الفنان خليفة.. أيقونة الفكاهيين الشعبيين المغاربة

 شكلت فترة الستينات والسبعينات لحظة فارقة في تاريخ فن الفكاهة بالمغرب، فقد لعبت الحلقة دورا أساسيا في إشاعة الضحك. ويعود الفضل في ذلك إلى جيل من رواد الحلقة، أمثال خليفة بوغطاط، ولدقرد، والثنائي لمسيح.. هؤلاء وغيرهم شكلوا ظاهرة فكاهية بامتياز، انتشرت وتوسعت في المغرب، ثم جاءت مرحلة التلفزيون التي برز فيها فكاهيون، أمثال عبد الرحيم التونسي(عبدالرؤوف) والثنائي “الداسوكين والزعري” الذين بدورهم لم يطوروا تجربة الحلقة ولم ينسلخوا عنها، بل كرسوا نفس النمط والأسلوب المستند لثنائية العروبي والمديني. صحيح أن هناك بعض الاجتهادات التي حاول أصحابها نهج أسلوب جديد يتمثل في ما اصطلح عليه بفكاهة الموقف. أسلوب يختلف من حيث الشكل والمضمون، ويروم التعرية والنقد، غير أن هذا الأسلوب لم يكتب له النجاح لاعتبارات ترتبط بالمناخ الثقافي العام.

 الفكاهة فن يراد من خلاله إشاعة الضحك ولكنها كأسلوب فني تتوسل من ورائه الإضحاك. تجسيم رؤية معينة في الحياة وفي العلاقات العامة وربما في المجتمع والعصر باسره، في ضوء ذلك فالفكاهة هي ذلك الفن الراقي الذي يمكن الإنسان من فك رموز حياته ومجابهة بلادته وطرد مخاوفه وهواجسه النفسية والاجتماعية، على أن الفكاهة كفن تعبيري لها وظيفة توعوية تربوية، تروم في المقام الأول، الرقي بالذوق الفني والاجتماعي للإنسان، لأن الهدف الأساسي للضحك ينزوي خلف الرؤية الاجتماعية التواقة لتحرير الإنسان من سطوة الأفكار والآراء الجاهزة التي تحول دون تلمسه لكينونته الفردية والجماعية بمختلف تجلياتها، فالضحك بهذا المعنى هو تعبير عن حوار جماعي بين أفراد يتبادلون الاعتراف فيما بينهم ويبحثون عن أفق جديد قوامه الحرية والمساواة، لكن حين تنتفي وظيفة الضحك ينحسر هذا الأخير عن كونه تعبيرا فنيا له رسالته الثقافية الفنية ويصبح من ثم عبارة عن مهزلة، لكن الغريب في الأمر أن تصير المهزلة فنا قائما بذاته له رواده وجمهوره الواسع. صحيح أن المهزلة الفكاهية هي نتاج وضع ثقافي معطوب أصبحت الأمور تسير بشكل معكوس وأصبح إنصاف الفكاهيين هم من يتنطعون هنا وهناك بدون تقديم فن جاد.

 هناك اعتقاد عام مفاده أن الموهبة وحدها كافية لأن يصير الإنسان فكاهيا، فلان أو علان، علما أن الموهبة لا يمكن أن تصنع فنانا فكاهيا ما لم تتعزز بالمعرفة والتكوين العلمي، على اعتبار أن هناك مسافة شاسعة بين الفنان الحلايقي الذي يعتمد العفوية والارتجال، بمصاحبة الكمان. نموذج خليفة.. أو بعض الأدوات الأخرى، كالعصي في نموذج “الاخوة.. لمسيح… والفنان صاحب النظرة النقدية المتبصرة..”، فعديد هي الأعمال التي قدمت على قنوات التلفزة والمندرجة تحت عنوان الفكاهة. لا تمت في واقع الأمر للفكاهة بصلة. صحيح أن برامج تلفزية عديدة: (كوميديا…ستانداب..)، ساهمت في ارتكاس فن الفكاهة وتنميطه وفق رؤية عمودية تجاوزها الزمن، وأصبحت تعيش خريفها الفني، بل أكثر من ذلك أن هذه الرؤية العمودية التي أشرف عليها بعض جهابذة الفكاهة لم تغذ الساحة الفكاهية بروح فنية جديدة تعيد للفكاهة مجدها وألقها ومتعتها الجمالية والإنسانية من خلال الانفتاح على قضايا ومضامين جديدة، من شأنها أن تعيد للفكاهة وظيفتها النقدية المصادرة، بل اكتفت تلك البرامج بتفريخ جيل معطوب لا ينقصه حس الدعابة، إثر الكسب المادي على حساب الإبداع الفني. جيل تنقصه مقومات عديدة لتطوير الصناعة الفكاهية بالمغرب.

 في هذا الصدد، يتعين القول إن حالات العطب والرداءة والنكوص لا تقتصر على مجال الفكاهة وحده بل يتعداها ليطال مجالات الفن الدرامي والثقافي بشكل عام، وهو ما يقتضي صوغ منظور ثقافي بديل يفضي لإقلاع ثقافي عام وشامل لتدب الحركة الثقافية ومعها كافة مجالات التنشيط الفني بالمغرب.

 ومن نافلة القول إن الأجيال الحالية لم تحز مكانة خاصة ضمن المشهد الفكاهي العام على اعتبار أنها ما تزال تكرر تجارب الأجيال السابقة، ولم تقطع بعد معها بشكل يضمن لها استقلالها وتفردها الفني. يمكن القول إذن في هذا الصدد إن جيل الرواد ما يزال حاضرا وبقوة وما يزال الفنان خليفة، كأحد النماذج المتميزة في تاريخ الفكاهة.

بقلم: أحمد جدوال

Related posts

Top