التمييز بين الأبناء يولد لديهم مشاعر الكره والحقد

يؤكد علماء النفس على أهمية الترابط والتقارب بين الإخوة مشيرين إلى أن كسر علاقة الأخوة أو تشويهها أقوى وأكثر مرارة من كسر علاقات الصداقة. وينصحون الآباء بتجنّب التفرقة بين الأبناء لأنها تولّد في نفسية الطفل الحقد والكراهية، وتكون بمثابة جرس إنذار لما يمكن أن يحدث من صراعات بين الإخوة في المستقبل.
يؤدي أسلوب التفرقة بين الإخوة إلى تنمية مشاعر الكره بينهم، وقد تنقلب هذه المشاعر في بعض الأحيان إلى حقد يلازمهم طالما ظلوا يتعايشون معا في بيت واحد، أو ربما قد تظل في نفوسهم حتى وإن كبروا وابتعدوا عن بعضهم.
ورغم أن الآباء لا يميزون عنوة بين ابن وآخر، إلا أن الأسلوب الذي يتبعه أحد الأبناء في تعامله معهم أو مع المحيطين به قد يؤثر لاشعوريا عليهم، فيجعله مقربا ومحببا إليهم أكثر من إخوته ما يدفعهم إلى ملاطفته أو الإغداق عليه بالشكر، وهو ما يولد الغيرة لدى إخوته فيكيدون له.
وبيّن المختصون في علم النفس، أن من أكثر الأخطاء التي يقوم بها الآباء هي فكرة المقارنة بين الأخوين؛ لأنها تقلل من قيمة الأول وتزرع فيه الحقد نحو الثاني، فيشعر أنه عاجز وينشأ شخصا غير قادر على مواجهة الحياة ويتمنى أن يحدث لأخيه سوء وقد يسعى إلى أن يلحق به الأذى فيسرق مثلا حتى ينال العقوبة.
وقالوا إن “الأَولى أن يثير الآباء المحبة في نفوس أطفالهم وأن يشعروهم بأنهم شخصيات قائمة بذاتها وأنهم معززون مبجّلون من أجل أن يرتقوا ويقارنوا أنفسهم بذواتهم وليس بالآخرين”.
كما أكد اختصاصيون في الطب النفسي على أهمية الترابط والتقارب بين الإخوة من ذلك القرب المكاني والجسدي والفكري، مشيرا إلى أن كثيرا من حالات الأخوة تتعرض إلى مشاكل النزاع في وقت مبكر، لكن الخطورة تكمن في حال امتدت إلى وقت طويل.
وذهب الاختصاصيون إلى أن كسر علاقة الأخوة أو تشويهها أقوى وأكثر مرارة من كسر علاقة الصداقة، مبينا أن التفرقة تؤدي إلى الجفاء والفجوة بين الإخوة.
بدوره أكد الدكتور حسين خزاعي، اختصاصي علم الاجتماع، أن التمييز بين الأولاد بشكل كبير وواضح يولد مشاعر الحقد والأنانية والنقمة على الأهل من جانب، وعلى الأخ المفضل لدى الأهل من جانب آخر.
وأشار إلى أن الأصل في التنشئة الاجتماعية أن تكون مبنية على الحب والمساواة، وغير ذلك سيؤثر سلبا على الأسرة، وبالتالي على ترابط المجتمع المحلي لوجود الكراهية.
الأصل في التنشئة الاجتماعية أن تكون مبنية على الحب والمساواة، وغير ذلك سيؤثر سلبا على الأسرة، وبالتالي على ترابط المجتمع لوجود الكراهية
ويؤدي التمييز بين الأبناء إلى حقدهم على بعضهم البعض والانتقاص من مشاعر البنوّة، وغالباً ما يكون الدافع إلى معظم الجرائم الأُسرية التي زادت حدتها في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده أحمد المجدوب، خبير علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الجنائية في مصر.
وأشار إلى أنّ الجرائم التي ترتكب بين الإخوة تمثل 60 في المئة من جرائم المجتمع، وذلك بسبب العداوة التي تنشأ بينهم، لافتاً إلى أنّ “الابن غير المرغوب فيه يذهب إلى أنّ إخوته هم السبب في ما يلاقيه من حرمان واضطهاد في المجتمع، فيكون على استعداد للانتقام منهم عندما تتاح له الفرصة”.
كما يعتبر أن التفرقة بين الأبناء خطأ قد يقع فيه بعض الآباء والأُمّهات من دون قصد، فهي تولّد في نفسية الطفل الحقد والكراهية، وتكون بمثابة جرس إنذار لما يمكن أن يحدث من صراعات بين الأشقاء في المستقبل.
من جهته يؤكد علي الحرجان، الطبيب النفسي ، أن ممارسة الأبوين لأساليب التفرقة، تنعكس سلباً على نفسية الأبناء، معللاً ذلك بأنّها تزرع بذور الكراهية بين الإخوة، ولها مردودات سلبية تبشر بمستقبل غير آمن للطفل، فيصبح مشاكساً متمرداً، وعنيداً يرفض الذهاب إلى المدرسة.
ويشير الحرجان إلى أنّ ما يفعله الطفل من سلوك احتجاجي، القصد منه تنبيه الآباء تجاه سلوكهم الخاطئ. ويؤكد أنّ “التفرقة بين الأبناء تؤدي إلى نشوء طفل غير سوي لديه إحساس بعدم الثقة بالذات، فيضطرب في نومه ويتعرض إلى كوابيس أو يشعر بفزع ويعاني من عدم الإحساس بالأمان”.
كما يعاني الأطفال الذين يشعرون بحالة الانعزال الاجتماعي من الاكتئاب والقلق، والإصابة ببعض المشاكل العضوية، مثل آلام واضطرابات المعدة.
ويؤكد خبراء علم النفس أنّ الخطورة تكمن في ترسيخ الأفكار والسلوكيات لدى الطفل من مشاعر الحقد والكراهية، والتي ترافقه حتى الكبر، فيمارسها بقسوة تجاه أفراد أُسرته نتيجة التمييز الذي تعرّض له.
ويشير الحرجان إلى أن الطفل الذي تعرّض لانتقاد من الأهل لقصر قامته مثلاً، أو لعدم قدرته على الفهم، أو للونه، يشعر بكره تجاه الآخرين ولكلّ مَن يكتسب صفات أخرى مميزة. وهو ما يجعل بعض الأبناء يرفضون آباءهم في العقل الباطن، ويكرهون إخوانهم الذين يحظون باهتمام الأهل.
ويَنصح بعدم وضع الطفل في حالة مقارنة مع أخيه، لأنّ تلك المقارنات من شأنها أن تحدث خللاً في نفسية الطفل صاحب النصيب الأدنى من المهارات والمزايا، مشيراً إلى أنّ الطفل يختزن بداخله كلّ السلبيات.
ويقول الحرجان “على الآباء توصيل الرسالة من دون تحيز إلى طفل على حساب الآخر، حتى لا تهتز ثقته بنفسه ويكره إخوته”.
كما يرى خبراء علم الاجتماع أن التمييز بين الإخوة ما زال موجودا، خصوصا في الأوساط الشعبية، مثل خدمة البنت لأخيها أو أسرتها‏ بشكل مبالغ فيه، وإعطاء الولد حق الأمر والنهي والطلب، فضلا عن أن بعض الأسر تميز كثيرا بين الطفل الأكبر والأصغر أو العكس.
ويؤكدون أن التفرقة ظاهرة غير صحية بين الأبناء على المدى البعيد، لما لها من أثر سلبي على ترابط الأسرة وعلى الأولاد في ما بينهم، وعلى علاقة الأبناء بالآباء.
ويرون أنه يمكن للأبوين بشيء من الحكمة، تفادي تلك المشاكل، ذلك أن مبالغة الوالدين في الاهتمام بطفلهما الصغير أمام شقيقه الأكبر، يفسرها الكبير كنوع من التمييز، فتتولد لديه الغيرة والبغضاء تجاه أخيه، كما أن ذكر سلبيات الطفل وانتقاده أمام إخوته، أمور تفقده الثقة بنفسه، وتجرحه فتجعله يكره الآخرين.
ويؤكد خبراء علم النفس أنه من الواجب على الوالدين إظهار الطفل المتميز، لكي لا تندثر موهبته، لكن يكون ذلك من خلال توعية الأبناء لسبب تمييزه واحتفائهم به، ليكون تشجيعا للآخرين ولإيجاد مبدأ المنافسة الإيجابية في ما بينهم.
الأب يجب أن يلتزم بالمنطق والقانون، ولا يميِّز ابناً على حساب الآخر، كأن يهب له بيتاً أو سيارة، ويترك الميراث ليتقاسمه الآخرون
ويؤكد الحباشنة أن التعامل مع الأبناء بالمساواة بينهم يخلق أبناء أسوياء نفسيا. ويضيف أن عدم التفرقة يساعد على تنمية قدرة الطفل على مواجهة مشكلات الحياة بصورة أفضل وتقويمها بواقعية.
إضافة إلى ذلك، فإن عدم التمييز بين الأبناء في الأسرة الواحدة يساعد على تقبل الطفل لذاته وقدراته الخاصة وثقتة بنفسه وبمن حوله، ويساعده على الاستقلالية في التفكير والسلوك القويم وحب الاستطلاع والرغبة في الإنجاز واكتساب الخبرات.
ويشير خبراء العلاقات الأسرية إلى أن العدل في التربية هو أساس التعامل مع الأبناء، لافتين إلى أنّ المساواة بينهم يجب أن تكون في النفقة والرعاية والتعليم والميراث، حتى لا تنشأ بينهم الضغينة وتتفكك العلاقة.
ويرون أن الأب يجب أن يلتزم بالمنطق والقانون، ولا يميِّز ابناً على حساب الآخر، كأن يهب له بيتاً أو سيارة، ويترك الميراث ليتقاسمه الآخرون.
ويؤكد الخبراء أنّ المجتمعات العربية ما تزال تفضل الذكر على الأنثى، فهناك من الآباء من لا يورث البنات أرضاً، ويعطيها في المقابل مالا، لاعتقاده أنّ الأرض تضيع بين العائلات الأخرى. ويشيرون إلى أن بعض الحالات التي يختار فيها الأب أحد أبنائه ويهب له كل أملاكه، لاعتقاده أنّه الأقدر على إدارتها، محرمة شرعا. ويؤكدون أنّ ذلك يحدث ضغينة في نفوس الإخوة، قد تؤدي إلى ارتكاب جرائم، وقد تظل المشاكل قائمة بين الأجيال وتتفكك العائلة.

Related posts

Top