المرأة بين مطرقة العرف وسندان القانون

زواج القاصرات وحرمان المرأة من الميراث

بقلب يعتصره الأمل، شاركت أميمة، التي لا يتجاوز عمرها 17 سنة، مع جريدة “بيان اليوم”، تفاصيل تحول حياتها، من طفلة تلعب وترتع بين أحضان طبيعة القرية التي تبعد عن مدينة الجديدة قرابة 65 كلم جنوبا، وتلميذة تتلمس طريقها نحو أحلامها الوردية، إلى بائعة هوى ومجرد جسد يتهافت وراءه باحثين عن ليالي حمراء ماجنة، ومصابة بسرطان القولون تتخبط بين مستشفيات العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حيث استقرت بعد انتهاء زواجها الذي لم يدم سوى سنتين ونيف.
تنتمي أميمة، ضحية الزواج دون سن الرشد، لبيئة محافظة جدا، في أحد الدواوير بإقليم دكالة، وكانت تتابع دراستها في أحد المدارس المنعزلة عن المنطقة التي تقطن فيها، مكابدة عناء الذهاب والإياب، والأحوال الطقسية، والظروف المادية، أملا في حصولها على شهادة تعليمية عليا، تؤهلها لشغل محترم، تمكن به نفسها وأسرتها اقتصاديا، قبل أن تفاجأ يوما حين عودتها من مدرستها، بوالديها ينتظرونها والفرحة تعلو محياهم، “فرحي يا بنتي جاك زمانك”.
لم يكن أمام أميمة، حسب روايتها، ما تفعله أمام قرار أسرتها الذي يعد نهائيا وغير قابل للنقاش، وفقا لأعراف وتقاليد المنطقة…، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لفاطمة، التي وقفت كالجثة الهامدة، أمام أعراف وتقاليد عائلتها، إلا أن الأخيرة (فاطمة)، لم تخطف منها هذه الأعراف والتقاليد طفولتها ومستقبلها الدراسي كما الحال مع أميمة، بل اغتصبت حقها الاقتصادي الذي يكفله لها القانون، وكذلك الشرع.
تختلف قصتهما كثيرا، وتوحدهم سطوة التقاليد وجبروتها، وما أميمة التي اغتصبت طفولتها وتم الرمي بها وسط الذئاب البشرية بأكبر المدن المغربية، نتيجة تزويجها دون سن الرشد، والضحية التالية التي هضم حقها في الإرث من طرف أخاها الكبير بعد وفاة ولدها، إلا مثالين لكثير من النساء اللواتي يجدن أنفسهن بين مطرقة العرف وسندان القانون.
فإذا كانت أميمة قد أجبرت على الزواج برجل يكبرها ب25 سنة، نزولا عند تقاليد وأعراف المنطقة، فإن هذه التقاليد والأعراف حرمت “فاطمة.ز” ذات 26 سنة، بإقليم قلعة السراغنة، من حصولها على حقها القانوني والشرعي من ميراث والدها الذي وافته المنية منذ سنوات.
وقالت فاطمة، في اتصال مع “بيان اليوم”، إنه بعد مرور قرابة سنة عن وفاة والدها قام أخوها الأكبر باتفاق مع أخيها الأوسط ببيع إحدى الأراضي -أراضي جموع- بالتنازل دون علم أحد من باقي أفراد أسرتها المكونة إلى جانب الأخوين من الأم وإخوتين.
وتابعت فاطمة أنه عند درايتها رفقة أختها بالموضوع ومحاولتهما الوقوف ضد أخويهما واجهتهم الأم ووقفت بصف الإخوة الذكور قائلة إن الأمر قد تم وأن ذلك من حقهما لكون الأخ الأكبر أصبح هو المعيل الوحيد للأسرة بعد وفاة والدهم، وأن هذا ما تقتضيه العادات والتقاليد.
هذين القصتين اللتين توجد تفاصيلهما ضمن طيات هذا الملف الصحفي، وكما تمت الإشارة إليه آنفا، ما هما إلا نموذج لكثير من الطفلات والنساء اللواتي يعانين مع إشكالية النوع الاجتماعي، المتعلقة بالأعراف، وفي مقدمتها تشبث بعض العائلات المحافظة بتزويج الفتاة القاصر واستمرار عملية حرمان المرأة من الإرث ببعض المناطق القروية.
فقد عرف مركز المرأة بالتشريعات الحديثة تطورا مهما، إلا أنه على مستوى التنزيل لا تزال وضعية المرأة تعرف مجموعة إكراهات بمستويات متعددة مثل زواج الفتاة دون سن الرشد، واستمرار العنف الأسري وحرمان المرأة من الإرث ببعض القرى والأرياف، وعدم تمكينها من مناصب المسؤولية وغيرها من مظاهر التمييز التي تضع الترسانة القانونية ومعها المبادئ العامة للنظام العام والأعراف والعادات والتقاليد أمام سؤال الجدوى…
وفي هذا الملف، وحتى لا يتيه القارئ كثيرا بين الإشكاليات المتعددة، التي تتخبط فيها النساء، سنركز أساسا على إشكاليات ظاهرة زواج القاصرات بدرجة أولى، حيث تمكنا من التحقيق في العديد من مكامن الخلل والوصول إلى الإشكاليات الحقيقة وبعض الحلول الممكنة.
أما على مستوى النقطة الثانية التي سنعرج عليها، ضمن هذا العمل، في إطار منحة منظمة انترنيوز عبر مشروع «أصواتنا» الخاص بالصحفيين والصحفيات لإنتاج مقالات وقصص عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، تتعلق (النقطة الثانية) بحرمان المرأة من الإرث، دائما في سياق الأعراف والتقاليد، فلا بد للإشارة لمعاناة المرأة في العديد من المناطق المغربية، من مسألة طغيان الذكور في مسألة الإرث، حيث يحرم الرجال بكثير من العائلات النساء من حقهم القانوني والشرعي في الميراث، بدعوى العرف والتقاليد.
وفي هذا الصدد، ولما له من ارتباط وثيق بالعرف والتقاليد، ونظرا لخوف هؤلاء النساء من اللجوء للقضاء، كان من الصعب الحصول على أرقام دقيقة خاصة من المصادر الرسمية، وبالتالي اكتفينا بسرد قصة فاطمة، التي تلخص حال العديد من النساء، على أمل أن يتدخل الساهرين على نفاذ القانون لحماية هؤلاء النساء من بطش وجبروت الرجال، وتوعية الأخيرين وتفقيههن بخطورة ما يقدمون عليه. كما أنه في هذا الصدد تم التواصل مع الدكتورة سعاد بنور، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -عين الشق جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء، التي وضعت يدها على هذه الإشكالية المهمة التي أضحت تؤرق المجتمع النسائي.

إنجاز: عبد الصمد ادنيدن

سطوة العرف وجدوى التشريع

الإشكالية وقطب الرحى

شهد السياق التشريعي الوطني في السنوات الأخيرة حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة والعمل بشكل جدي على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في مخططات السياسات العمومية ضمانا للمساواة بين الجنسين و تكريسا لجعل هذه المقاربة رافدا جوهريا في إقرار وضعية عادلة و منصفة، وهو ما عبرت عنه توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
وتعتبر مدونة الأسرة من القوانين الأكثر صلة بالمرأة باعتبارها عنصرا جوهريا في أي بناء أسري، والتي أضحى حسب عدد من القوى المهتمة بالشأن الحقوقي، (أضحى) لزاما إعادة النظر في جانب مهم من مقتضياتها في أفق استيعابها للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي ومن أجل رد الاعتبار للمرأة والاعتراف بمكانتها داخل المجتمع وبالأدوار الطلائعية التي أصبحت تضطلع بها في مختلف المجالات.
وفي هذا الإطار أجمعت العديد من الجمعيات والأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية، ناهيك عن التقارير الدولية وتقارير المؤسسات الدستورية، في السنوات الأخيرة، على ضرورة وضع حد لظاهرة تزويج القاصرات في بلادنا لما لها من نتائج سلبية وخيمة على الطفلات والأسرة و المجتمع.

ويشكل استمرار هذه الظاهرة إحدى الانشغالات الحقيقية لكافة الفعاليات، لما تخلفه من آثار نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية على القاصرات ضحايا هذا النوع من الزواج.
ويعد إبقاء مدونة الأسرة في مادتها ال20 على زواج القاصرات، أساس الإشكالية وقطب الرحى للظاهرة، علما بأن زواج الطفلات، كما تمت الإشارة إليه آنفا، له عواقب وخيمة على صحتهن الجسدية والنفسية، ويؤدي إلى حرمانهن من حنان الأبوين في سن مبكرة مما يجعلهن غير مؤهلات نفسيا لتربية الأبناء كما يحرمهن من متابعة دراستهن فضلا عما يحمله من مصادرة للإرادة وعنصر الرضى.
كما أن زواج القاصر يتنافى في عمقه مع جملة من الأحكام الواردة في المواثيق الدولية المعتمدة من لدن الدولة المغربية كالمادة 1 من اتفاقية “سيداو” التي تمنع التمييز بين الزوجين وتقر تمتعهما بحقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه، والمادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فضلا عن مخالفة ذلك لاتفاقية حقوق الطفل الصادر بتنفيذها الظهير المؤرخ في 21 نونبر 1996 في الجريدة الرسمية عدد 4440 بتاريخ 19 دجنبر 1996، وتحديدا مادتها الأولى التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره.

فراغ قانوني

لا غروة أن مدونة الأسرة مثلت خطوة هامة للغاية وقت صدورها سنة 2004، بخصوص وضعية المرأة والطفل، بفضل ما جاءت به من مكتسبات في سبيل ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة داخل مؤسسة الأسرة، وتمكين الأطفال من مجموعة من الحقوق، إلا أنها بالمقابل ترکت مساحات فراغ لم تقدم إجابات حقيقية عنها، بما يستحضر المصلحة الفضلى للطفل، وعلى رأسها تزويج القاصرات.
فبالرغم من تنصيص المادة 13 من مدونة الأسرة على أنه من بين الشروط الواجب توفرها في عقد الزواج “أهلية الزوج والزوجة”، وتأكيد المادة 19 على أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين، بقواهما العقلية، ثمان عشرة سنة شمسية. بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 4 باعتبار أن الزواج هو میثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة، والمادتين 10 و11 بتنصيصهما على ضرورة توفر الإيجاب والقبول بين الطرفين.
نجد بالمقابل أن المادة 20 من مدونة الأسرة تنص على أنه: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي” و”مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”، وهو الاستثناء الذي يخول لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، وعدم التقيد بالقاعدة الأولية المتعلقة بشرط الأهلية المنصوص عليها في المادة 19.
وهو ما يوضح أن الأمر يتعلق ب”التزويج بحمولته القسرية” لانتفاء الأهلية القانونية لدى الطفلات في إبرام عقود الزواج وانعدام الرضا كمحدد أساسي في التصرفات وليس بالزواج الذي يكتمل بالرضائية.
وفي نفس الاتجاه تنص المادة 21 على أن “زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وتتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد” و”إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع”.
كما تنص المادة 22 على أنه: “يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه، الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات” و”يمكن للمحكمة بطلب أحد الزوجين أو نائبه الشرعي، أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني وطريقة أدائها”.
غير أن الملاحظ من خلال الممارسة أن المقتضيات الاستثنائية لمدونة الأسرة، والتي كان من المفترض أن تجيب عن بعض الحالات الخاصة والاستثنائية، أضحت هي القاعدة.
كما أنه لا بد للإشارة بناء على الاحصائيات الرسمية أن نسبة 99 بالمائة من طلبات الزواج خلال الفترة 2007-2018 تتعلق بالفتيات، مما يؤكد أن الظاهرة تهم الإناث أساسا، لأن نسبة الذكور تظل قليلة جدا.

تراجع العقود الموثقة وتفاؤل لوزارة العدل

تشير الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة العدل، من خلال تقرير لها عن المرأة في منظومة العدالة، الصادر في 8 مارس 2021، أن عدد العقود المتعلقة بتزويج الطفلات بلغ 25.514 عقد، بنسبة 9.13 بالمائة، من مجموع عقود الزواج المبرمة خلال سنة 2018، فيما بلغ عدد العقود المتعلقة بتزويج الطفلات سنة 2019 ما مجموعه 20738، بنسبة 7,53 بالمائة من مجموع عقود الزواج.
وأشار التقرير ذاته إلى أنه خلال سنة 2014 تم تسجيل 33.489 عقدا، وانخفض هذا العدد سنة 2015 ليصل إلى 30.230 عقدا، وانخفض خلال سنة 2016 إلى 27.205 عقدا، واستمر الانخفاض خلال السنوات الموالية ليصل سنة 2019 إلى 20.738 عقد زواج، وهو أقل رقم يتم تسجيله منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، حسب المصدر نفسه.
وقد قمنا بمحاولة عرض مختلف الأرقام التي تهم عدد العقود المتعلقة بتزويج الطفلات، خلال السنوات العشر الأخيرة، بناء على الأرقام التي حصلت عليها بيان اليوم من وزارة العدل، من خلال الجدول والرسم المبياني التوضيحيين، المرفقين.
هذا واعتبرت وزارة العدل في تقريرها، أنه “إذا كانت النتائج التي أظهرتها الإحصائيات لا ترقى إلى التطلعات، فإنه ينبغي التسجيل أن زيجات القاصرين تتجه نحو الانخفاض سنة بعد أخرى”.
وأشارت الوزارة، من خلال التقرير عينه، إلى أنها تفاعلت بإيجابية مع مقترح قانون يرمي إلى تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، حيث ينص التعديل على ما يلي: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، على أن لا يقل سن المأذون له عن ست عشرة سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي. وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.
وأكدت الوزارة على أنها أولت اهتماما خاصا لهذا النوع من الزواج منذ صدور مدونة الأسرة بحيث تتابعه عن كثب، وقد عملت على اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل التطبيق الأمثل للمقتضيات التي نصت عليها مدونة الأسرة فيما يتعلق بزواج القاصر، لكي لا يتحول الاستثناء إلى أصل.

تحويل من الاستثناء إلى القاعدة

رغم المنحى الإيجابي، الذي سجلته إحصائيات وزارة العدل، لا بد من الإشارة إلى أنه خلال الفترة ما بين 2011 و2018 حصلت 85 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص، وهي الأرقام الصادمة التي توضح من جهة، استفحال ظاهرة تزويج القاصرات، ومن جهة أخرى توضح أن السلطة التقديرية للقضاء اتجهت بشكل كبير نحو التحويل التدريجي لمبدأ الاستثناء إلى قاعدة، وهو ما يؤكده العدد المرتفع لقبول طلبات تزويج القاصرات، والذي رغم تراجعه حسب وزارة العدل فإنه يبقى مرتفعا جدا.

النيابة العامة.. طرف

تعتبر النيابة العامة، بنص المادة 3 من مدونة الأسرة، طرفا أصليا في كل القضايا ذات الصلة بتطبيق أحكام هذه المدونة. وهو ما يسمح لها أن تدافع عن المصالح الأساسية للمجتمع، ولا سيما حينما يتعلق الأمر بالحفاظ على تماسك الأسرة وحماية الأطفال والقاصرين مثا.
وفيما يخص حماية حقوق الأطفال، فإن المادة 54 من مدونة الأسرة جعلت أعضاء النيابة العامة هم المسؤولون على مراقبة حماية الحقوق التي سطرتها هذه المادة، وفيما يخص تزويج القاصر فإنهم يلتمسون في إطار المواد (20 و21 و22) من المدونة إجراء الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية الضرورية لمراعاة مصلحة القاصر والمساعدة على اتخاذ القرار الملائم لحالته النفسية والصحية واالجتماعية.
كما أنه تبعا للدورية رقم 20 س/ ر.ن.ع بتاريخ 29 مارس 2018 التي سبق لرئيس النيابة العامة أن وجهها إلى قضاتها، والرامية إلى ضرورة توخي المصلحة الفضلى للطفل فيما يخص تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة بزواج القاصرين، من المفروض أن تقوم النيابات العامة بالمحاكم بتقديم ملتمسات تنسجم وغايات المشرع من إقراره هذا الزواج على وجه الاستثناء، وذلك بالتماس إجراء أبحاث اجتماعية وخبرات طبية لحفظ الصحة البدنية والنفسية للقاصر، وتكريس الحماية الواجبة للأطفال الراغبين في الزواج.

استئثار للإهتمام

إذا كانت وزارة العدل ترى الأمور من زاوية “إيجابية” وتلاحظ تراجعا كبيرا في أرقام زيجات القاصرات، فإن الأمر لا يزال يثير قلق النيابة العامة، ويستأثر اهتمامها.
وفي سياق متصل، قال رئيس النيابة العامة، أن القضاء تلقى عام 2019 أكثر من 27 ألف طلب لتزويج قاصرات (أقل من 18 عاما).
وأضاف الداكي في ندوة مشتركة للنيابة العامة ووزارة التربية الوطنية، بمدينة مراكش، خلال أبريل الماضي، أن زواج القاصرات من القضايا الكبرى في المجتمع، “لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة”.
وتابع المتحدث نفسه: “إذا كنا كقضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو-ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإننا بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة. وهو الأمر الذي يدعونا لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل، كما أن الوضع يتطلب كافة المتدخلين لحماية الأطفال لتكثيف الجهد للحد من الظاهرة”.
تسجيل تراجع

في سياق متصل، كشف تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2019، أن عدد قضايا الزواج وتبوث الزوجية في شقها المتعلق بزيجات دون شن الرشد، خلال سنة 2019 وصل ما مجموعه 27623.
وأوضح التقرير عينه، أن النيابة العامة قدمت في هذه القضايا 16141 ملتمس لرفض الزواج، و7936 ملتمس استجابة لطلب الزواج، فيما قدمت 3545 ملتمس يرمون إلى تطبيق القانون أو إلى الإشهاد على التنازل وغيرهما، كما هو موضح في الجدول المرفق.++++++
والملاحظ أن عدد ملتمسات النيابة العامة المرتبطة بزواج القاصر تراجع خلال سنة 2019 مقارنة مع سنة 2018 بنسبة 18%. غير أن مايستوجب التنويه به في هذا الصدد، هو أن 58.4% من ملتمسات النيابة العامة حول قضايا زواج القاصر التي قدمت خلال 2019 ترمي إلى رفض الإذن بالتزويج، مقابل نسبة 36% خلال سنة 2018.
ونتيجة لذلك فإن ملتمسات النيابة العامة حول الاستجابة لطلبات الإذن بزواج القاصر لم تتجاوز 28.7% مقارنة مع سنة 2018 حيث بلغت 55% بما يعادل 18442 ملتمس، وشكلت بذلك انخفاضا ملحوظا.

الحجم الحقيقي

رغم ما كشفت عنه مختلف التقارير من الأرقام المتعلقة بتزويج الطفلات والتي تظل مرتفعة للغاية وتدعو للقلق في جميع الأحوال، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن الحجم الحقيقي لتزويج القاصرات يظل غير معروف، لأن الإحصائيات لا تأخذ بعين الاعتبار إلا طلبات تزويج الطفلات والزواج المبرم، وبالتالي فإن زواج الأطفال غير الموثق شرعيا “زواج الفاتحة”، والذي تعرفه عدد من المناطق المغربية، يبقى خارج هذه الإحصائيات، كما أشارت إلى ذلك مذكرة لحزب التقدم والاشتراكية نهاية يناير 2021.

عائق للتنمية

من جهة أخرى، نجد أن المعطيات والإحصائيات المستقاة من عدد من التقارير والدراسات المنجزة خلال العقود الأخيرة، لهيئات دولية ووطنية وجمعيات، أجمعت على خطورة الظاهرة، وانعكاساتها السلبية، لكونها تشكل عائقا حقيقيا يحول دون تحقيق التنمية، بسبب تقليصه حظوظ الطفلات في تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، خاصة وأن حوالي 99 بالمائة من الطفلات اللواتي تم تزويجهن تتراوح أعمارهن ما بين سن 15 و17 سنة (رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2019 حول موضوع تزويج الطفلات)، علما أن القضاء على تزويج الطفلات يفرض نفسه باعتباره هدفا من أهداف التنمية المستدامة بحلول سنة 2030.
دعوات وطنية ودولية لإلغاء الاستثناء

إن هذه المؤشرات والإحصائيات الخطيرة، من جهة، والمتغيرات السياسية والتشريعية والاجتماعية من جهة أخرى، تطرح بقوة، حسب عدد من المتدخلين، ضرورة مراجعة مدونة الأسرة من خلال إلغاء الاستثناء، ووضع حد لتزويج الطفلات بشكل نهائي.
خاصة وأن مسالة وضع حد لتزويج الطفلات يظل موضوع توصيات وملاحظات العديد من الآليات الدولية بمناسبة تقديم المغرب لتقاريره الوطنية حول مدى تقدم الوضع الحقوقي بالمملكة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
> التوصية رقم 43 المقدمة من قبل اللجنة حقوق الطفل ضمن الملاحظات الختامية بشأن التقرير الجامع للتقريرين الدوريين الثالث والرابع للمغرب في جلستها 1929، التي عقدت في 19 شتنبر 2014، و التي جاءت كالاتي :” تلفت اللجنة انتباه الدولة الطرف إلى العواقب الوخيمة الكثيرة الناشئة عن الزواج المبكر، وتحثها على الامتناع عن خفض الحد الأدنى لسن الزواج إلى 16 عاما. وعلى اتخاذ تدابير فعالة من أجل وضع حد للزواج المبكر والزواج بالإكراه”.
> كما جاء في الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للمغرب للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية 22 الصادر في اكتوبر 2015، على أنه “تدعوا اللجنة الدولة الطرف إلى تعديل مشروع القانون لتحديد الثامنة عشرة سنا أدنى للزواج، و إلغاء المادة 20 من قانون الأسرة التي تجيز للقاضي إعطاء الإذن بالزواج قبل السن القانونية المحددة، وهي سن 18 عاما”.
> وهو نفس الاتجاه الذي سارت فيه التوصيات الصادرة عن الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل عن المغرب في جولته الثانية (بتاريخ 25 ماي 2012) و جولته الثالثة (بتاريخ 5 ماي 2017) والتي دعت المغرب إلى مراجعة مدونة الأسرة في اتجاه منع زواج القاصرات.
كما أن حظر تزويج القاصرات كان أيضا موضوع توصيات مؤسسات دستورية وطنية، ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي كان عنوانه: “ما العمل أمام استمرار تزويج الطفلات بالمغرب” الذي أصدره في إطار إحالة ذاتية سنة 2019، حيث جاء على رأس توصياته ضرورة نسخ المواد 20 و 21 و 22 من مدونة الأسرة، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه أيضا في تقريره حول فعلية حقوق الطفل سنة 2016.
وكذا التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2019 الصادر في مارس 2020، الذي أكد في التوصية رقم 15 على ضرورة تعديل مدونة الأسرة، وخاصة إلغاء الاستثناء الوارد في المادة 20 الذي يسمح بتزويج الطفلات و الأطفال.
كما تقدمت عدد من الأحزاب السياسية خلال السنوات الآخرة بمقترحات قوانين ترمي إلى القضاء على هذه الظاهرة والحد منها، والتي تم التفاعل معها بشكل إيجابي، في انتظار تفاعل عملي يقضي للحد منها.

التقدم والاشتراكية يدعو للمنع التام لتزويج القاصرات

ومن أبرز المقترحات التي عرفتها الساحة التشريعية، ما تقدمت به المجموعة النيابية لفريق حزب التقدم والاشتراكية، خلال الولاية التشريعية العاشرة (2016-2021)، نهاية يناير 2021، من مقترح قانون يمنع تزويج الطفلات، عبر نسخ المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة، والتي تمثل استثناءات تشريعية تأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، المنصوص عليه في المادة 19 من القانون ذاته.
وأبرزت المجموعة النيابية، في المذكرة التقديمية لمقترح القانون، أن مدونة الأسرة، وإن كانت قد جاءت بمكتسبات وخطوات مهمة وقت صدورها، فإنها بالمقابل تركت مساحات فراغ لم تقدم إجابات حقيقية عنها، بما يستحضر المصلحة الفضلى للطفل، وعلى رأسها تزويج الطفلات.
ولفتت المذكرة إلى استمرار ظاهرة تزويج الطفلات في بلادنا إحدى الانشغالات الحقيقية للحركة الحقوقية، مشيرة أن مختلف مكونات القوى الحية المدنية والسياسية وطنيا ودوليا، عبرت عن ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة لما لها من نتائج سلبية على الطفلات و الأسرة والمجتمع.
وتابع المصدر ذاته أنه، يتبين من خلال الممارسة أن المقتضيات “الاستثنائية” لمدونة الأسرة، والتي كان من المفترض أن تجيب عن بعض الحالات الخاصة والاستثنائية، “أضحت هي القاعدة”.
وعرجت المذكرة على الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل سنة 2018، التي جاء فيها أن عدد العقود المتعلقة بتزويج الطفلات بلغ 25.514 عقدا، بنسبة 9.13 بالمائة، من مجموع عقود الزواج المبرمة خلال نفس السنة، و هي النسبة التي تظل مرتفعة جدا. كما تم تسجيل 32.104 طلب زواج سنة 2018 مقابل 30.312 طلبا سنة 2016، كما تمّ خلال الفترة ما بين 2011 و2018 حصلت 85 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص.
واعتبرت المذكرة أن هذه الأرقام “الصادمة”، توضح من جهة، استفحال ظاهرة تزويج القاصرات، ومن جهة أخرى توضح أن السلطة التقديرية للقضاء اتجهت بشكل كبير نحو التحويل التدريجي لمبدأ الاستثناء إلى قاعدة، ما يؤكده العدد المرتفع لقبوله لطلبات تزويج الطفلات.
في السياق ذاته، تشير المذكرة أن بالرغم من خطورة الوضع الذي تعكسه الأرقام المتعلقة بتزويج الطفلات والتي تظل مرتفعة للغاية وتدعو للقلق، فإن الحجم الحقيقي لتزويج الطفلات يظل غير معروف، لأن الاحصائيات لا تأخذ بعين الاعتبار إلا طلبات تزويج الطفلات والزواج المبرم، وبالتالي فإن زواج الأطفال غير الموثق شرعيا “زواج الفاتحة”، يبقى خارج هذه الاحصائيات.
وشدد المصدر ذاته، أن هذه المؤشرات والاحصائيات الخطيرة، والمتغيرات السياسية والتشريعية والاجتماعية، “تطرح بقوة ضرورة مراجعة مدونة الأسرة من خلال إلغاء الاستثناء، ووضع حد لتزويج الطفلات بشكل نهائي”.
ودعت المجموعة البرلمانية في هذا الإطار، إلى وجوب التنصيص صراحة على أن أهلية الزواج هي 18 سنة كاملة، وإلغاء الاستثناء الذي أصبح قاعدة لتزويج الطفلات، عبر نسخ ومراجعة الفصول ال20و21و22 من مدونة الأسرة بما يتلاءم ومقتضيات دستور 2011، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، ما من شأنه أن يعتبر مدخلا أساسيا للقضاء على تزويج الأطفال والطفلات، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل.

القضاء على الظاهرة

من خلال جل التقارير الوطنية والدولية التي اطلعت عليها جريدة بيان اليوم، فضلا عن آراء ومواقف مختلف الفرقاء، يتضح أن الطريق نحو القضاء على الظاهرة يبدأ من إلغاء المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة التي تسمح بتزويج الفتاة القاصر دون سن الزواج القانوني انسجاما مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ومع باقي القوانين الوطنية التي حددت سن الأهلية القانونية في الثامنة عشرة سنة شمسية كاملة، و ذلك بجعل سن زواج الفتاة محددا في 18 سنة ضمانا لحقها في استكمال دراستها وحفاظا على توازنها النفسي و صيانة لمبدأ المساواة بين الجنسين.

***

ضحية: الأعراف والقانون اغتصبا طفولتي في سن 15 ورميا بي للشارع

قالت إنها تعرضت لكافة أنواع العنف الجنسي والجسدي والنفسي

بقلب يعتصره الأمل، شاركت أميمة، التي لا يتجاوز عمرها 17 سنة، مع جريدة “بيان اليوم”، تفاصيل تحول حياتها، من طفلة تلعب وترتع بين أحضان طبيعة القرية التي تبعد عن مدينة الجديدة قرابة 65 كلم جنوبا، وتلميذة تتلمس طريقها نحو أحلامها الوردية، إلى بائعة هوى ومجرد جسد يتهافت وراءه باحثين عن ليالي حمراء ماجنة، ومصابة بسرطان القولون تتخبط بين مستشفيات العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حيث استقرت بعد انتهاء زواجها الذي لم يدم سوى سنتين ونيف.  
تنتمي أميمة، ضحية الزواج دون سن الرشد، لبيئة محافظة جدا، في أحد الدواوير بإقليم دكالة، وكانت تتابع دراستها في أحد المدارس المنعزلة عن المنطقة التي تقطن فيها، مكابدة عناء الذهاب والإياب، والأحوال الطقسية، والظروف المادية، أملا في حصولها على شهادة تعليمية عليا، تؤهلها لشغل محترم، تمكن به نفسها وأسرتها اقتصاديا، قبل أن تفاجأ يوما حين عودتها من مدرستها، بوالديها ينتظرونها والفرحة تعلو محياهم، “فرحي يا بنتي جاك زمانك”.
لم يكن أمام أميمة، حسب روايتها، ما تفعله أمام قرار أسرتها الذي يعد نهائيا وغير قابل للنقاش، وفقا لأعراف وتقاليد المنطقة، كما أنها بدورها رحبت به في الأخير، بعدما تواصلت مع الزوج المفترض الذي يكبرها ب25 سنة، ذو الثقافة المحدودة جدا والمنحدر بدوره من محيط تقليدي لا يفهم في التعامل والأخلاق إلا ما تيسر له من قراءة بعض الآيات القرآنية في المسجد، خاصة بعدما رسم لها أحلاما وقدم لها وعودا، ظنت معها أن باب “الجنة” فتح لها على مصراعيه.  
تزوجت أميمة، بعد إقناع وإلحاح والديها، وما قدم لها بدوره من وعود، من الرجل الذي كانت تنتظر منه أن يلاعبها خاصة وأنه كان يشتري لها في كل عيد قبل عقد قرانهما هدايا كثيرة طمعا في محبتها وضمان مستقبلها ماديا ومعنويا ومستقبل أهلها أيضا، تاركة وراءها أحلامها وآمالها معلقة على جدران المدرسة، وطفولتها بين أحضان الطبيعة التي تلعب وترتع وسطها رفقة قريناتها.
دخلت القفص الذي ظنته ذهبيا، وكلها طموح برفاهية تغنيها عن تعب البحث عن الذات والدراسة والاستقلال، موجهة سهام النقد لزميلاتها في حظها الذي لم يكن من نصيبهن، في ظل انتشار ثقافة الزواج المبكر بالمنطقة والخوف من العنوسة، محتفلة بزفافها أمام العلن.
صمتت أميمة برهة، تنفست بعمق كبير، وارتشفت بعضا من فنجان قهوتها، ثم أشعلت سيجارتها، وعادت للحديث بنبرة يغلبها الحزن والألم، قائلة : “لم يدم زواجي إلا شهورا قليلة بسبب الواقع الحي المتعالي عن كل ما هو خيالي وتوقعت تحقيقه من خلال ما كان أهلي يحكونه لي من إيجابيات الزواج بالنسبة لكل فتاة مقارنة مع نظيرتها المستقلة العازفة عن الزواج”.
وتابعت الضحية التي التقتها بيان اليوم بإحدى مقاهي البيضاء “وجدت نفسي طفلة زوجة تعمل على زوجها وأهله، كان علي الإستيقاظ مبكرا والقيام بمشاق المطبخ من تحضير الأكل والغسل والكنس ورعي الغنم والبقر ومراعاة ظروف الحماة العجوزة الشريرة التي كانت تعاملني كخادمة عندها، فضلا عن شقاء الزوج أيضا الذي يعود متأخرا في كل ليلة ووجب علي مضاجعته ليفرغ تعب اليوم بطوله كأنني مجرد جسد وأداة للعمل والإشباع”.
لم تتوقع أميمة أن واقع الزواج الذي كان ينتظرها بهذا الشكل، خاصة أنه بعد أول دخلة للزوج بها منحها هاتفا حديثا وبعض القروش المالية البخسة تقييما لجسدها الفتي ولبكرتها التي احتفظت بها إلى ليلة دخلتها والتي تعكس عفتها وأخلاقها في نظر الزوج وكأنه يؤدي عن ليلة عاهرة عاشرها حسب تعبيرها.
تحكي القاصر أنه كان سادي الطبع ويعنفها في الفراش، لفظيا وجسديا، ويمارس عليها كل نزواته حتى الشاذة منها دون اعتبار لرغبتها، باعتباره شخص متسلط، عديم الرحمة، عديم المسامحة لمن أخطأ بحقه بقصد أو دون قصد، حيث كان يسعى بكل الطرق لتحقيرها وإهانتها وإذلالها أمام حماتها وإخوانه الآخرين، وجرح كرامتها، ويتلذذ بذلك، حيث كان يصعب عليها اقتراح رأيها في كيفية مضاجعتها، نظرا لما يتصف به من تعصب لرأيه وفكره، وعقاب من ينتقده.
لقد توقعت السيدة أن تكون حياتها الزوجية كأول دخلة لها بالهدايا والكلام المعسول الذي كان يترنم على مسامعها في كل مرة تتابع فيلما هنديا، لكن الواقع في تجربتها كشف لها عن الإساءة إليها جنسيا وبدنيا إضافة إلى العديد من الفضائح المتسمة بالعنف والقسوة في تعاملاته الجنسية، حيث كانت متعته في إنزال الألم ها بالضرب والتقييد والشتم والوحشية بحقها.
لقد كانت الطفلة الضحية في جهل تام بما يمارس في حقها، وكانت كل ما تردده هو تعنيفه لها دون وعيها بطبيعة العنف الممارس عليها، كان يربطها حسب وصف الفتاة، ويمارس عليها الجنس دون مقاومة وتفاعل من طرفها، وكررت أنه ما كان عليها سوى الخضوع له وتنفيذ رغبته في الممارسة الجنسية كيفما يريد وبالأسلوب الذي يرغب. وهذا ما دفعها لطلب الطلاق وخاصة وأنه قد تسبب لها بمضاعفات جسدية على مستوى جهازها التناسلي وحتى على مستوى الشرج حيث أصيبت بالفطريات، ولم تعد تستطيع قضاء حاجتها.
اضطرت أميمة للهرب ذات ليلة من بيت الزوج لبيت والديها مختبئة من تعسف الزوج في حقها وهي الفرصة التي لاحظت فيها والدتها أثر التعنيف في جسدها عاجزة الفتاة عن الجلوس بشكل طبيعي.
وقالت أميمة: “لم ترغب أسرتي في رفع دعوة قضائية لاسترجاع كرامتي وحقوقي مخافة من كلام الناس وسلطة الزوج وقوته في محيطه الاجتماعي، لكنني رفضت الرجوع لبيت الزوجية بسبب ما عانيته مع الزوج وأهله، ولجأت لإحدى الجمعيات الحقوقية طلبا للمساعدة، وفعلا بعد تدخلات رئيسة الجمعية رفعت دعوى قضائية رغم معارضة أهلي لذلك، مما دفع الزوج للجلوس على طاولة الحوار مع أسرتي بعد فشله في إيجاد مخرج من تهمة التعسف والاعتداء الذي مارسه علي دون حق”.
وتابعت أميمة أن الزوج استغل من جديد الضعف الاقتصادي والاجتماعي لأسرتها ليشتري صمتهم في عدم الشهادة لصالح الفتاة في المحكمة بقيمة 20 ألف درهم ناهيك عن ضغط الأسرة العاطفي على الطفلة مما جعلها تقبل بالعرض شريطة الطلاق التوافقي بالشقاق مع التزام الصمت عن كل ما يهدد الزوج بالسجن نتيجة ممارساته العدوانية تجاهها.
تطلقت أميمة، وهكذا أصبحت حرة طليقة، إلا أنها تخلصت من معاناة الزواج، لتجد نفسها مباشرة في مواجهة مجتمع لا يرحم، حيث عانت الإقصاء داخل محيطها مما دفع بها إلى السفر عند أحد أقاربها في مدينة البيضاء بحثا عن جو جديد يسعفها في نسيان ماضيها وهروبا من ضغط الأسرة النفسي… غير أن اكتشاف الفتاة لفضاء مدني جديد مغاير عما اعتادت عليه في البادية، وعدم وجود من يوجهها، أمام نمط حياة الناس المختلف والدافعية للتحرر الغائبة في البادية تحت مسميات “حشومة وعيب وعار وحرام”، وجدت أميمة نفسها مرة أخرى ضحية للذئاب البشرية، حسب تعبيرها.
وهكذا كانت قصة أميمة، التي دخلت قفص الزواج دون سن الرشد، عن جهل تام بما كان ينتظرها، تاركة دراستها، ليسافر بها عبر مطبات الحياة من بلدة صغيرة، إلى أكبر المدن المغربية حيث تقضي أوقاتها بين حاناتها مع الراغبين في إشباع رغباتهم مقابل بعض من المال، تسدد به حاجياتها اليومية، وتتابع به حالتها الصحية التي نزلت عليها كالصاعقة في الأسبوع الأخير، حيث اكتشفت إصابتها بسرطان القولون.

***

3 أسئلة للقاضية أمينة أفروخي* 

انتشار ظاهرة زواج الطفلات يرجع في عمقه إلى توجهات ثقافية وعادات اجتماعية والنيابة العامة تلعب دورا محوريا في مسطرة هذه الزيجات

قالت القاضية أمينة أفروخي، رئيسة قطب النيابة العامة المتخصصة والتعاون القضائي برئاسة النيابة العامة، القاضية أمينة أفروخي، إن زواج القاصر ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي…، مؤكدة أن المقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل إنها ليست الأساسية.
وشددت القاضية أفروخي، في تفاعلها مع أسئلة جريدة “بيان اليوم”، على أن النيابة العامة تلعب دورا محوريا في مسطرة زواج القاصرات، حرصا على أن لا تتم هذه الزيجات إلا بصفة استثنائية وعند توفر الشروط القانونية والموضوعية، رعاية للمصلحة الفضلى للقاصرات، وسعيا لأن لا يكون ذلك الزواج سببا في ارتفاع نسب الهدر المدرسي بين صفوف الأطفال ووسيلة للاستغلال بشتى أنواعه.

-1 أين يتجلى نشاط النيابة العامة فيما يخص زواج القاصرات؟
بناء على مقتضيات الفصل 32 من الدستور التي تنص على أن الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، وعلى أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.
وبناء على المادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة، والتي تدعو إلى مراعاة المصلحة الفضلى للطفل في جميع الإجراءات التي تقوم بها المحاكم والسلطات الإدارية والهيئات التشريعية ومؤسسات الرعاية.
وبناء على أحكام المادة 54 من مدونة الأسرة التي تنص على أن الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم طبقا للقانون ومن أن النيابة العامة هي الساهرة على مراقبة تنفيذ هذه الأحكام.
واستنادا لمقتضيات المادة 3 من نفس القانون التي تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة.
فإن النيابة العامة تلعب دورا محوريا في مسطرة زواج القاصرات، حرصا على أن لا تتم هذه الزيجات إلا بصفة استثنائية وعند توفر الشروط القانونية والموضوعية، رعاية للمصلحة الفضلى للقاصرات، وسعيا لأن لا يكون ذلك الزواج سببا في ارتفاع نسب الهدر المدرسي بين صفوف الأطفال ووسيلة للاستغلال بشتى أنواعه.
وانسجاما مع فلسفة التشريعات الوطنية والاتفاقيات ذات الصلة بحماية حقوق الطفل التي تعتبر أن البيئة الطبيعية لنمو الطفل هي كنف أبويه، وأن المكان السليم لتطوير مداركه وقدراته الذهنية هو المدرسة، وأن مسؤولية إنشاء الأسرة لا تتناسب مطلقا مع صغر سنه وعدم اكتمال نموه.
وتفعيلا لمجال حماية الأطفال في مدونة الأسرة، عملت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها على إصدار دوريات في هذا الصدد، تضمنت تعليمات مباشرة للنيابات العامة قصد تفعيل دورها الأساسي في مسطرة الإذن بزواج القاصر وذلك بغية الحد من هذه الظاهرة، وذلك من خلال:
– الحضور بجلسات الإذن بزواج القاصرات وإبراز ما قد ينجم عنه من انعكاسات سلبية على جميع المستويات.
– الحرص على تقديم ملتمسات للقضاة تنسجم مع غايات المشرع من إقرار هذا الزواج على وجه الاستثناء، ومعارضة الطلبات التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر.
– الحرص على تقديم ملتمسات بالاستماع للقاصر على انفراد للتأكد من إرادتها في الزواج وعدم وجود أي ضغط أو إكراه.
– تقديم ملتمسات للقضاة من أجل جعل جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن تترتب عن الزواج المبكر، والاستعانة في ذلك -إذا اقتضى الأمر- بالمساعدات الاجتماعيات.
-تقديم ملتمسات بإجراء بحث اجتماعي بواسطة المساعدة الاجتماعية، للتأكد من الظروف المحيطة بطلب الإذن بالزواج ومدى ملاءمته لمصلحة القاصر.
– تقديم ملتمسات بإجراء خبرة طبية للتأكد من القدرة الجسمانية والنفسية للقاصر على الزواج وإن اقتضى الحال طلب إجراء خبرة ثانية.
-تقديم ملتمسات بالاستماع للخاطب حتى يتسنى للمحكمة التحقق من وضعه الاجتماعي والاقتصادي وكذا سنه ومدى كفاءته تحقيقا لغاية المشرع من اشتراط بحث اجتماعي قبل الإذن بزواج القاصر.
– التأكد من عدم وجود موانع للزواج، سواء كانت مؤقتة أو دائمة.
فضلا عن ذلك، فإن حماية القاصر المطلوب للزواج تقتضي الاعتداد بموطنه الحقيقي في تحديد الاختصاص، لذلك تحرص النيابة العامة على تقديم ملتمسات بعدم الاختصاص بالنسبة لطلبات الزواج المتعلقة بقاصرين لا يقيمون بدوائر نفوذ قاضي الأسرة المكلف بالزواج الذي يقدم له الطلب باعتبار ذلك شرطا أساسيا لإجراء الأبحاث.
-2 هل تجد النيابة العامة في بعض المناطق تأثيرا قويا للأعراف والتقاليد على زواج القاصر؟ وكيف تتعامل مع هذا الوضع؟
انتشار هذه الظاهرة يرجع في عمقه إلى توجهات ثقافية وعادات اجتماعية مؤيدة للزواج المبكر.
في هذا الصدد، عملت رئاسة النيابة العامة على توقيع اتفاقية شراكة بينها وبين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في مجال إلزامية التعليم الأساسي من أجل الحد من الهدر المدرسي، تنفيذا لإعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، الذي تم التوقيع عليه بين يدي صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم.
وبموجب هذه الاتفاقية أهابت رئاسة النيابة العامة بالسيدات والسادة قضاة النيابة العامة التنسيق مع السادة المديرين الإقليميين للتربية الوطنية للإشعار بكل حالة تتعلق بالهدر المدرسي يتسبب فيها أحد الأبوين في حق أبنائه القاصرين خاصة الفتيات اللاتي يتم تعمد حرمانهن من التمدرس بعد بلوغهن سنا معينة لأجل الزواج، وذلك حتى يتسنى للنيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لحماية الأطفال وضمان أمنهم التربوي والتي قد تصل إلى حد المتابعة الزجرية التي نص عليها القانون 04.00 المتعلق بإلزامية التعليم الأساسي.  

-3 هل تقدمت النيابة العامة ببعض المقترحات في إطار تحسين التشريع للحد من ظاهرة زواج القاصر؟
تخصص رئاسة النيابة العامة سنويا حيزا هاما من تقريرها حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لرصد وتحليل المعطيات الإحصائية المتعلقة بقضايا العنف ضد النساء بشكل عام وقضايا زواج القاصر على وجه الخصوص، اقتناعا منها بأن هذا الرصد وسيلة فعالة لتتبع الظاهرة واتخاذ القرارات المناسبة والأنجع بشأنها.
ولقد كانت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها تسعى دائما إلى مواكبة انشغالات المجتمع من خلال طرح القضايا التي تستأثر باهتمامه للنقاش ومقاربة أية ظاهرة اجتماعية، يشتبه في انتهاكها لحقوق الإنسان عامة ولحقوق الطفل خاصة، مقاربة تقوم على أسس علمية من أجل فهم دقيق وصحيح.
ومواكبة منها لموضوع زواج القاصر وتفاعلا منها مع النقاش المجتمعي الدائر حول الزواج المبكر، وما له من انعكاسات وخيمة على الصحة النفسية والبدنية للطفل، جعلت رئاسة النيابة العامة زواج القاصر في صلب اهتمامها منذ شروعها في ممارسة مهامها بعد استقلال السلطة القضائية وعبرت عن ذلك، من خلال عدة دوريات تحث من خلالهما قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل ومصالحه الفضلى.
كما أن رئاسة النيابة العامة تؤمن دائما بعدم جدوى العمل الفردي والمقاربة الأحادية الجانب، وموضوع زواج القاصر هو ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي…، وبالتالي فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل إنها ليست الأساسية مقارنة بباقي فضاءات التدخل كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفل في بلادنا، لذا وجب إشراك جميع المتدخلين في هذا النقاش الهام.
هذا وقد عبرت رئاسة النيابة العامة عن مجهودها في الحد من الظاهرة من خلال موقعها في مسطرة الإذن بزواج القاصر في ظل المعطيات القانونية الراهنة، وهو ما تجلى من خلال الدوريات الصادرة عنها وكذا الأيام الدراسية التي خصصت لتكوين وتأطير قضاة النيابات العامة في الموضوع.
ومعلوم أن التشريع ليس من اختصاص رئاسة النيابة العامة، غير أنها من خلال موقعها كطرف رئيسي في قضايا الأسرة وانطلاقا من تفاعلها مع هذا الموضوع الحساس سيما بمناسبة اللقاءات التواصلية والتكوينية، تم طرح مجموعة من الإشكاليات ذات الطابع التشريعي والمرتبط بعدم وجود نص قانوني يمنح النيابة العامة الطعن في مقرر الإذن بالزواج وعدم تحديد الاختصاص المحلي وغيرها من الإشكاليات.

* رئيسة قطب النيابة العامة المتخصصة والتعاون القضائي برئاسة النيابة العامة، القاضية أمينة أفروخي 

***

ضحية: حرمت وأختي من الإرث كباقي نساء المنطقة وأصبح هضم حق المرأة من تقاليد المنطقة

تختلف قصتهما كثيرا، وتوحدهم سطوة التقاليد وجبروتها، وما أميمة التي اغتصبت طفولتها وتم الرمي بها وسط الذئاب البشرية بأكبر المدن المغربية، نتيجة تزويجها دون سن الرشد، والضحية التالية التي هضم حقها في الإرث من طرف أخاها الكبير بعد وفاة ولدها، إلا مثالين لكثير من النساء اللواتي يجدن أنفسهن بين مطرقة العرف وسندان القانون.
فإذا كانت أميمة قد أجبرت على الزواج برجل يكبرها ب25 سنة، نزولا عند تقاليد وأعراف المنطقة، فإن هذه التقاليد والأعراف التي تختلف طبيعتها من منطقة لأخرى، حرمت “فاطمة.ز” ذات 26 سنة، بإقليم قلعة السراغنة، من حصولها على حقها القانوني والشرعي من ميراث والدها الذي وافته المنية منذ سنوات.
وقالت فاطمة، في اتصال مع “بيان اليوم”، إنها تمر بفترة عصيبة منذ سنوات، حيث تتشابك فيها النزاعات بین أفراد عائلتها حول الإرث، موضحة أن قصة النزاع بدأت مباشرة بعد وفاة والدها الذي كان المعيل الوحيد للأسرة.
وأضافت الضحية أنه بعد مرور قرابة سنة عن وفاة والدها قام أخوها الأكبر باتفاق مع أخيها الأوسط ببيع إحدى الأراضي -أراضي جموع- بالتنازل دون علم أحد من باقي أفراد أسرتها المكونة إلى جانب الأخوين من الأم وإخوتين.
وتابعت فاطمة أنه عند درايتها رفقة أختها بالموضوع ومحاولتهما الوقوف ضد أخويهما واجهتهم الأم ووقفت بصف الإخوة الذكور قائلة إن الأمر قد تم وأن ذلك من حقهما لكون الأخ الأكبر أصبح هو المعيل الوحيد للأسرة بعد وفاة والدهم، وأن هذا ما تقتضيه العادات والتقاليد.
وتقبلت الأختين الوضع على مضض، حسب تعبير فاطمة، خوفا من تفكك الرابط الأسري ورغبة في مسايرة الحياة اليومية بشكل طبيعي، إلا أنه بعد مدة تزوج أخوهم الكبير واستقل عنهم وأصبح لا ينفق عليهم كما كان سابقا.
أصيبت الأم لمرض مزمن، وأضحت مصاريف العلاج كثيرة إضافة إلى مصاريف التنقل إلى المصحات الطبية ومصاريف الأدوية زيادة عن مصاريف دراسة فاطمة وأختها وقلة الإمكانيات المادية، مما دفعها (فاطمة) إلى الاتفاق مع أختها التي تصغرها سنا على المطالبة بحقهم في الميراث.
تقول فاطمة، إن أخاهم الأكبر رفض رفضا تاما طلب أخواته لنصيبهن في الإرث من جديد، لكونه لا يريد أن يشترك معه أحد في الأراضي بعد بيعها قائلا “هاد الأراضي مغتباعش ومغيدخلش ليها البراني واخا نوصل معاكم فينما بغيتو”، مهددا إياهم بأخذ الأم للعيش معه وطردها رفقة أختها من البيت.
واختتمت فاطمة، اتصالها مع بيان اليوم، متأسفة: “تم التطبيع مع الوضع حيث أصبح هضم الحق في الإرث أمرا طبيعيا، وبه أصبح حالي من حال باقي نساء المنطقة اللواتي حرمن من حقهن في الإرث”، وأعربت فاطمة عن آمالها في إنصافها رفقة أختها وباقي نساء المنطقة اللواتي يحرم أغلبهن من حقهن في الإرث، بسبب التقاليد والأعراف.

***

فريدة اليوموري*: الأعراف والعادات تساهم في ارتفاع نسبة زواج القاصر

قالت د.فريدة اليوموري، الأستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، جامعة محمد الخامس الرباط، إن زواج القاصر إذا كان يشكل استثناء من القواعد العامة الخاصة بالزواج حيث يخضع لشروط معينة لازمة لإتمامه وصحته، فإن الممارسة العملية أبانت عن عدم نجاعتها في تحقيق الأهداف المتوخاة من تنزيلها والتي ساهمت الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع باختلاف مناطقه في تفاقمها كظاهرة وارتفاع تداعياتها ونتائجه.
وأكدت الأستاذة اليوموري، عضو المركز المغربي للأستاذة الجامعية للبحث في قضايا النوع والتنمية، في حوار مع جريدة “بيان اليوم”، على أن الوسط العائلي، وكذا المحيط الذي تعيش فيه القاصرات يلعب دورا أساسيا في تفاقم ظاهرة تزويج القاصرات، حيث يطغى الاعتقاد بأن الزواج وسيلة لحماية هذه البنت من الانحراف، كما أنه وسيلة للحفاظ على شرف الأسرة.
واعتبرت الأستاذة الجامعية، أن عوامل أخرى تساهم في تفاقم الظاهرة، وتنقسم إلى عوامل اقتصادية وأخرى اجتماعية، مشددة على أن الفقر والهشاشة والبطالة من بين أهم هذه أهم العوامل الاقتصادية التي تعد دافعا نحو التعجيل بتزويج الفتيات القاصرات خاصة في الوسط القروي.
وأضافت الدكتورة اليوموري أن زواج الكونطرا كظاهرة اجتماعية وحدث غير عادي، بدأ ينتشر بشكل غير طبيعي مؤخرا بالمغرب، يعد بدوره سببا إضافيا لانتشار شیوع زواج القاصر.
وهذا نص الحوار:

> شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين، بداية من مدونة الأسرة، عدد من القوانين والمقتضيات التي ترمي إلى الحد من تزويج الفتيات دون سن الرشد، فكيف تقيمون هذا المسار المسار القانوني والحقوقي؟ وهل حقق هدفه؟
<تعتبر المقتضيات التي أقرتها مدونة الأسرة مكسبا وبداية لمرحلة جديدة في مسار الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمع ككل، وذلك بكافة مستوياتها، وغني عن البيان أن معظم هذه المقتضيات إن لم نقل كلها استمدت من أحكام الشريعة الإسلامية التي تقوم أساسا على حماية الحقوق وتثبيت الاستقرار في المجتمع.
وقد اختلفت وتنوعت هذه المقتضيات باختلاف المجالات التي تولت تنظيمها، ومنها الزواج الذي يعد ميثاق تراض بين الزوجين ولا يجوز فيه أي إكراه لأحدهما، غايته بناء أسرة مستقرة، وذلك حسب ما أقرته المادة 19 من مدونة الأسرة التي جاءت معطياتها منسجمة مع المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب خصوصا منها اتفاقية سيداو التي تقضي بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأيضا اتفاقية حقوق الطفل، لكن هذا التوجه لم يسلم من الاستثناءات وأنا اعتبرها سلبيات وخاصة ما أقرته المادة 20 من مدونة الأسرة التي منحت القاضي المكلف بالزواج إمكانية الإذن بزواج القاصر وذلك بمقتضى مقرر معلل.
وهكذا، فإذا كان زواج القاصر يشكل استثناء من القواعد العامة الخاصة بالزواج حيث يخضع لشروط معينة لازمة لإتمامه وصحته، فإن الممارسة العملية أبانت عن عدم نجاعتها في تحقيق الأهداف المتوخاة من تنزيلها والتي ساهمت الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع باختلاف مناطقه في تفاقمها كظاهرة وارتفاع تداعياتها ونتائجه.

> أضحى الزواج يرتبط بعدد من القضايا الاجتماعية التي تحولت إبى مشاكل اجتماعية سببها محاولة البعض التحايل على القانون ومقتضياته لتحقيق ما يعتبرونه نفعا، وهو في الحقيقة ضرر يلحق بالضحية التي غالبا ما تكون قاصرا، كيف تقيمون استمرار ظاهرة زواج القاصرات في ظل القوانين المعمول بها؟ وأين تتجسد مكامن الخلل؟
< لقد أصبح زواج القاصر ظاهرة اجتماعية يمكن وصفها بالخطيرة، فرفع سن الزواج إلى 18 سنة باكتمال الأهلية، والذي كان الهدف منه تحقيق المساواة بين الجنسين الذكر والأنثى وأيضا التخفيض من زواج القاصرات، حصل أن نتج عنه العكس حيث أبانت الإحصائيات الخاصة والمتعلقة بهذه الظاهرة أن نسبة زواج القاصر في تزايد حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب لسنة 2019.
كما تشير أرقام وزارة العدل المغربية إلى تسجيل 32.104 طلبات تزويج طفلات سنة 2018، وحصول 80% من طلبات الزواج على الترخيص من طرف القضاة خلال الفترة ما بين 2011 و 2018.
وفي نفس السياق صدر تقرير عن المندوبية السامية للتخطيط جاء فيه أن 1.7 بالمئة من النساء المغربيات المتزوجات، لم تتجاوز أعمارهن 15 سنة خلال سنة 2018، كما أن عند الطلبات المتعلقة بالإذن بزواج القاصرات بلغ 32 ألفا و104 طلبا سنة 2018، مقابل 30 ألفا و21 طلبا خلال 2016.
وعموما فقد منعت مدونة الأسرة زواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني الذي يؤهله ذلك وهو 18 سنة بمقتضى المادة 19 وأقرت کاستثناء على ذلك إمكانية زواج القاصر، وذلك بالحصول على إذن من القاضي المكلف بالزواج باحترام الشروط التي أقرها القانون بمقتضى المادة 20 من مدونة الأسرة، لكن الملاحظ من خلال قراءة هذه المادة:
أولا، خروج المشرع عن القاعدة العامة للسن القانوني للزواج وهو خروج مقيد بشروط، أولها تقديم طلب الإذن بذلك للقاضي المكلف بالزواج، وهذا الأخير ملزم بدراسة الطلب دراسة جيدة لمعرفة ما إذا كان هذا الزواج سيحقق مصلحة معينة، أو أن هنالك ضرورة تستدعي قبوله. لكن ورجوعا إلى مقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة، نلاحظ أن المشرع لم يحدد السن الأدنى في حالة الإذن بزواج القاصر، وترك للقاضي المكلف بذلك السلطة التقديرية الكاملة والواسعة؛ وهو ما يعني أن للقاضي متى توفرت الشروط التي أقرها القانون وأولها المصلحة الحق في إعطاء الإذن بالزواج مهما كان عمر القاصر مادامت قد بلغت سن التمييز، بتعبير آخر فبلوغ القاصر سن 12 سنة مثلا يجيز إمكانية تزويجها متى كانت الضرورة والمصلحة تستدعي ذلك.
ثانيا، أن المادة 20: أعطت للقاضي الحق في منح الإذن بتزويج القاصر متى توفرت الشروط التي أقرها القانون، أي أن الأمر يقتضي ضرورة تبرير الإذن بالزواج، متى كانت المصلحة تستدعي ذلك، وهو ما يثير التساؤل حول المقصود بالمصلحة، و من هو المعني بهذه المصلحة، هل هو الولي أم القاصر؟
ولعل السبب في طرح هذا السؤال يرجع بالأساس إلى نوع المبررات التي يبرر بها القاضي المكلف بالزواج منحه الإذن بزواج القاصر، ومن بينها:
ما يتعلق بالقاصر، كانقطاعها عن الدراسة، أو عدم قيامها بأي عمل.
ومنها ما يتعلق بولي القاصر : الاعتبار المتعلق بحالته المادية التي تكون ضعيفة بسبب الفقر مثلا.
وهنالك اعتبار آخر يبرر به القاضي إذنه بزواج القاصر، يتعلق الأمر بعادات وتقاليد أهل المنطقة والتي اعتادت تزويج الفتاة في سن مبكرة خوفا عليها من العنوسة.

> تحدثتم عن الخوف من العنوسة، ما علاقة هذا السبب بزواج القاصر، وما مدى مساهمة الأعراف والعادات في ارتفاع وتفشي نسبة زواج القاصر؟
< يلعب الوسط العائلي، وكذا المحيط الذي تعيش فيه القاصرات دورا أساسيا في تفاقم ظاهرة تزويج القاصرات، حيث يطغى الاعتقاد بأن الزواج وسيلة لحماية هذه البنت من الانحراف، كما أنه وسيلة للحفاظ على شرف الأسرة، كما لو أن هذه القاصر هي من عليها تحمل مسؤولية حماية شرف العائلة أو الأسرة لوحدها. علما أن العكس هو الصحيح فالمفروض أن العائلة من عليها تحمل هذا الحياة.
> بعيدا عن الأعراف وهواجس الخوف من العنوسة اللذان مازالا ينتشران ببعض المناطق، هل من عوامل أخرى تساهم في استفحال ظاهرة زواج القاصرات؟
< أكيد، إلى جانب ما سبق، تساهم عوامل أخرى في تفاقم الظاهرة، وتنقسم إلى عوامل اقتصادية وأخرى اجتماعية. ويعتبر الفقر والهشاشة والبطالة من بين أهم هذه أهم العوامل الاقتصادية التي تعد دافعا نحو التعجيل بتزويج الفتيات القاصرات خاصة في الوسط القروي. الشيء الذي تؤكده الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم الوطني للمرأة القروية التي انتهت إلى أن نسبة الأمية لدى النساء القرويات تبلغ ما يقارب 60 بالمائة، أي أن أكثر من النصف لم يلتحق بالمدرسة أو أنهن لم يتمكن من إكمال دراستهن، مما يدفع بأولياء أمورهن إلى تزويجهن.
زد على ذلك الجهل والأمية كأسباب اجتماعية تجعل أبوي القاصر لا يترددان في تزويجها دون التفكير في عواقب الأمر اعتقادا منهم أنها تشكل عبئا عليهم، بل أحيانا تعتبر عارا من منطلق أن الولد أفضل من البنت، وأنها ما لم تتزوج ستدنس شرف الأسرة لاسيما وأن هذا الأمر معروف ومتوارث في العديد من المجتمعات ولا يخالف الشرع من وجه نظرهم، كما أن البنت ملزمة بأن تنصاع لأوامر الأب وأحيانا لأوامر الأخ، اعتبارا للسلطة التي تكون لكل منهما داخل الأسرة، وهو أمر ينم عن هيمنة المجتمع الذكوري كموروث ثقافي.
وفي هذا الصدد، اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن زواج الأطفال ليس حلا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بل على العكس من ذلك، يعد مصدرا من مصادر الهشاشة واستمرار مختلف أشكال التمييز ضد الأطفال والنساء.

> في السنوات الأخيرة، عرفت بعض المناطق المغربية ظاهرة زواج الكونطرا والذي يكون في كثير من الأحيان أحد أطرافه فتيات قاصرات، ما تعليقكم على هذه الظاهرة؟
< نعم، يمكن اعتبار زواج الكونطرا كظاهرة اجتماعية وحدث غير عادي، بدأ ينتشر بشكل غير طبيعي مؤخرا بالمغرب، سببا إضافيا لانتشار شیوع زواج القاصر، بدافع الفقر الذي تعيشه بعض الأسر، مما يدفع بها إلى الاتفاق على تزويج بناتهم القاصرات مقابل مبلغ مالي متفق عليه مع الزوج.
وهذا النوع من الزيجات فرضا أنه زواج يخالف التوجه الذي سعى المغرب إلى تكريسه، من خلال العديد من الإصلاحات القانونية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق المساواة وتثبيت الحقوق.
ولعل ما جاء به دستور 2011 وما عرفته مدونة الأسرة من تعديلات جوهرية في هذا الصدد كفيل بتأكيد ذلك. ومع ذلك، تشهد انتشارا غير مفهوم لزواج الكونطرا في العديد من مناطق المغرب، مع أنه لا علاقة له بالزواج المنظم بموجب مدونة الأسرة.

> ما هي السبل الممكنة والناجعة للحد من هذه الظاهرة؟
<أعتقد أننا اليوم نعيش ظاهرة اجتماعية تقتضي اعتماد وسائل توعية أكثر منها قانونية.
فالقانون مهما كان متقنا ومركزا لن يحقق الهدف المتوخى من تطبيق مقتضياته ما لم يكن المخاطب به على مستوى معين من الوعي.
ولعل البداية يجب أن تكون من المدرسة بمعية الأسرة، وحينما أقول المدرسة، معنى ذلك أنني أقحم حتى القائمين على الشأن العام داخل البلد (اعتماد مناهج دراسية تكرس حقوق المرأة إلى جانب حقوق الإنسان بشكل عام).
إن ببناء المواطن الواعي نبني الوطن.

> هل من إضافة ؟
< عموما فإنه يصعب الوقوف عند جميع العادات والتقاليد التي تكرس للتمييز والتفرقة في المعاملة بين المرأة والرجل في العديد من المجالات، بحيث تختلف من حيث قوتها وكدا تعددها حسب كل مجتمع وكل منطقة من مناطق المجتمع الواحد، خصوصا بين المجالين القروي والحضري.
لكن ومع ذلك، يبقى تأثيرها واحد بالنسبة للمرأة بشكل عام من حيث عدم تحقيق المناصفة والحد من حريتها في تحقيق ذاتها على كافة المستويات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بل وكذلك ثقافيا.
ولعل الوقوف على المقتضيات أعلاه يجسد مدى هذه القوة التي تكتسيها الأعراف ومن خلالها يتم التحكم في مصير العديد من النساء.

*أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، جامعة محمد الخامس الرباط

***

سعاد بنور*: ولوج المرأة لحقها في الإرث يصطدم أحيانا بالعادات والتقاليد

قالت الدكتورة سعاد بنور، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -عين الشق جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء، إنه في الوقت الذي يعتبر حق الملكية حقا دستوريا يتساوى فيه الذكور والإناث، وبالرغم من إقرار المشرع للحق في الإرث بالنسبة للإناث كما للذكور بالرغم من اختلاف الأنصبة، فإن الولوج الفعلي للمرأة لحق الملكية أي “التملك” يصطدم بمجموعة من المعيقات مما يطرح سؤال الجدوى من “التشريع القانوني غير المكتمل” الذي لا يمكن المرأة من الاستحقاق الفعلي لحقها في الملكية.
وأوضحت الدكتورة بنور، عضو المركز المغربي للأستاذة الجامعية للبحث في قضايا النوع والتنمية، في تصريح صحفي لجريدة “بيان اليوم”، أن الحق في الملكية قد يصطدم في الكثير من الحالات خصوصا في العالم القروي بالعادات والتقاليد التي تقوم على التحكيم العائلي في النزاعات العقارية، مضيفة أنه عند مطالبة المرأة بحقها في الملكية واستيفاء حقها من التركة، تنحي الأمور في الغالب الأعم من الحالات إلى التمييز وإقناع المرأة بعدم تفتيت الملكية، كما قد ينظر للمرأة التي قد تطالب بحقوقها نظرة سلبية تجعل غالبية النساء يتراجعن عن المطالبة بحقوقهن.
وأضافت الدكتورة الجامعية، أن تعقيد مسطرة القسمة وارتفاع تكلفتها وغياب التمكين الاقتصادي للمرأة كلها أسباب قد تحول دون ولوج المرأة للعدالة لاقتضاء حقها، إضافة إلى أن العادات جرت على تسجيل العقارات باسم الذكور.
وتابعت المتحدثة ذاتها، أنه في الحالة التي تسعى فيها المرأة إلى المطالبة بحقها في الملكية فغالبا ما يتم الإحجام عن تسجيل الملكية وبالتالي البقاء في وضعية شياع تضيع معها حقوق المرأة، مبرزة أنه في بداية العشرية الأخيرة من القرن الحالي وبالرغم من الخطة التي تم اعتمادها في سبيل تحفيظ وتسجيل الملكية العقارية إلا أن 75% من الأراضي المغربية ما تزال غير محفظة ومسجلة.
وشددت الأستاذة الجامعية على أن أن تكريس حقوق المرأة يصطدم بمجموعة من العراقيل التي كرستها العادات والأعراف المترسبة والمتجذرة في الثقافة المغربية عند تعاطيها لهذا الموضوع، مؤكدة على أنه لمواجهتها يتعين على المرأة مواجهة مشكلة تحكم الرجل في نظم المعرفة، وفي إنتاج القيم الثقافية التي تكرس علاقة القوة والسيطرة، والتي تجعل النساء مستبعدات من عملية إنشاء النظم الرمزية أو تفسير الخبرات التاريخية.
وأضاف الدكتورة بنور، أنه لن يتأتى ذلك إلا بتعزيز حق المرأة في التعليم أولا، وبإعادة بناء قيم ونظم تقوم على المساواة وعدم التمييز، وتكريسها في البرامج التعليمية وتنزيلها في السياسات العمومية.
واعتبرت المتحدثة نفسها، أن تمتيع المرأة بحقوقها واستفادتها منها يتطلب ليس فقط تجميل النصوص والقوانين بهذا المقتضى للتعبير عن انخراط المغرب في مسلسل تبني مبادئ حقوق الإنسان ومعها حقوق المرأة، وإنما لا بد للقائمين على تنزيل هذه الحقوق من ألا يكونوا هم أنفسهم نتاج الثقافة الذكورية.

*أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -عين الشق جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء

***

قاضي لأوكسفام: نظام العدالة يحتاج إلى الشجاعة لإنهاء زواج القاصرات

نقلا عن تقرير حصري حصلت عليه جريدة بيان اليوم، لمنظمة أوكسفام المغرب “Oxfam in Morocco” وشريكتها Economia، من المرتقب أن يصدر للعموم في الأسابيع المقبلة، قال القاضي “م.أ.إ” إنه أمضى ثماني سنوات قاضيا في شؤون الزواج.
وأكد القاضي ذاته، في تصريحه، الذي ينقله التقرير، على أنه فيما يتعلق بالإكراه على الزواج، تلقى عدة طلبات زواج قاصرات، مبرزا أنه أثناء التحقيقات التي أجراها يكتشف أن القاصر مجبرة على الزواج.
وأوضح القاضي عينه، أنه في السابق، لم يكن لديهم إجراءات قانونية لردع هذا النوع من الآباء الذين يجبرون بناتهم على الزواج، كما أنهم (القضاة) جزء من هذا المجتمع، ولا يمكن أن يأمروا بحبس الوالدين أو الزوج، لأنه في نهاية المطاف يبقى زواجا.
وأضاف القاضي نفسه، أن نظام العدالة يحتاج إلى الشجاعة لإنهاء زواج القاصرات، مؤكدا على أنه في البادية ، يتم إكراه الغالبية العظمى من الفتيات القاصرات وإجبارهن على الزواج.
وفي سياق متصل، جاء في التقرير الذي يسلط الضوء على “العنف ضد المرأة في ضوء القانون والسياق الوبائي”، في محاولة من المنظمتين لتقييم للقانون 103.13 بشأن العنف القائم على الجنس بعد سنتين من صدوره من خلال نهج نوعي (مجموعة بؤرية مركزة)، بناء على تجارب الجهات الفاعلة المختلفة المعنية بتنفيذ هذا القانون، (جاء فيه) أنه يجب على القانون أن يكون واضحا ولا يعتمد على تفسير أولئك الذين يطبقونه والذين قد يكون لديهم أيديولوجيات معينة.
وأضاف التقرير أن هذه هي الملاحظة نفسها التي تظهر في كل مرة حول قضايا الجنس، حين يتم إصدار القوانين، وهو الحال ذاته مع زواج القاصرات، منذ صدور المدونة في عام 2004، حيث تبقى كثير من الفصول غير واضحة، وتعتمد على تفسير الساهرين على نفاذ القانون.

***

الحسن زعطم*: يجب منع زواج القاصرات وخلق تنمية مجتمعية خصوصا في البوادي والأحياء الهامشية

قال الحسن زعطم، عضو الهيئة المديرة لمركز حقوق الناس ورئيس الفرع الإقليمي بقلعة السراغنة، إن ملف زواج القاصر يشكل حضورا قويا ضمن اشتغال مرکز حقوق الناس المغرب، من خلال الاستماع والتوجيه القانوني بمركزي النساء في وضعية صعبة بقلعة السراغنة وتملالت.
وأبرز زعطم في تصريح لجريدة “بيان اليوم”، أن عدد القاصرات الوافدات على المركزين تجاوز 81 حالة في السنوات الثلاث الأخيرة، موضحا أن أسباب ودوافع هذه الزيجات متعددة إلا أن النتيجة واحدة وهي اغتصاب طفولة فتيات مكانهن الطبيعي الفصول الدراسية.
وأشار المتحدث نفسه، إلى هيمنة زواج القاصرات بالبوادي مقارنة مع المجال الحضري، معتبرا أن ما يبرز المشترك في الظاهرة بين المجالين هو استمرار ثقافة ذكورية وأعراف تعتبر المكان الطبيعي للبنت هو بيت الزوجية، في تجاهل تام للتراكمات القانونية والحقوقية التي شكلتها مدونة الأسرة.
وأكد الفاعل الحقوقي بإقليم قلعة السراغنة، على أنه انطلاقا من المرجعية الثقافية بعض أسر المنطقة تحايلت عن القانون بزواج سمي “زواج الكونترا” وهو عقد سلف دين بين الأب والزوج المفترض، تحدد قيمته بجمال القاصر وشطارة الأب، وتظل القاصر رهينة لزواج وهمي قد لا يتم إلا حين الوصول إلى السن القانوني للقاصر.
وتابع زعطم أن هذا النوع من الزواج الذي هو جريمة اغتصاب في حق الطفولة شكل موضوع متابعات قضائية من طرف النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، في حق المتورطين، مضيفا أن هذه الظاهرة (زواج الكونترا) تراجعت بشكل كبير نتيجة تدخل القضاء.
من جهة أخرى، اعتبر زعطم أن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة تشكل عاملا مساهما في ظاهرة زواج القاصرات بالإضافة للإنقطاع المبكر للفتيات عن الدراسة.
ومن خلال رصده لمعاناة الضحايا القاصرات اللواتي تبخرت أحلامهن وأصبحن يبحثن عن المساطر الإدارية والقانونية لتوثيق الزواج -اللواتي خضعن لزواج الكونترا- وإثبات نسب أبنائهن إذا كن حاملات، يقول المتحدث نفسه، إنه ما بين جهل للمساطير وتعقيداتها وقلة اليد تظل أمواج الواقع العائلي تتقاذفهن، ما يضطر معه أغلبهن إلى مغادرة بيوت عائلاتهم نحو المجهول أملا في شغل قد يجدونه أو لا يجدونه لحفظ كرامتهن التي اغتصبت باسم الأصول والأعراف والتقاليد.
وشدد زعطم على أن هناك استمرار للظاهرة، مؤكدا على أنه رغم كل التفسيرات التبريرية فهي تبخيس لكل النضالات والمجهودات الرامية إلى تكريس المساواة بين الجنسين، ما يتطلب مزيد من الترافع القانوني من أجل منع زواج القاصرات قانونيا، وخلق تنمية مجتمعية خصوصا في البوادي والأحياء الهامشية في المدن من أجل التمكين الاقتصادي للأسر وإلزامية التعليم إلى حدود سن 18 سنة، إضافة إلى تثمين الوعي الحقوقي للمكلفين بنفاذ القانون، من أجل اجتهاد متنور يكرس سمو القوانين الكونية التي صادقت عليها المملكة المغربية.
هذا وأشار زعطم إلى أن مرکز حقوق الناس المغرب يسير مركزين للنساء في وضعية صعبة بكل من قلعة السراغنة “رخصة عدد 2014/947” وتملالت رخصة عدد “2018/1102” في إطار ترخيص من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، يستقبل من خلالهما العديد من حالات ضحايا الزواج دون سن الرشد.

* عضو الهيئة المديرة لمركز حقوق الناس ورئيس الفرع الإقليمي بقلعة السراغنة

***

محمد عبد الوهاب رفيقي*: يجب تجريم زواج القاصر نهائيا.. اغتصاب تحت مسمى الزواج

قال الباحث في الفكر الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب بـ”أبو حفص”، إنه لا بد من الوقوف على أكبر إشكالية بالمدونة تجعلها عاجزة عن تحديث نفسها، وهي ازدواجية المرجعية بين الفقه الإسلامي التقليدي والقوانين المدنية المعاصرة وعدم الحسم في مدنية القانون أو دينيته.
وأوضح رفيقي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الفصل 400 من المدونة يجعل من الفقه المالكي المرجعية الأولى للقانون، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول صلاحية قوانين قديمة كانت صالحة لمجتمعها لتأطير مجتمعات حديثة مختلفة في البنية والتركيب وطرق التفكير والحاجيات والمصالح.
واعتبر المفكر الإسلامي، أن “ذلك يتأكد في عدد من القضايا التي لا زالت شائكة بحكم مرجعيتها الفقهية المانعة لها من الاستجابة لمصالح المجتمع وحاجياته، كإثبات النسب بالوسائل العصرية، أو تحديث نظام الكفالة، أو تعديل قوانين الإرث، بحجة مخالفة الفقه والأحكام الشرعية، رغم أن المدونة نفسها قد تجاوزت ذلك في عدد من القضايا، وانفتحت على مذاهب أخرى، وراعت الالتزامات الدولية الأخرى، إلا أن هذه الازدواجية تترك كثيرا من الارتباك، وتحدث أحيانا تناقضا في الأحكام القضائية كما وقع بحادثة إثبات النسب بطنجة، حين حكم أحد القضاة بإثبات النسب عن طريق الحمض النووي، فيما أبطل الاستئناف ذلك الحكم الابتدائي بحجة مخالفته للمقرر من وسائل الإثبات في المدونة والمبنية على ما ذكره الفقهاء في ذلك”.
وشدد أبو حفص على أنه لا بد حين إجراء أي مراجعة للمدونة من الحسم في مرجعية القانون، إن كان دينيا أو مدنيا، خصوصا أن إجراءات تشريعه لا تختلف عن باقي القوانين، مما يجعله نصا مدنيا وإن كانت له أصول دينية، كما أن هذا الحسم سيجعل من السهل مستقبلا إخضاعه لأي تغيير بناء على ما يمكن أن يقع من مستجدات وتغييرات في المجتمع.
وأشار رفيقي، إلى المادة 20 التي تنص على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، وعلى أن أي مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن، كما تنص المادة 21 على أن زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وأن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد، وأنه إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع.
واعتبر رفيقي، أن “هذه المواد مع المطالبة بتعديلها اليوم، من الإنصاف القول بأنها متقدمة عن الفقه التقليدي الذي لا يحدد أي سن لزواج الصغيرة، ولا يشترط إذن القاضي، ومع ذلك فإن هذه المواد مما ينبغي تعديله اليوم، خصوصا أن هذا الاستثناء قاعدة، ومن النادر جدا أن يرفض القاضي طلب الإذن، وكان وزير العدل المغربي نفسه قد أكد على أن القضاة المكلفين بالنظر إلى الطلبات المقدمة للزواج بقاصرات، يقومون بمنح نسبة كبيرة من الموافقات على الزواج، في حين لا يتم رفض إلا نسبة 18% من هذه الطلبات، وتمثل طلبات الإناث نسبة 99.46% منها، كما أورد أن الطلبات المقدمة للزواج بقاصرات بلغت في عام 2018 حوالي 32 ألف طلب قبل منها 26.240 طلب أي بنسبة 81% من الطلبات، وهذا ما يعني عدم اقتناع كثير من القضاة التقليديين بالقانون، رغم ما له من دور في حماية هؤلاء الفتيات وحفظ حقوقهن”.
وأضاف رفيقي أن كثير من هؤلاء القضاء أو أولياء الأمور لا يتنبهون إلى الآثار السيئة لمثل هذه الزيجات، سواء من الناحية الصحية، حيث تتعرض الفتاة لاضطرابات في الدورة الشهرية وتأخر الحمل، وعدد من الآثار الجسدية كتمزق المهبل والأعضاء المجاورة له، وازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام في بسن مبكرة نتيجة نقص الكلس، إضافة إلى الأعراض المصاحبة للحمل والتي تكون غير مهيأة جسديا ونفسيا، وقد أكد عدد من الأطباء ارتفاع نسب الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة أثناء الحمل، وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب ضعف الجسد.
أو من الناحية النفسية، كالحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من مرحلة الطفولة وتحمل المسؤولية بشكل مبكر، مما يسبب حالات اكتئاب وقلق واضطرابات في الشخصية، يضيف المتحدث نفسه.
وأبرز رفيقي، أن عدد من الدراسات التي أجريت حول الموضوع قد خلصت إلى أن هذه الزيجات لا تنجح لأسباب مثل التعرض للعنف وعدم تحمل المسؤولية، ومشاكل أسرية، وعدم دراية بالعلاقة الجنسية.
كل هذه الآثار والمضاعفات، حسب المفكر الإسلامي، تجعل إعادة النظر في هذا الموضوع أمرا عاجلا وضروريا، ولا حل برأيي سوى إلغاء هذا الاستثناء، وتجريم زواج القاصر نهائيا، مع توعية المجتمع، وتحسيسه بهذه المخاطر، حتى لا يتورط الآباء في تسليم بناتهن للاغتصاب تحت مسمى الزواج.

* باحث في الفكر الإسلامي

Related posts

Top