النحلة أو العدم

بقلم الطاهر بنجلون

اليوم الذي ستختفي فيه آخر نحلة، فإن البشرية هي الأخرى سيكون مصيرها الاختفاء. هذه الحالة واضحة ومقلقة وينبغي التعامل معها بجدية. لا يهم اسم الفيلسوف الذي قال ذلك.
بلدنا معني بشكل مباشر بهذا التوقع الذي يبعث على الخوف. حشرات تختفي، أنواع من الحيوانات مهددة بالانقراض، الإنسان لوث الكوكب إلى الحد الذي لا ينتبه إلى الأضرار التي جناها على محيطه.
التوازن بين الإنسان والطبيعة اختل منذ مدة طويلة.
لنأخذ حالة المغربي عموما. إنه لا يلقي بالا للبيئة، معتقدا أن تحذيرات علماء المناخ لا تعنيه بما أن ذلك لا يقع سوى للآخرين. بالتأكيد، كان هناك اجتماع مراكش حول المناخ. على المستوى السياسي، هناك حضور للوعي بهذه المسألة، لكن لم يتم تعميمه على عدد أكبر من المواطنين الذين يواصلون التلويث بكل اطمئنان.
في حين أنه بأوروبا، نجد الفلاحين بصدد تغيير طرق الإنتاج من أجل التوقف عن استعمال المبيدات الحشرية التي تسمم الفواكه والخضر.
في المغرب، لا يتم طرح هذه الإشكالية حتى. النتيجة، قضية النعناع التي تضررت بالمواد الكيماوية. كان يجب بلوغ الدرجة الحرجة حتى يتم تحذير المستهلكين من نبتة مسقية بالسم ومستعملة بشكل يومي في الشاي.
ظروف حياة النحل تبعث على القلق. المستهلك لا يلقي بالا لذلك ما دام أنه يجد العسل في السوق كل وقت. في حين أن العسل يأتي في الغالب من بلد أسيوي، ربما من الصين، عسل في غاية الخطورة، مصنوع من السكر وبعض المواد الكيماوية المسببة للسرطان. قبل شراء قنينة من العسل، قوموا بفحص مصدره. تجنبوا ما هو مصنوع في الصين. هذه نصيحة صديق.
لقد تم دق ناقوس الخطر عدة مرات. مربو النحل كشفوا عن أمراض في خلايا النحل، مصدرها الأزهار والنباتات التي ترعى فيها والتي فسدت بسبب مبيدات الحشرات. هكذا تراجع مستوى إنتاج النحل، الصحافة تحدثت عن ذلك، اتخذ بعض المسؤولين قرارات لإنقاذ النحل. إنه صراع حقيقي، لأنه كما أشار إلى ذلك فيلسوفنا: ضياع النحل هو بمثابة إعلان عن ضياع الإنسان نفسه.
عدد صادم من الأشخاص يموتون كل سنة نتيجة السرطانات. نبتلع أجساما دقيقة ولا مرئية عبر الهواء، نأكل لحوما متخمة بالأدوية والمواد الكيماوية التي تعطيها مظهرا جميلا. لا نعرف ما نبتلعه ونحن مطمئنون. لنأخذ على سبيل المثال السلمون. إنه وردي ودسم وذو مذاق لذيذ.
إذا فتحتم الأنترنت ونظرتم إلى استطلاع جاد، تم إنجازه في النرويج عن تربية هذا السمك؛ فإنكم ستقررون عدم أكله إلى الأبد. المحققون الصحافيون تعرضوا للمضايقة، بعض مصالح المراقبة قامت بكل شيء لمنع تصوير ما تم الكشف عنه. السلمون المتوحش نادر. لحمه ليس ورديا، لكن مائل إلى البياض، لا بل رمادي. مذاقه الطبيعي لا علاقة له بما هو موجود في السوق. ولأجل تمييزه، ينبغي الاطلاع على ثمنه الذي يساوي ثلاثة أضعاف ثمن السلمون المربى.
الشيء نفسه بالنسبة لبعض أنواع الدواجن. بعض اللحوم تم استيرادها من بلدان بعيدة، ونحن نجهل كيف تم تربية هذه الحيوانات وما قدم لها من أكل.
في المغرب، نعلم على سبيل المثال أن ثمن الدجاج البلدي يساوي أحيانا ضعف ثمن الدجاج الرومي؛ مما يعني أن البلدي لا يراعى فيه الكمية لكن الجودة. إنه ما يسمى في فرنسا “البيو” وفي أمريكا “العضوي”. هكذا فإن الغذاء الذي يعتمد على الجودة سيكون خاصا بالطبقة الغنية. أولئك الذين يمتلكون الإمكانيات المادية يأكلون بشكل صحي. الآخرون يتسممون ببطء رغم أنهم على وعي بذلك.
خارج الاستهلاك اليومي، سيكون على المواطن أن يكتسب سلوكات جديدة: عليه أن يتعلم مثلا أن الماء ثمين ونادر، لا ينبغي تبذيره، لا ينبغي ترك الصنبور مفتوحا طوال الوقت، ينبغي استعمال رشاش الماء عوض الحمام.
المغرب مر بسنوات جفاف قاسية، ما نتج عنه هجرة قروية كبيرة نحو المدن، وتسبب بالقوة في خلق مشاكل غير متوقعة، ومن الصعب إيجاد حل لها.
سياسة بناء السدود كانت أمرا جيدا. لكن ليس لأن المغرب يتوفر على سدود ملأى بالمياه حيث يكون علينا أن نتصرف بطريقة مرحة مع هذا العنصر الطبيعي الأساسي. في كل سنة، يستيقظ الفلاحون وعيونهم مركزة على السماء. هل ستمطر؟ هل ستشهد هذه السنة أمطارا كافية؟ مصيرهم مرتبط بالسماء ونزواتها.
  لهذه الأسباب كلها، المغرب بحاجة إلى سياسة مواطنة، لا تحترم فقط البيئة، بل تتعامل بجدية مع التهديدات المناخية. المواطن عليه إفراز نفاياته، واحترام الأشجار والنباتات، وعدم مطاردة الحشرات، وتجنب ما أمكن المواد الكيماوية، وتشجيع المنتجين الصغار الذين يستعملون البيولوجي، وتربية أبنائنا على احترام الطبيعة.
أتذكر أنه في بداية الستينات، مرة في السنة، كان كل واحد من تلاميذ الثانوية، يقوم بزرع شجرة في محيطه بطنجة. حركة بسيطة ورمزية، لماذا لا يتم استعادة هذه العادة الصحية؟
يبقى المشكل الشائك والمأساوي لمادة البلاستيك. في حوض البحر الأبيض المتوسط هناك ملايين من الأسماك تبتلع البلاستيك الذي نجده في صحوننا. اطلعوا على ذلك، شاهدوا الأفلام الوثائقية الخاصة بحالة البحار. سوف ترون أشياء مرعبة وبشعة، وعندما تكونون في مواجهة سمكة، كونوا على علم بأن في بطنها ربما طرف من بلاستيك قنينة الماء التي ألقيتم بها في البحر.
  أنا لا أضخم المسألة. الحكومة الحالية تجهل أو تتجاهل هذه الحقائق. لا تعولوا عليها لتحذيركم من السموم التي تمر عبر صحوننا. ولا تنسوا: نهاية النحل هي بداية الضربة القاضية وانعدام البشرية.

> ترجمة: عبد العالي بركات

الوسوم , ,

Related posts

Top