الحمامات التقليدية ومغاسل السيارات الاستنزاف المستمر للذهب الأزرق

تعد المياه الجوفية، من بين الموارد المهمشة اليوم، فكلما تحدثنا عن الفرشة المائية بالمغرب وأسباب نضوبها، كانت الفلاحة أول سبب يتبادر إلى ذهننا، والدار البيضاء من بين المدن، التي أصبحت تعرف نقصا في مياه فرشتها.
ففي إطار اللقاءات التي أجريت مع عدة مسؤولين بالقطاع، من بينهم مدير وكالة تابعة لشركة ليدك، تم التوصل إلى اعتماد العاصمة الاقتصادية على سياسة تقوم بالتحكم بالطلب الدائم للماء من طرف الساكنة، غير أن البعض الآخر يرى أن هذه السياسة لا تفي بالغرض في ظل وجود بعض الفلتات المتعلقة ببعض القطاعات الناشئة بالدار البيضاء خاصة “الحمامات الشعبية”، و”محطات غسيل السيارات”، التي تنزل بكل ثقلها على الفرشة المائية.

الحمام التقليدي.. عادة سيئة

لطالما ارتبطت الحمامات التقليدية بالثقافة المغربية الأصيلة، فقد أكدت الإحصاءات، أن نسبة الوافدين عليها من الفئة المتوسطة (ما بين 30 و19 سنة)، وصلت إلى 100 بالمائة، وتراوحت النسبة بين 80 إلى 85 بالمائة في باقي الفئات المتبقية، فمتوسط تردد الفرد على الحمام بلغ مرة في الأسبوع، ليأخذ الحمام التقليدي بهذا، قسطا كبيرا من الروتين الشهري لساكنة العاصمة.
ونظرا للنمو الديموغرافي الذي تعرفه البيضاء، فإن كل حي تابع لها لا يخلو من حمامين إلى أربع حمامات، مما يوضح لنا المعادلة الصعبة المتجلية في زيادة استنزاف المياه الجوفية للدار البيضاء. وأكد إحصائيات في هذا الإطار، أن 66% من الحمامات تستعمل مياه البئر، و34%منها تستعمل مياه البئر والماء الصالح للشرب.
وإذا كانت النسبة الأكبر استعمالا في الحمامات مصدرها الآبار، فإن هذا الاستعمال غير المقنن، بيد أنه لا تتم معالجة مياهها، نظرا لغياب الآليات التقنية في هذا المجال، دون الحديث عن تكلفة تجهيزات المنظفات المرتفعة الثمن.. فمعدل المستحمين في الحمام الواحد أسبوعيا يصل إلى 679 مستحم ومستحمة، مع متوسط استعمال لكل فرد يزيد عن 105 لتر، فينتج عن كل هذا استهلاك ما يقارب 73200 لتر أسبوعيا، ناهيك عن أوقات الذروة والمناسبات الدينية والوطنية، التي تتضاعف فيها الأرقام.
من جهتها تشرف مصالح المراقبة، التابعة للمجلس البلدي لمدينة الدار البيضاء، على القيام كل ثلاثة أشهر بزيارات ميدانية لمختلف الحمامات، حاثة إياها على ضرورة العمل لترشيد الاستهلاك، على مستوى المياه وكذا مادة الخشب التي تستهلك بشكل شهري بمعدل 802 كلغ، حيث يتم استنزاف الثروات البيئية للغابة، بالإضافة إلى إنتاج الغازات السامة الناتجة عن حرق هذه الكميات الكبيرة.

مغاسل السيارات.. تدمير للفرشة المائية

اكتسحت محطات غسيل السيارات في العشرية الأخيرة، المجال البيضاوي، حيث ارتفع الإقبال عليها بشكل ملحوظ، والسبب، هو السرعة في الأداء، موفرة الوقت لأصحابها، إلى جانب الثمن البخس دراهم معدودات، بحيث تعتمد هي الأخرى على مياه الآبار، إذ كشفت إحصائيات ميدانية، أن نسبة المياه المستعملة في غسل السيارات تصل بشكل يومي إلى 777 لتر، بما يعادل 5439 لتر أسبوعيا، مع متوسط 50 لتر لغسل سيارة واحدة.
فأمام هذه الأرقام الصادمة، لا بد من أن يستسلم في يوم من الأيام، صبيب مياه الآبار البيضاوية، ويرفع الراية البيضاء في وجه مستعملي هذه المادة، التي لا يمكن أن تحل عوضها مادة أخرى.
ومن بين الحلول المقترحة، للحفاظ على هذه المادة الحيوية في حياة الإنسان، العمل على إنشاء حمامات نموذجية ايكولوجية صديقة للبيئة، يتم الاعتماد فيها على طرق حديثة وعصرية، من خلال توظيف تجهيزات تكنولوجية، لمعالجة المياه المستعملة، وإعادة توظيفها من جديد في أنشطة أخرى.
علاوة، على دعوة هذه الحمامات إلى استخدام، الطاقة الشمسية للتسخين عوض الأطنان الكثيرة من الخشب، بالإضافة إلى ترشيد المياه بالعمل على تخصيص قدر معين من الماء لكل مستحم، من خلال اعتماد بطائق قابلة للشحن.
أما فيما يخص، مشكل مغاسل السيارات، المتسببة هي الأخرى في تدهور وضعية المياه الجوفية بالعاصمة الاقتصادية، يرى الفاعلون في هذا الحقل، أن أنجع الحلول هي إعادة تدوير المياه المستعملة بهدف استعمالها من جديد، وكذا استخدام المواد منظفة الجافة.

> محمد هريدو وفدوى بطاش*

* مؤسسة الخوارزمي- الدار البيضاء

Top