على عكس اعتقاد الكثيرين، ما لا يعني ضرورة ترك الأمور كافة في أيديهم، بل ينصح فقط بإشراف الآباء على ما يقومون به من حين لآخر مع التأكد من سير أمورهم في أمان.

Related posts

Top