المعارضة والخيانة بين المباح والمستباح

خيط رفيع ذاك الذي يفصل بين المباح والمستباح في عالم النضال السياسي. والذي بات جلبابا يرتديه كل من هب ودب لإخفاء النوايا والأهداف الحقيقية لنضاله. يرتدي المباح من أجل المعارضة والانتقاد والظهور بمظهر المواطن الصالح الخدوم لبلده وشعبه. وفي نيته أن يستبيح لنفسه العبث بمصالح المواطنين واستغلالهم من أجل قضاء مصالحه أو تنفيذ أجندات من يستأجرونه.
لا تخلو أي دولة من المعارضين والمنتقدين لطرق تدبير أنظمتها لبعض الملفات والقضايا الخاصة بشعوبها. والذين يسعون بكل الأساليب النضالية السلمية إلى تحقيق الإنصاف الشعبي المنشود. بتوفير العيش الكريم وتحقيق المواطنة الكاملة والشاملة لكل الفئات والتلوينات البشرية داخلها.. يشكلون مسالك وجسورا جادة مكشوفة ومنظمة. محمية بغطاءات قانونية تفرضها دساتير تلك الدول. همهم الوحيد فضح الفساد والمفسدين، وفتح المجال للطاقات والكفاءات النزيهة من أجل نهضة ورقي شعوبها. بغض النظر عن تصنيفاتهم السياسية والدينية والعرقية فهم يؤمنون بالتعايش والتسامح ونشر المحبة والتضامن. ولا يلهثون خلف المال والجاه والتموقع. كما لا ينتظرون شكرا ولا تكريما من أحد. لكن في المقابل فقد برزت فئات شبيهة من حيث الأهداف المعلنة والنضال الوهمي المصطنع، مشكلة من خونة وانفصاليين، عاثوا فسادا داخل بلدانهم، قبل أن يتدبروا فرص الابتعاد عن أوطانهم، وطلب لجوء الخزي والعار داخل دول معادية لأنظمتهم وشعوبهم. ويوقعون معها على عقود الاسترزاق مقابل تسويق الكذب والبهتان. في محاولات يائسة لزعزعة أمن واستقرار بلدانهم. يفضلون خدمة الأعداء والخصوم مقابل المال والحماية المزيفة. ولا يدركون أنهم مجرد ألسنة وأقلام مستأجرة، سينتهي العمل بها. وترمى مع أكوام الزبالة.
هم كائنات حية في صور بشرية مستعدة بكل الطرق والأساليب الخبيثة، للمتاجرة في الغالي والنفيس. من أجل المزيد من المال والجاه والسلطة. لا يهمها مصير الأرض والعرض والشرف والوطن. ترسخت في أذهانها ثقافة الاسترزاق بالوطن، وتقديم الولاء والطاعة لكل العملات الأجنبية والرقمية. كائنات تقضي أوقاتها في البحث عن منافذ من أجل الهجرة إلى خارج أرض الوطن، والارتماء في أحضان الخصوم والأعداء.. كائنات تظهر في صور مختلفة من أجل إرضاء أولياء نعمها.. اختارت التخلي عن كل ما يجسد الإنسانية في ذواتها، من عفة وشرف وأصالة تجسد لهوية بلدها.
كائنات تراها ثارة تجسد كل أنواع العبودية في الولاء والطاعة، ورسم وتنفيذ المؤامرات والفتن الخارجية، كما تراها قد فقدت حسها الإنساني. وفقدت معه النطق البشري، لتتحول إلى حيوانات، قد تنبح وقد تنهق داخل استوديوهات بعض القنوات التلفزيونية الدولية. تسارع الأحداث بتلفيق التهم وإطلاق الإشاعات على مسؤولين داخل بلدانها وتلطيخ سمعة وشرف وعفة شعوبها. في محاولات يائسة لتنفيذ مخططات أولياء نعمها. تدعي بكل وقاحة وبهتان المعرفة في كل شيء، والقدرة على تأكيد كل ما تطلق من خزعبلات.
إنها بذرات وثمرات فاسدة سقطت من نخيل مهمل بالطرق والشوارع. زاد فسادها بعد أن تركت لتتعفن، وتلوث بيئات شعوبها.
مثل هؤلاء بدأنا نحن في المغرب نكشفهم الواحد تلو الآخر. منهم من يصنفون داخل خانة المرضى، وغيرهم من الذين يدارون بأجهزة التحكم عن بعد داخل الوطن وخارجه. والذين يتوهمون أن الحياة البديلة تبدأ بعد رحلات الهجرة السرية. ومنهم من انزووا داخل بعض الدول الأوربية. ضمنوا السكن والمبيت ومصاريف العيش الرغيد. تحولوا إلى صحفيين ومدونين ومغردين وخبراء وسياسيين ومحللين ومعلقين ويوتوبريين.. مهمتهم تسويق ما يملى عليهم من طرف أنظمة الدول التي تحتضنهم.
لم تعد أخطار الفشل التعليمي والانحطاط الثقافي والفني والانحلال الأخلاقي.. جاثمة فقط على كل مسالك التنمية البشرية ومظاهر الحياة. بل إن تلك الأخطار هي التي أفرزت هاته الكائنات البشرية، التي تعشق وتهوى السلبية والعدمية. وتكن العداء للأب والأم والقريب والجار. كائنات حذفت من قاموسها اللغوي، كل ما يمكن اشتقاقه من كلمة الوطن.. من قبيل (مواطن، وطني،..).
الحديث هنا يشمل حتى مدمني حبوب الهلوسة والمخدرات وخمر (الماحيا). هؤلاء المرضى ضحايا عبث وعفن المجتمع، وقصور أداء الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون البلاد والعباد. الذين يرتكبون جرائم القتل، ضد الأصول وضد أنفسهم.. ويشمل طبعا المصنفين في خانات المثقفين والسياسيين والإعلاميين، الذين لا يترددون في المتاجرة في أرض وعرض وسمعة وشرف البلاد. هؤلاء الذين يساومون من أجل الاحتفاظ بـ (وطنيتهم) و(جنسيتهم) وولائهم لوطنهم. يتقمصون أدوار الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين والفقهاء والمرشدين، يخالطون الشرفاء منهم، لكسب الدعم والتضامن، ويتصيدون الأوقات والأمكنة والمناسبات لترويج خطاباتهم الانفصالية، وزرع مشاتل الكره والحقد على الوطن. بدعوى تعرضهم لأذى أو عنف أو مظلمة من مسؤول أو جهاز ما.
ما جدوى برامج ومخططات وزارات التربية الوطنية والثقافة والاتصال والشؤون الإسلامية.. وغيرها من القطاعات المفروض في مسؤوليها ترسيخ ثقافة الحب والاعتزاز بالوطن والمغربة القحة في نفوس وعقول كل المغاربة؟. وما جدوى المدارس والكتاتيب والمساجد والمعاهد والكليات.. ودور الشباب والثقافة والمراكز الاجتماعية.. إن لم تفض إلى إفراز أطفال وشباب ورجالات ونساء يعشقون وطنهم. ويؤمنون بإمكانية التغيير والنماء وتحقيق الأفضل بطاقات وكفاءات وبرامج ومخططات مغربية، من داخل المغرب؟… لم تكن يوما تلك المخططات والبرامج المستوردة من (العم سام) و(الخالة فرنسا)، والأصهار الجدد (تركيا، الصين،..)، كفيلة بتحقيق أهدافها، وتقديم أية إصلاحات للمغاربة. برامج ومخططات أعدت لشعوب أخرى، بناء على تشخيصات ودراسات داخل بلدانها، لا علاقة لها بالواقع والحياة المغربية..
بات من الواجب الرجوع إلى حيث أبرع شاعر الخضراء التونسي الراحل أبي القاسم الشابي، في قصيدته الشهيرة (إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر).. والتي تغنت بها عدة أجيال مغربية بحرقة وتمن.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top