السياسات المواطنة

شكلت عودة العلاقات المغربية الإسبانية إلى مسارها السابق والطبيعي، منعطفا جديدا وجيدا للبلدين على كافة الأصعدة والمستويات، لبلدين على ضفتي الأبيض المتوسط، تجمعهما مصالح استراتيجية على كافة المجالات.

لذا جاءت الاتفاقيات بين الطرفين (أزيد من 19 اتفاقية) تتويجا لهذا الانفراج، حيث ستشكل قفزة نوعية لاقتصاد البلدين بشكل خاص، وفق توجهات مشتركة ورؤية واضحة وفق منطق “رابح-رابح”.

مناسبة هذا الحديث، هو ما وصلت إليه جارتنا الشمالية في مختلف الميادين، فمثلا سياساتها العمومية المتعلقة بالبنيات التحتية (الطرقات، الإدارات العمومية، النقل، الأسواق، المؤسسات التعليمية…)، وأيضا كيفية تدبير وتسيير هذه البنيات، فضلا عن سياساتها في تدبير الشؤون العامة التي تمس المواطن بشكل مباشر من قبيل مراقبة الأسعار والحرص على جودة المنتجات والمواد الاستهلاكية؛ وقد لامسنا ذلك في إطار جولة مهنية على مستوى هذا  البلد الجار؛ حيث هنا تبادر إلى ذهننا سؤال المقارنة بين التزامات السياسات العمومية هنا وهناك، أي مساءلة مسؤولي وطننا عما إذا كانوا سيتنافسون في تطبيق بعض من سياسات هذا البلد التي يمكن أن تصلح لوطننا وتسرع من عجلة التنمية به وتعود على المواطن بالنفع وتضمن له العيش الكريم؟!

ففي إطار رحلتنا هذه، من الجنوب الإسباني إلى شماله، وجدنا أنفسنا نقطع المئات من الكيلومترات عبر طرق سيارة بجودة عالية دون أداء ولو سنتيم واحد، حيث أضحت أزيد من ثلثي الطرق السيارة بهذا البلد مجانية بعد استفاء الدولة لمستحقات تشييدها، وإن كانت هناك تسعيرة ببعض المحاور فهي رمزية ولفترات محددة لغاية الإصلاح فقط.

أما على مستوى النقل، فإن الاختيارات متعددة بدءا من الحافلات المتميزة بجودتها العالية ثم سيارات الأجرة والقطارات السريعة، إلى خاصية “الكوفواتيراج” التي تتم من خلال طرق قانونية تتحصل من خلالها الدولة على ضرائبها المستحقة كما تضمن حقوق وأمن الناقل صاحب العربة والزبون الراكب.

عندما نعرج لصحة المستهلك، فنجد أن هناك حرصا شديدا على كل ما يتم استهلاكه بدءا مما يتم استيراده أو تصنيعه وإنتاجه إلى أن يصل إلى المستهلك؛ فهناك مراقبة دورية ومستمرة على مستوى كافة المحلات التجارية والمطاعم، من حرص على النظافة وسلامة المنتجات والأسعار المعتمدة وأيضا تمتع العاملين بالصفة القانونية داخل المحل، وكل ذلك تحث طائلة أن كل مخالفة تتبعها غرامات ثقيلة جدا.

وفي إطار المقارنة الموضوعية، وبما أن المناسبة شرط؛ ففي سياق الارتفاعات المهولة للأسعار على المستوى الوطني حيث لا يتعدى الحد الأدنى للأجور 2700 درهما؛ فإن أسعار المواد الغذائية بشكل عام بالجارة الشمالية تظل أقل بكثير رغم أن الحد الأدنى للأجور بها يقارب 11000 درهما، وعلى سبيل المثال لا الحصر وقفنا بشكل شخصي على سعر اللحوم حيث لا يتجاوز 70 درهما للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي وصل فيه بالمغرب إلى 100 درهما أو تجاوزها ببعض المدن أحيانا؛ وبشكل عام في الجارة الشمالية تظل أسعار الخبز والسكن والنقل (فقط لمن لا يتوفر على سيارة) مرتفعة نسبيا مقارنة مع المغرب، وغير ذلك تظل الأسعار مستقرة وأقل من المستوى التي هي عليه بالمغرب في كثير من السلع والمواد الغذائية؛ رغم الفارق الكبير في مستوى الحد الأدنى للأجور بين البلدين.

هذا فيض من غيض فقط، ينبغي أن يعيه جيدا مسؤولي بلدنا إن كان لهم حس مسؤولية، حيث نعلم إن كثيرا منهم في الوقت الذي يظلون فيه بعيدين عن الواقع المعيشي للمواطن المغربي البسيط فإنهم قاب قوسين أو أدنى من الأوضاع المعيشية بالفردوس الأوروبي من خلال السفريات وقضاء العطلة بالضفة الأخرى؛ هنا نتساءل مجددا ألا يستحق المواطن المغربي نموذجا لهذه السياسات العمومية المواطنة؟ لماذا لا يحرص المسؤول المغربي على نمذجة هذه السياسات على المستوى المحلي؟

من المؤكد أننا في حاجة للشراكات المتعددة الأوجه مع البلدان المتقدمة لما لها من وقع إيجابي على مستقبلنا المشترك، وفي نفس الآن ينبغي أن نرفع التحدي الأكبر وهو الرهان على سياسات عمومية وطنية ترتقي إلى ما تحقق في الضفة الأخرى، في إطار المنافسة الممكنة أو التحدي الأكبر في إطار السياسات العمومية المواطنة من طرف مسؤول مواطن.

عبدالصمد ادنيدن

Top