الخاصيات الديمغرافية تأزم الوضعية الوبائية بالدار البيضاء

بعد ارتفاع مؤشر عدد الإصابات بفيروس “كوفيد 19” خصوصا في مدينة الدار البيضاء، تم اتخاذ العديد من التدابير الاستثنائية لتقييد حرية الأشخاص، كما تم توجيه أصابع الاتهام غير ما مرة إلى المواطنين لتقصيرهم وعدم التزامهم بالتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية. غير أن المعطيات الإحصائية البشرية لمدينة الدار البيضاء تؤكد فرضية أن عامل الانتشار السكاني له دور كبير في انتشار المرض وصعوبة التحكم به.
إن المميزات الديمغرافية والبشرية والاقتصادية لمدينة الدار البيضاء تجعل منها استثناء لا يمكن مقارنته بمختلف المدن المغربية الأخرى، فعلى المستوى السكاني يبلغ التعداد السكاني لهذه الحاضرة حسب الإحصاء العام لسنة 2014 للسكان والسكنى 3.359.818 نسمة، مما يجعلها المدينة الأولى بالمملكة من حيث التعداد السكاني.
ويبلغ الفارق السكاني بينها وبين مدينة فاس ثاني المدن المغربية من حيث الكثافة السكانية 2.233.569 نسمة، و يشكل عدد سكان جهة الدار البيضاء 12.6 بالمائة من الساكنة الإجمالية للمملكة، ويتجاوز مؤشر الكثافة السكانية للجهة 15 ألف نسمة للكيلومتر المربع ويبلغ في مقاطعتي بنمسيك والفداء 40 ألف نسمة للكيلومتر المربع.
انطلاقا من المعطيات الإحصائية للمدينة، يمكن الوقوف على بعض الأسباب الحقيقية لتفشي الوباء بمدينة الدار البيضاء، والتي ترتبط مجملها بالبنية السكانية، هذه البنية أترث بدورها على البنية الاجتماعية التي تتحكم بدورها في تطور انتشار المرض.
إن غالبية المناطق السكانية المكتظة تغلب عليها خاصية الفقر والهشاشة وتجد بها تجمعات تجارية للقطاع الغير المهيكل تستقطب الآلاف من الزوار كل يوم دون أدنى شروط السلامة الصحية والتعقيم، بل ويستحيل توفير وسائل التعقيم لروادها.
وتعتبر الدار البيضاء أيضا، قطبا اقتصاديا وصناعيا للمملكة تستوطن على أراضيها عددا من الوحدات الصناعية الكبرى، ومنذ بداية الجائحة، وأثناء مرحلة الحجر الصحي العام، شكلت الوحدات الصناعية مناطق خصبة لانتشار الفيروس التاجي، ولازالت إلى اليوم تسجل أرقاما مرتفعة في عدد الإصابات، بالرغم من بعض الإجراءات الزجرية المتخذة في حق بعض الوحدات من طرف السلطات المختصة بسبب عدم احترام التدابير الوقائية.
ولمحاصرة الوباء بمدينة الدار البيضاء يجب القيام بدراسة جد سريعة خاصة بهذه المدينة، تراعي بعين الاعتبار المميزات البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضا النفسية لساكنة لهذه المدينة، واتخاذ قرارات تتوافق وخاصياتها، ثم كذلك يجب على القرارات المتخذة، أن تأخذ بعين الاعتبار وقت النشاط السكاني للمدينة وحجم التحركات ووقتها واتجاهاتها، ويبقى الأهم هو توعية الساكنة عن طريق المجتمع المدني.

 بقلم : يونس بنان
 مدير معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية

Related posts

Top