الرفيق عبد الكريم بن عبد الله .. قائد برهن بنضاله على سمو الروح الوطنية

من 31 مارس 1956 إلى 31 مارس 2019 تكون قد مرت ثلاثة وستين سنة على استشهاد عبد الكريم بنعبدالله، القائد الشيوعي وأحد القادة البارزين في صفوف المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وأحد مؤسسي وقادة المنظمة السرية” الهلال الأسود” وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي.
ولد عبد الكريم بنعبد الله بمدينة وجدة في 29 نونبر 1923، حيث تلقى تعليمه خلال المرحلتين الابتدائية والثانوية، ليرحل بعد حصوله على البكالوريا إلى فرنسا لمتابعة دراسته الجامعية، ملتحقا بالمدرسة العليا للمناجم بباريس.
وفي غضون دراسته بفرنسا، انخرط بالحزب الشيوعي المغربي في 1947/1948، حيث برز بنشاطه الوطني بين الطلبة، وكان من أبرز المشاركين في تأسيس اتحاد الطلاب المغاربة رفقة مناضلين آخرين مثل عبد الهادي مسواك، وعبد الرحيم بوعبيد…  كما تحمل مسؤولية بتنظيم الشبيبة الشيوعية المغربية، وترأس وفدا للشبيبة المغربية في المهرجان العالمي الثالث للشباب والطلبة المنعقد ببرلين سنة 1951 .
بعد إتمام دراسته العليا، رجع المهندس عبد الكريم بنعبد الله إلى المغرب عام 1950 واشتغل بإدارة المعادن، وصار عضوا قياديا في الحزب الشيوعي المغربي، الذي كان عدد من أعضائه نشطاء في منظمة الهلال الأسود للمقاومة، إلى جانب أعضاء من تنظيمات سياسية أخرى وآخرين غير منتمين. كما أنه تولى مهمة الإشراف على إصدار مجلة فكرية تحمل عنوان “الفكرة الوطنية”.
وبعد أحداث الدار البيضاء في دجنبر1952، التي تعرضت على إثرها مكونات الحركة الوطنية المغربية للقمع والمنع من طرف سلطات الحماية، وأساسا الاتحاد العام للنقابات بالمغرب “C.G.T” وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي، التحق بمدينة الدار البيضاء ملبيا نداء حزبه للعمل السري المطبوع بالمخاطر والصعوبات والمعاناة، ليتفرغ للنشاط الوطني، ولم يتردد لحظة واحدة في التخلي عن تلك الوظيفة “المربحة والمريحة” التي كان يقوم بها كمهندس بإدارة المعادن بالرباط، تاركا العمل والراتب العالي الذي كان يتقاضاه 100.000 فرنك شهريا “آنذاك”، بل إنه قدم كل ما وفره من مال لحزبه ودخل في مرحلة السرية.
وخلال فترة السرية القاسية المفروضة على الحزب، برز اسم عبد الكريم بنعبد الله كشخصية مناضلة وكقائد مجرب من الجيل الجديد، إلى جانب أسماء أخرى من قبيل عبد السلام بورقية، وعبد الله العياشي، ومحمد السطي، ومحمد قوقجي، والمعطي اليوسفي، وأحمد الماضي، من قصبة تادلة.. الذين اتضحت وتعززت لديهم فكرة إنشاء منظمة للمقاومة المسلحة. 
وفي عام 1953 شارك في القيادة السرية للحزب الشيوعي المغربي، التي رأت أنه على الحزب الشيوعي الانخراط في النضال المسلح، فتم ربط الصلة بمقاومين آخرين من قدماء منظمة “اليد السوداء” مثل عبد الله الحداوي والحسن الكلاوي، وجرى تنسيق العمل لمواصلة النضال والإقدام على إنشاء منظمة مقاومة جديدة. 
وهذا ما تم بالفعل في شهر مارس 1954 “ذكرى إبرام عقد الحماية” حيث بادر كل من عبد الكريم بنعبد الله، وعبد الله الحداوي (أصغرهم سنا، 17 سنة، واغتيل عن عمر 19 سنة) والحسن الكلاوي، وعبد الله العياشي، والطيب البقالي (بكر المجموعة)، بمعية مقاومين آخرين من خارج الحزب، إلى تأسيس حركة جديدة للمقاومة سموها “الهلال الأسود”، وكان الحداوي هو من اقترح اسم هذه المنظمة التي قامت بأعمال جدية رغم خلاياها القليلة، ومن أبرز أنشطتها: تصفية متعاونين مع الاستعمار، إلقاء قنابل داخل الأحياء الأوربية في الدار البيضاء، تجمعات خاطفة أمام المصانع الكبرى، كتابات للشعارات، ملصقات الحائط، توزيع مناشير، طبع سري بآلة الرونيو لجريدتي الحزب “إسبوار” (الأمل) و”حياة الشعب”، توجيه نداءات الحزب عبر راديو “صوت الاستقلال والسلام” الذي كان  يبث من براغ بتشيكوسلوفاكيا بواسطة المناضل الشيوعي الصحفي والمذيع محمد فرحات المطرود عام 1948 من قبل السلطات الاستعمارية… 
وبعد اعتراف الحكومة الفرنسية باستقلال المغرب وتشكيل حكومة مغربية، تدخل عبد الكريم بنعبد الله يوم  19 يناير  1956 على رأس وفد، لدى وزير الشغل للمطالبة برفع الأجور .. 
كان الفقيد متزوجا بمناضلة شيوعية، اسمها سوزان لاريبير، مارست مهنة الطب، وهي بنت طبيب شيوعي شهير في وهران مختص في أمراض النساء هو الدكتور لاريبير.  وقد خلف عبد الكريم ابنين “مراد وآسية” يعيشان حاليا بالديار الفرنسية.
وقد جرى اغتياله مساء السبت 31 مارس  1956، أي بضعة أيام بعد استقلال المغرب، وهو يغادر بيته الواقع بطريق مديونة بالدار البيضاء، بغرض التوجه إلى الصيدلية لاقتناء الدواء لأحد أطفاله.  وعشية اليوم الذي كان يستعد فيه للسفر قصد المشاركة في أشغال إحدى دورات المجلس العالمي للسلم الذي كان يتمتع فيه بصفة العضوية. وأغلقت المحلات التجارية في المدينتين القديمة والجديدة حدادا على الفقيد.  وشارك في التشييع أعضاء من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال ومنظمات مغربية وجزائرية.
واعتبر الحزب الشيوعي المغربي أن الجهة التي تورطت في هذه الجريمة وأعقبتها بهجمات أخرى ضد مناضليه تطبيقا لمؤامرة التصفية الجسدية، هي نفس الجهة التي اغتالت أحمد الشرايبي، وثريا الشاوي، ومقاومين آخرين… 
ومن أجل التذكير وللتاريخ، فإن الهلال الأسود، لم يكن تنظيما ماركسيا، بل هو تنظيم وحدوي جمع ووحد مقاومين من مختلف الاتجاهات الوطنية، من ضمنهم مقاومون ينتمون إلى الحزب الشيوعي المغربي. 
وكما كتب عضو الديوان السياسي للحزب المناضل المرحوم عبد الله العياشي، في بيان حقيقة له موقع بتاريخ 28  يناير  1992 فإن منظمة “الهلال الأسود”، كانت منذ تأسيسها في شكلها الوحدوي خلال شهر مارس 1954، مستقلة استقلالا ذاتيا تاما، تنظيميا وسياسيا وإيديولوجيا، رغم أنه كانت لمؤسسيها علاقات كثيرة مع جماعات المقاومة الأخرى، وهي سمة ميزت مقاومة هذا التنظيم عن مقاومات أخرى.. 
ويضيف المناضل عبد الله العياشي قائلا: بعد مفاوضات “اسل سان كلو” و”إيكسلبيان”، أسندت إلى  “منظمة للمقاومة” مهمة جد خاصة لاستقطاب المنظمات المسلحة الأخرى وجعلها خاضعة لاتجاه سياسي معين واحد – وبالطبع نشأ إثر ذلك جو من الفوضى والاضطراب تسبب في هلاك عدد كبير من المقاومين من الهلال الأسود، من الحزب الشيوعي المغربي ومن منظمات عديدة أخرى – وفي هذه الظروف وقع استشهاد رفيقنا عبد الكريم بنعبد الله…  وكانت فترة من أفظع فترات تاريخ مقاومتنا، بل وتاريخ حركتنا الوطنية التقدمية على وجه الخصوص.  وسيأتي بالتأكيد يوم يسمح فيه بالتطرق لهذه الحقبة المؤلمة بكل الدقة المطلوبة وبجميع التفاصيل، وذلك فقط من أجل التحليل والتوثيق التاريخيين، لا غير…. ).
رحم الله الرفيق الشهيد عبد الكريم بنعبد الله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي..  وجازاه خيرا عما قدمه من خدمات جليلة وتضحيات معتبرة لحزبه ولوطنه المغرب، إلى جانب ثلة من رفيقاته ورفاقه المناضلين الشيوعيين والنقابيين والمقاومين الذين كافحوا وجاهدوا وضحوا بالغالي والنفيس من أجل استقلال المغرب وسيادته ووحدته، وفي سبيل التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

Related posts

Top