الداكي: الدليل العملي حول “مؤشرات التعرف على الأطفال ضحايا الاتجار بالبشر” يستهدف التفعيل الأمثل للمقتضيات القانونية ذات الصلة بمكافحة هذه الجريمة

أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، في بحر الأسبوع الماضي بالرباط، أن “الدليل العملي حول مؤشرات التعرف على الأطفال ضحايا جريمة الاتجار بالبشر” يستهدف التفعيل الأمثل للمقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة هذه الجريمة.
 وأوضح الداكي، في كلمة بمناسبة انعقاد لقاء خصص لتقديم هذا الدليل، أنه “اعتبارا لما تحدثه جريمة الاتجار بالبشر من إخلال بالأمن والاستقرار المجتمعي وإضرار بفئة الأطفال، حرصت رئاسة النيابة العامة على إعداد هذا الدليل الذي يروم توفير وثيقة مرشدة لقضاة النيابة العامة باعتباره مرجعا يستهدف التفعيل الأمثل للمقتضيات القانونية ذات الصلة بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياها ووضع تصور موحد لكيفية التعرف على الأطفال الضحايا ولأنجع السبل للتكفل بهم”.
 وأشار إلى أن الدليل يقدم نماذج للقرارات القضائية التي وظفت المؤشرات القانونية المتعارف عليها عالميا واستطاعت توفير الحماية للضحية والزجر للمعتدين، إلى جانب عدد من الوثائق القانونية الوطنية والدولية الضرورية لمعالجة قضايا الاتجار بالبشر، ونماذج للمطبوعات التي يمكن للنيابة العامة استعمالها في قضايا الاتجار بالأطفال.
 واعتبر الداكي هذا الدليل ثمرة مجهود حثيث حرصت من خلاله لجنة علمية، تتألف من قضاة مسؤولين برئاسة النيابة العامة أو بالمحاكم، على تجميع مجموعة من التجارب والممارسات الفضلى التي راكمها الخبراء الدوليون في المجال أو تلك المستقاة من العمل القضائي بمختلف محاكم المملكة، مشيدا بالمقاربة التشاركية التي تم نهجها أثناء إعداد محتويات هذا الدليل وذلك من خلال إشراك القضاة الممارسين، ولاسيما أعضاء شبكة الاتجار بالبشر وأطر المساعدة الاجتماعية من أجل بلورة تصورات مشتركة وعملية لمختلف النقط التي يحتوي عليها.
 وأضاف أن الغاية من إعداد هذا الدليل تتمثل في توحيد الجهود والرؤى للتعرف على الأطفال ضحايا هذه الجريمة المركبة، مبرزا أن “المقاربة القضائية أو الزجرية وحدها لا تكفي لمحاربتها والحد من آثارها، بل يقتضي الأمر ضمان الوقاية الفعالة والحماية الناجعة في سبيل تحقيق زجر رادع لمرتكبيها، في ظل التقائية تروم تعبئة كافة القدرات وتظافر مختلف الجهود للحد من آثار هذه الجريمة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بشريحة الأطفال التي تعد فئة محتاجة للعناية والرعاية وتشكل المستقبل الواعد للبلاد”.
 كما أكد الداكي أن المنهجية المعتمدة في إنجاز هذا الدليل ارتكزت على استقراء الواقع من خلال ما يفرزه من أحداث ونوازل، واستنباط المؤشرات التي تميز كل حالة، وبعد تجميعها وتبويبها، تم استخلاص المؤشرات التي تميز كل مجموعة من الحالات بحسب الزاوية التي يتم النظر من خلالها إلى الفعل المرتكب وما يخلفه من آثار ظاهرة أو مستترة على الضحايا.
 وأضاف أن “الدليل يقدم أيضا قائمة بمختلف المؤشرات التي تؤدي إلى التعرف على الأطفال ضحايا كل حالة من حالات الاتجار بالبشر مع التركيز بطبيعة الحال على صور الاتجار الغالبة ببلدنا والمتمثلة في استغلال الأطفال في الدعارة والتسول والعمل القسري أو المنزلي”. وذكر في هذا الصدد، بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس التي ما فتئ يسديها لفائدة حماية الأطفال من العنف والاستغلال، ومنها ما جاء في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة، المنعقد بالرباط يومي 20 و21 فبراير 2018 .
وفي السياق ذاته، قال الداكي “معلوم أن جرائم الاتجار بالبشر ترتكب عادة في فضاءات مغلقة وفي ظروف تستعمل فيها أذكى وسائل التحايل والتخفي، وقد ترتبط بعدة جرائم أخرى، كما أنها ترتكب في حق أشخاص في وضعية استضعاف تجعلهم لا يقوون على الهرب أو التبليغ عن الاستغلال الذي يتعرضون له”، مشيرا إلى أن خصوصية هذه الجريمة تقتضي توفر عنصر بشري ملم بالأركان التكوينية لهاته الجريمة بالغة الخطورة، ومتشبع بثقافة حقوق الإنسان ويملك القدرة على الموازنة بين حماية ضحايا هاته الجريمة وبين استفادة مقترفيها من ضمانات المحاكمة العادلة.  وسجل بهذا الخصوص، أن المشرع المغربي، وأخذا بالمبادئ المسطرة في بروتوكول باليرمو المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة جريمة الاتجار بالبشر، شدد في القانون 14-27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر على ضرورة التعرف على ضحايا الاتجار بالبشر في جميع مراحل سير إجراءات الدعوى العمومية، كما أحاط الأطفال ضحايا هذه الجريمة بالاهتمام البالغ وأفرد لهم مقتضيات خاصة سواء من حيث توفير الحماية لهم أو من حيث تشديد العقوبة على المتاجرين، وذلك نظرا لما يتميز به وضعهم من هشاشة مضاعفة بسبب صغر سنهم وعدم اكتمال وعيهم مما يعرضهم أكثر من الرشداء لأخطار الاستغلال.
 من جهتها، أبرزت الممثلة المساعدة لمكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بالمغرب، نسيم عول، الأهمية الكبيرة التي يكتسيها هذا الدليل، الذي يشكل وسيلة لرفع الوعي وتطوير كفاءة المهنيين القضائيين في مجال التعرف على الأطفال ضحايا جريمة الاتجار بالبشر، مضيفة أن هذا الدليل من شأنه المساهمة في توجيه ضحايا هذه الجريمة نحو المصالح المختصة للحصول على الدعم والحماية اللازمين.
 وأكدت أنه بالإضافة إلى دوره التوعوي، يتضمن هذا الدليل مجموعة من المؤشرات التي تعمل الجهات الوطنية الفاعلة على المستويين الاجتماعي والقضائي على بلورتها في إطار سياسة عمومية مندمجة لحماية الأطفال والخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه (2023-2030).
 يشار إلى أن هذا اللقاء عرف حضور ممثلة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، وممثلة مجلس أوروبا بالمغرب، بالإضافة إلى رؤساء الأقطاب برئاسة النيابة العامة، وعدد من المسؤولين القضائيين والقضاة وممثلي الهيئات الحكومية وهيئات المجتمع المدني.

Related posts

Top