الفنانة التشكيلية بهيجة عبد العالي الشرقاوي: الإنصات بعمق إلى صوت الحياة بداخلنا

بثقة في النفس وبإيمان فني قوي ومتجدر في دواخلها التواقة الى الجمال والرقي بالذوق الرفيع ، تصر الفنانة التشكيلية بهيجة عبد العالي الشرقاوي الى المضي قدما في تحقيق مشروعها الحداثي والمتمثل في تغيير معالم درب خروبة بالمدينة القديمة للدار البيضاء من فضاء تنخره الأزبال والقاذورات والتهميش البيئي الى فضاء فني راقي بديع مفعم بالجمال ، حيث الحديث اليوم عن درب عبارة عن لوحة تشكيلية غاية في الروعة والجمال ، شهادات وارتسامات جمالية وثقتها أنامل زوار من مختلف الدول الأوروبية الذين يأتون لزيارة جداريات ولوحات درب خروبة في غفلة من المدافعين عن الأزبال ولا شيء الا الأزبال . درب خروبة يتحول الى قبلة للزوار من الصين وفرنسا وألمانيا … لتقاسم لحظات جمال نادرة ومتفردة استطاعت الفنانة بهيجة التفنن في اتقانها وتقديمها لزوارها ، هذه اللوحات التي تؤثث فضاء درب خروبة استطاعت بهيجة رفقة أبناء الدرب الذين أمنوا بمشروعها الفني الطموح وانخرطوا في مواصلة العمل على جعله قبلة للزوار من داخل المغرب ومن خارجه ، ولما لا يصبح نموذجا يقتدى به لباقي الدروب والأزقة سواء داخل المدن العتيقة أو خارجها ، حتى تصبح فضاءاتنا جميلة ، وبيئتنا نظيفة ورائعة تساهم في تهديب ذوقنا وفي تربيتنا على ثقافة الصورة وثقافة الجمال ، وتنتشلنا من اغتيال البيئة والطبيعة والاساءة اليهما .
ضمن المسارات الاختلافية داخل خرائطية الابداع التشكيلي المعاصر بالمغرب ، تطالعنا تجربة الفنانة المبدعة بهيجة عبد العالي الشرقاوي ، والتي تعتبر من الحساسية الجديدة على مستوى التشكيل الفني الحداثي بكل مغامراته الصباغية . ، فقد روضت هذه الفنانة العصامية الموهوبة الألوان بسلاسة، وحولتها إلى بنيات حركية وأشكال تجريدية، موظفة التقنية المختلطة على مستوى المعالجة الصباغية : معالجة تزاوج بين تلقائية الإنجاز وصرامة الإعداد ..
و الفنانة التشكيلية بهيجة عبد العالي تشتغل وفق مشروع جمالي متناهي في الدقة والوصف ، حيث تعتبر من الفنانات التي تدافع عن المرأة كوجود قوي وحاضر في المجتمع ، والأبعد أن المرأة حاضرة في لوحاتها من خلال تجسيد معاناتها سواء تلك المتعلقة بالاضطهاد والقهر والاحتقار ، أو تلك المتعلقة بسمو الذات والرفعة والتحدي ، مؤكدة في ذات الوقت من خلال لوحاتها الرائعة بحق أن المرأة هي المجتمع ، هي ذواتنا ومستقبلنا الراقي والحضاري … بهيجة الى جانب حضور المرأة في لوحاتها وفي دواخلها الجمالية … تحمل مشروعا موازيا تدافع عنه بقوة وباستماتة، ذلك المشروع البيئي التي تستمر في تحقيقه رغما عن أعداء الطبيعة والبيئة السليمة ….
ومن منظور بعض النقاد الجماليين ، فان أعمال الفنانة بهيجة عبد العالي الشرقاوي “تعتبر امتدادا لمجال الحياة التشكيلية، اختارت الاشتغال على موضوعة “التوازن البيئي” كمدخل عام لتأمل جمالي في الحياة والوجود معا. سبق للمفكر أدونيس أن أكد بأن العالم بلا شعر يموت من البرد والانغلاق والحال أن العالم بلا توازن يموت من الفقر المعنوي والظمأ الروحي. أن تعالج المجال الطبيعي تشكيليا معناه أن تضع جانبا كل مظاهر الأشياء وملحقاتها الثانوية، وأن تنصت بعمق إلى صوت الحياة بداخلنا الذي يقاوم في عناد مكابر شراسة الرأسمالية اللاإنسانية التي تحاول تسييد الرؤية الواحدة للعالم. إن المجال الطبيعي مقام التأمل في بعده الروحي ، حيث يتعمق الإدراك البصري للفنان، وتصبح اللوحة جوهرا يمثل البعد الخفي للحياة . ”
في هذا المقام، تعلمنا لوحات الفنانة بهيجة بأن في هذا العالم شيئا ملغزا وعلينا أن ننتبه إليه جيدا وأن ننصت إليه بكل حواسنا وفرائسنا. ألم يعد في الكيان الطبيعي وجود وفي الدمار عدم؟
تتمثل الفنانة بهيجة عبد العالي وجودها الخاص معتبرة الفن جزءا لا يتجزأ من النسق الثقافي العام ، وذك في تفاعل تام مع الهوية كمخيلة وجودية وكعلاقة دائرية مع الفكر والثقافة والشعور . كل ما تتمثله هذه الفنانة المفرطة في انسانيتها والعميقة في أعمالها الفنية، عبر الرسم هو من صلب ما اختمر في ذاتها وانطبع في عينها ومتخيلها ….
نعمة التازي

Related posts

Top