العثور على جزيئات البلاستيك في دم الإنسان ينذر بكارثة صحية

رغم أن أجندات الحكومات في العالم تهتم بقضايا المناخ البيئية ومواجهة فيروس كورونا، تبدو هذه القضايا بسيطة مقارنة بتأثيرات التلوث على صحة الإنسان، إذ كشفت دراسة جديدة أجراها علماء في جامعة هولندا المفتوحة، واعتبرت الأولى من نوعها في العالم، احتواء 77 في المائة من عينات دم أخذت من 22 شخصا على نوعين أو ثلاثة أنواع من البلاستيك.

وأظهرت الدراسة أن الدم البشري يحتوي على جزئيات بلاستيك ناتجة عن مواد “بولي إيثيلين” الأكثر استخداما في صنع زجاجات المشروبات وتغليف المواد الغذائية والملابس. وحددت مصدر تسرب جزئيات البلاستيك إلى جسم الإنسان بالهواء أو الطعام والشراب.

وكشفت الدراسة أن الجزئيات قد تنتقل حول الجسم وتستقر في الأعضاء، ما يشكل اكتشافا جديدا يثير علامات استفهام عدة حول مدى تأثير البلاستيك على الصحة العامة، علما أن الخبراء لا يعرفون تحديدا ما التأثيرات الناتجة عن وجود مواد بلاستيك في دم الإنسان، ويبدون قلقا كبيرا من إمكان أن تتسبب الرقائق الدقيقة في تلف الخلايا.

وكانت دراسة أصدرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة عام 2021 أوردت أن “الرقائق الدقيقة للبلاستيك قد تلتصق بالأغشية الخارجية للخلايا، لا سيما الخاصة بالدم، وتتمدد لتؤثر على قدرة الدم على نقل الأكسجين في أنحاء الجسم. من هنا يشير وجود البلاستيك في دم الإنسان إلى أن التأثيرات قد تكون بالغة الخطورة”.

التلوث البيئي

وتعيد نتائج دراسة العلماء في جامعة هولندا تأكيد أهمية مواجهة التغييرات البيئية والتزام سياسات الحد من التلوث، فالمخاطر لم تعد تتعلق بارتفاع درجات حرارة الأرض، بل بصحة الإنسان ووجوده.

وفيما تلقى كميات ضخمة من نفايات البلاستيك في البيئة، والتي يمكن رصدها بسهولة من قمة جبل إيفرست إلى أعمق المحيطات، يؤثر ذلك على الهواء الذي يستنشقه البشر ويتسرب إلى كل أعضاء الجسم، لذا من المهم أن تواجه الحكومات استخدام البلاستيك أو تحد منه، وهو ما تطالب به جمعية “كومون سيز” الاجتماعية التي تعمل للحد من تلوث البلاستيك، والتي ساعدت في تمويل دراسة جامعة هولندا بالتعاون مع المنظمة الوطنية الهولندية للبحوث الصحية والتنمية.

ويقول مؤسس جمعية “كومون سيز” جو رويل إن “استخدام البلاستيك بات أمرا لا بد من مناقشته عالميا، خصوصا أنه من المقرر أن يتضاعف إنتاج البلاستيك بحلول عام 2040. لذا لا بد من معرفة ما يفعله البلاستيك في أجسام البشر”.

وتطالب “كومون سيز” مع أكثر من 80 منظمة غير حكومية علماء ونواب الحكومة البريطانية بتخصيص 15 مليون جنيه إسترليني (18 مليون دولار) للبحوث الخاصة بتأثيرات البلاستيك على صحة الإنسان، علما أن الاتحاد الأوروبي يمول بحوثا تتناول تأثير جسيمات البلاستيك على الأجنة والأطفال وجهاز المناعة.

ووجدت دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي في بداية عام 2022 أن انتشار مواد البلاستيك وتفاعلها مع الطبيعة ذات انعكاسات سلبية على المناخ. وعلى سبيل المثال يتسبب حرق البلاستيك بإطلاق مزيج من المواد الكيميائية السامة التي تضر بصحة الكوكب والأشخاص المعرضين للهواء الملوث. ويعتبر الكربون الأسود أحد هذه الملوثات الخطرة، باعتباره يزيد درجة الحرارة وتلوّث المناخ أكثر من ثاني أكسيد الكربون.

وفي عام 2019، قدرت المنظمات المعنية بالبيئة بأن إنتاج البلاستيك وحرقه سيضيف 850 مليون طن متري من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، أي ما يعادل 189 محطة طاقة تعمل بالفحم. وأشارت إلى أنه بحلول عام 2050 قد ترتفع هذه الكمية إلى 2.8 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، ما يعادل 615 محطة فحم. واستنشاق هذه الغازات يدخل مزيدا من جزئيات البلاستيك إلى جسم الإنسان.

نتائج كارثية

وبالعودة إلى دراسة جامعة هولندا المفتوحة، حلل العلماء عينات دم 22 متبرعا مجهولا، جميعهم بالغون أصحاء، ووجدوا جزيئات بلاستيك لدى 17 منهم. واحتوت نصف العينات على بلاستيك “بولي إيثيلين تريفثالات” الذي يستخدم في زجاجات المشروبات، بينما احتوت ثلثها على مادة “بوليسترين” التي تستخدم في تغليف الأطعمة ومنتجات أخرى، وربعها على مادة “بولي إيثيلين” التي تصنع منها أكياس بلاستيك.

ويصف عالم السموم البيئية الهولندي البروفيسور ديك فيتاك الدراسة بأنها “أول مؤشر لوجود جزيئات بلاستيك في دم الإنسان. ورغم أن نطاقها صغير نسبيا، لكنها تساعد في السعي إلى توسيع البحث لدى عدد أكبر من الأفراد”. ويضيف لصحيفة “ذي غارديان”: “من الضروري أن نشعر بقلق، فالجسيمات موجودة وتنتقل في أنحاء الجسم”. والدراسة تظهر أن الجزئيات الدقيقة كانت أعلى بعشرة أضعاف في براز الأطفال مقارنة بالبالغين، وأن الأطفال الذين يتغذون بزجاجات بلاستيك يبتلعون ملايين جسيمات البلاستيك الدقيقة يوميا، ما يعني أن الرضع والأطفال الصغار هم الأكثر تعرضا للمواد الكيميائية والجسيمات.

معضلة جديدة

وفيما تطرح الدراسة أسئلة عدة حول إمكان احتفاظ الجسم بمواد البلاستيك، وكيفية انتقاله إلى أعضاء أخرى، وماذا سيحصل إذا وصلت إلى الحاجز الدموي للدماغ، يقول الاختصاصيون في أمراض الهضم إن انتقال مواد البلاستيك في دم الإنسان قد يكون له تأثيرات كبيرة، خصوصا إذا التصقت هذه الجزئيات بأعضاء معينة مثل الكبد والكلى، ما قد يؤدي إلى أمراض عدة.

وتؤكد مجرد فكرة وجود مواد بلاستيك في دم الإنسان أن المخاطر ستكون كبيرة حتى إذا لم تظهر الدراسات أي انعكاسات على الصحة العامة. وإذا كانت أضرار مواد البلاستيك على الطبيعة مرتفعة جدا، فمن الطبيعي أن تكون نفسها على صحة الإنسان.

Related posts

Top