الانتقام بين الأزواج يكرس قسوة الأبناء ضد الآباء بعد الطلاق

أحدثت واقعة إساءة طفل لوالده بصورة قاسية في أثناء يوم الرؤية الذي يلتقيان فيه بسبب انفصاله عن والدته، صدمة واسعة في بعض الأوساط الأسرية، ما فتح الباب للحديث مجددا عن قضية عقوق الأطفال تجاه الآباء بعد الطلاق، والأسباب التي تدفع الابن الصغير للتعامل مع والده بطريقة حادة.

أظهر مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا، أن الطفل يطلب من والده مبالغ مالية نظير أن يقول له “بحبك” أو مقابل أن يحتضنه، وعندما حاول الأب أن يضع يده على كتف ابنه تعامل الصغير معه بقسوة، معربا عن كراهيته الشديدة له.

حاول الأب إقناع ابنه بأن العلاقة بينهما لا يجب أن تكون قائمة على النواحي المالية فقط، لم يستجب الصغير واستمر في معاملة والده بطريقة عكست بغضه له، وأعرب عن عدم رغبته في رؤيته أو لقائه مرة ثانية، أو أيّ من أقارب الأب بعد ذلك.

وحظيت الواقعة باهتمام واسع من أرباب الأسر والمتخصصين في العلاقات الأسرية، لأنها تدق ناقوس الخطر حول علاقة الآباء بأبنائهم بعد انهيار الحياة الزوجية، وإمكانية أن يتسبب ذلك في كراهية الأبناء لآبائهم طيلة الحياة.

وتسود مفاهيم خاطئة بين الأبوين بعد وصول العلاقة للانفصال الرسمي، حيث تختل لدى كلاهما أسس التربية والتقارب مع الأبناء، وهناك آباء يعتقدون أن دورهم يقتصر على توفير العائد المادي، والأم هي المسؤولة كليا عن التربية والرعاية والاهتمام.

وأحيانا يتم اتهام الأم بأنها سبب جحود الأبناء وقسوتهم على الآباء بعد الطلاق، وتسعى جاهدة إلى شحن الأطفال بأفكار سلبية، في محاولة لوصول العلاقة بين الطرفين حد الكراهية، كنوع من الانتقام، وهي حلقة متكررة بعد الانفصال الرسمي.

ولا يزال استغلال الأزواج بعد الطلاق لأبنائهم أداة للانتقام ظاهرة واضحة، ونادرا ما يكون هناك انفصال حضاري يتفق فيه الطرفان على كيفية رعاية الأبناء والتضحية بكل شيء من أجلهم كي لا يتأثروا بتبعات الانفصال نفسيا وسلوكيا واجتماعيا.

ويتجاهل بعض الآباء عقب الانفصال عن الزوجات ما يتعلق بالدعم العاطفي للأبناء، ويعتقدون خطأ أن الحياة عبارة عن توفير أموال وطعام وشراب ومسكن، وهنا يكون الأب بالنسبة للصغير مجرد خزينة، في حين تقوم الأم بالدور العاطفي والرعاية.

ويعتقد متابعون لعقوق الأبناء ضد الآباء في مصر بعد انهيار العلاقة الأسرية أن الرجل يتحمل وحده فاتورة تدهور صلة الرحم مع أولاده، لأنه في كثير من الأحيان يهمل احتياجاتهم العاطفية والمعنوية، ولا يستمع إليهم أو يتقرب منهم، ولا يشاركهم معاناتهم وهمومهم، ومن الطبيعي أن يواجه بقسوة وربما كراهية من جانب الأبناء.

وتشير هذه الأصوات إلى أنه حتى لو كانت الأم سببا في شحن الأبناء ضد الأب بعد الانفصال ومحاولة إبعادهم عنه وتغذيتهم بأفكار سوداوية تجاهه، فهو يتحمل جزءا من المسؤولية فلو كان يبادلهم الاهتمام والرعاية ولو عن بعد لما نجحت الأم في ذلك.

وإذا كان هناك رجال ضحايا لتحريض الأم للأبناء وحثهم على قطيعة الأب، فالمشكلة تكون أكثر تعقيدا عندما يتعمد بعض الآباء شحن الصغار ضد الأم ودعوتهم إلى عدم الانصياع لها، ورفض تنفيذ أوامرها في المنزل وتذكيرهم بصفاتها السيئة التي تسببت في انهيار العلاقة.

وأقرت شيماء فاروق، وهي أم مصرية لطفل يبلغ من العمر 6 سنوات، بأنها ترجمت مرارة طلاقها من زوجها وشعورها بالظلم والقسوة بتحريض طفلها ضد والده، والتعامل معه بأسلوب بالغ السوء في يوم الرؤية، بعدما شعرت أن ذلك سيرد لها كرامتها الضائعة.

وقالت الأم  إن زوجها السابق كان دائم البطش بها ومطاردتها والتحدث عنها بشكل سيء، فاستغلت حضانتها للابن بدفعه نحو بُغضه، رغم إدراكها خطورة ذلك على الحالة النفسية للطفل مستقبلا، وزعمت أن شريكها لم يترك لها بدائل لرد اعتبارها.

وتحققت رغبة شيماء وصار الابن أكثر عداء مع والده، فأحيانا لا يرد على اتصالاته، ولا يرغب في رؤيته والتحدث معه، وإذا التقاه يوم الرؤية يُشعره بأنه ليس سعيدا، حتى أصبح بالفعل كارها للأب، لكن شريكها السابق ضاعف من أدواته الانتقامية ضدها على هذا التصرف.

ويؤكد متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن أسوأ شيء يمكن حدوثه بعد انهيار العلاقة الزوجية ألا يتفق الطرفان على الفصل بين خلافاتهما بطريقة تمنع إلحاق الضرر بأولادهما، والسيطرة على مشاعرهما بأسلوب معاملة يضمن للصغار الشعور بالأمان والاحتواء والعلاقة الإيجابية بالأبوين.

ويشير هؤلاء إلى أن تعمد الأم في بعض الأحيان إخفاء الجزء الأكبر من الأسباب الحقيقية للانفصال، ورفض التحدث للأبناء بحيادية عن والدهم واتهامه دائما بأنه السبب في تدمير حياتهم يمهد الطريق إلى كسر صورة الأب في أعينهم، ما ينعكس على حالتهم النفسية ويصعّب عليهم التعايش بشكل طبيعي مع كل المحيطين.

تعمد الأم إخفاء الجزء الأكبر من الأسباب الحقيقية للانفصال، ورفض التحدث للأبناء بحيادية عن والدهم واتهامه دائما بأنه السبب في تدمير حياتهم يمهد الطريق إلى كسر صورة الأب في أعينهم

وقال محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة إن الأب حتى لو كان إيجابيا مع أولاده بعد الطلاق، يعامل الأم بسلبية وظلم وقسوة، وذلك ينعكس على علاقته بهم، لأنهم يجدون أنفسهم واقعين تحت سطوة المرارة التي تتجرعها والدتهم، وبالتالي تصبح صورة الأب مشوهة في نظرهم، وهنا قد تتولد الكراهية تجاهه.

وأضاف أن إحساس أي ابن بأن أصدقاءه وزملاءه يتعايشون بشكل طبيعي داخل أسرة مستقرة مقابل أنه يعاني فقدان الأب والعائلة المتماسكة يجعله يصب غضبه تجاه والده مقابل التعاطف مع الأم، وتزداد قسوة الأبناء تجاه الآباء عندما يكون وجودهم على قيد الحياة بلا قيمة تُذكر.

ويقود ذلك إلى حتمية اقتناع الأبوين بأن مسؤوليتهما لا تنتهي تجاه الأبناء على مستوى التربية السليمة والرعاية والاهتمام حتى بعد الطلاق، لأن تعمد أحدهما تشويه صورة الآخر أمام الأولاد يؤثر عليهما وعلاقتهما مع الطرف المحرض ولو بعد حين.

ولفت الخبير المصري إلى أن الطرف الذي يحرض الأبناء على كراهية الآخر، سيتعرض للعقوق في المستقبل، وعلى الزوجين أن يحسنا طريقة إنهاء العلاقة بشكل متحضر ليقوم كل طرف بعد الانفصال بواجباته تجاه أولاده بناء على اتفاق مسبق يكرس لعدم تأثر أي طرف.

وترى الكثير من الأصوات أن غياب التربية المشتركة للأبناء بين المطلقين يؤسس لشبه قطيعة بين الآباء والأبناء، ولا بديل عن استبدال الرؤية بالاستضافة لتحصين الأطفال من تبعات هدم الأسرة وعدم تحميلهم فاتورة إنهاء العلاقة الزوجية وتجنب دفعهم نحو الجحود وقسوة القلب.

ومن الصعب على الأبناء التعايش بشكل طبيعي في ظل ظروف مغايرة لتلك التي اعتادوا عليها حين كان الأبوان يعيشان معا، وحرمان الأب من أولاده أو العكس، لا يجعل الصغار أسوياء مع غيابه، ما ينتج عنه مخاطر قطيعة ممتدة بين الابن ووالده.

ويرى الداعمون للفكرة أن استضافة الأب غير الحاضن لأبنائه تعيد التوازن لعلاقة الزوجين بعد الطلاق وتساعد في ترميم العلاقة بين الأب والأم، وتجعل تربية الأبناء مشتركة بينهما ولو عن بُعد.

Related posts

Top