النساء في صدارة المعاناة من أمراض المناعة الذاتية

أمراض المناعة الذاتية مجموعة أمراض يهاجم فيها جهاز المناعة مكونات الجسم السليمة، ويقوم بتدميرها عن طريق الخطأ. لأسباب لا تزال غير واضحة، جهاز المناعة المكون أساسا من الخلايا اللمفاوية وhلأجسام المضادة والذي من المفترض أن يحمي الجسم من الاعتداءات الخارجية، يخطئ في طبيعة العدو ويبدأ في مهاجمة أعضائنا من خلال الأجسام المضادة التي تنقلب ضدنا وتسمى ” الأجسام المضادة الذاتية”. تختلف طبيعة هجمات المناعة الذاتية من مرض لآخر، يمكن أن يهاجم الجهاز المناعي مثلا مادة معينة كالطبقة الواقية (المايلين) للخلايا العصبية في المخ والحبل ألشوكي والعصب البصري كما هو الحال في التصلب المتعدد، كما يمكن أن يهاجم جهاز المناعة خلايا وأنسجة الجلد والمفاصل والقلب والكلى مثلما هو الشأن في الذئبة الحمراء.

 أمراض المناعة الذاتية فئتان

هناك فئة تقتصر على عضو واحد وتسمى أمراض المناعة الذاتية” الخاصة” بعضو (مثل مرض جريفز الذي يعطي فرطا في وظيفة الغدة الدرقية أو السكري من النوع الأول الذي يصيب البنكرياس. وهناك الفئة التي تؤثر على أعضاء متعددة إما على التوالي أو في وقت واحد، وتسمى أمراض المناعة الذاتية “الجهازية” مثل: الذئبة الحمراء التي تؤدي إلى اضطرابات على صعيد المفاصل، الجلد، الكلى، نظام القلب والأوعية الدموية، خلايا الدم الحمراء، وتقريبا أي عضو آخر؛ أو مثل التهاب المفاصل الروماتويدي الذي يتميز بإصابة المفاصل بشكل رئيسي، لكنه يؤثر، ولو نادرا، على الرئتين وعلى الجلد. في متلازمة “شوغرن”، يحدث التهاب في الغدد اللعابية والدمعية مما يسبب جفاف الفم والعيون ويمكن أن يؤثر على المفاصل والجلد والرئتين؛ التهاب الفقار اللاصق أيضا يتميز بالتهاب المفاصل خاصة على مستوى العمود الفقري مع إمكانية تأثير على الرئتين وعلى العيون.
هناك عدد كبير من أمراض المناعة الذاتية التي تعتبر أمراضا نادرة وغير معروفة لدى عامة الناس مثل: متلازمة “غودباستشار” (مرض يعطي التهاب الشرايين مع إصابة الرئتين والكلي)، الفقاع (مرض جلدي يسبب فقاعات)، فقر الدم الانحلالي المناعي الذاتي، فرفرية نقص الصفيحات المناعي الذاتي، التهاب العضلات والتهاب الجلد، تصلب الجلد، فقر الدم الوبيل، التهاب كبيبات الكلى..إلخ.
هذه المشاكل غالبا ما تكون غير قابلة للشفاء بشكل دائم. لكن العلاجات تساعد إلى إبطاء أو إلغاء الاستجابة المناعية المرضية وتستند إلى مادة الكورتزون عن طريق الفم أو البلعة (الحقن في الوريد بجرعة كبيرة)، أو إلى مثبطات مناعية: (سيكلوفوسفاميد، آزوثيوبرين، الميثوتريكسيت، الميكوفينولات) والتبادلات البلازما وكذلك الغلوبولين المناعي ومؤخرا إلى العلاجات البيولوجية.
الكلفة الاقتصادية والبشرية

يتم التكفل بهذه الأمراض، بالإضافة إلى الطبيب العام، من قبل مختصين مختلفين وفقا للأعضاء المصابة (أخصائي أمراض الروماتيزم، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي، أخصائي أمراض القلب…) و/ أو أخصائي في الطب الباطني، وهو تخصص لا زال غير معروف في المغرب: يعالج هذا التخصص بشكل خاص المرضى الذين يعانون من مشاكل في أعضاء متعددة، أو يصابون في وقت واحد بالعديد من الأمراض، أمراض المناعة الذاتية هي في صميم مهاراته.
بشكل عام، تشكل هذه الأمراض مشكلة شديدة على صعيد الصحة العامة بسبب كلفتها الاقتصادية والبشرية لأنها السبب الثالث للاعتلال في العالم بعد أمراض القلب والشرايين والسرطانات، فهي تؤثر على حوالي 10٪ من سكان العالم وتحتل البند الثالث من ميزانية الصحة في البلدان المتقدمة.
معاناة النساء

أخيرا وليس آخرا، أمراض المناعة الذاتية تصيب الرجال والأطفال أيضا للأسف، لكن المرأة هي التي تتحمل غالبية هذا العبء في أكثر من ثلثي الحالات. وبالتالي فإن نسبة النساء المصابات مقابل الرجال المصابين هي في حالة مرض “غريفز” (فرط نشاط الغدة الدرقية) 7 نساء مقابل رجل واحد من المصابين، والذئبة الحمراء تصيب 9 نساء مقابل رجل واحد من بين المصابين، كما هو الشأن بالنسبة لمتلازمة “شوغرن”، التهاب المفاصل يصيب2.5 نساء مقابل رجل واحد، أما بالنسبة للتصلب المتعدد فالنساء يشكلن ضعف الرجال.
هناك القليل من أمراض المناعة الذاتية التي يحتمل أن يصاب بها الرجال على قدم المساواة أو أكثر من النساء مثل التهاب الفقار اللاصق، ومرض السكري من النوع 1، داء “فاغنر” والصدفية.
نتيجة لذلك، فإن النساء يقعن في صدارة أمراض المناعة الذاتية والتي يعد كثير منها قليل الانتشار أو نادرا!
وفي الوقت الذي تعد فيه هذه الظاهرة “الأنثوية” لأمراض المناعة الذاتية معروفة لدى المجتمع الطبي، إلا أن الجمهور المغربي لا يزال يجهلها إلى حد كبير، بسبب نقص التغطية الإعلامية. على عكس بعض البلدان الأخرى مثل الولايات المتحدة حيث أن الجمعية الأمريكية للأمراض المتعلقة بالمناعة الذاتية تقوم بدور كبير في هذا المجال، أمراض المناعة الذاتية تستحق أن تكون موضوعا لحملات توعية واسعة النطاق، حول المفهوم الشمولي للمناعة الذاتية وتجاه النساء، كما هو الحال بالنسبة للسرطان. اليوم العالمي للمرأة أو اليوم الدولي للصحة فرصة لمثل هذه المبادرات!

“أماييس” وتحالف الأمراض النادرة بالمغرب.. جهود متواصلة للتوعية

تتمثل أهداف الجمعية المغربية لأمراض المناعة الذاتية “أماييس”، التي تم إنشاؤها في عام 2010 بعد لقاء مع مجموعة من النساء المغربيات المصابات بمرض “شوغرن”، في تثقيف وتوعية الجمهور المغربي ووسائل الإعلام حول هذه الأمراض كفئة موحدة حتى يتم تشخيصها في وقت مبكر، وللمساعدة في رعاية أفضل وتعزيز البحوث والدراسات بشأنها.
 الجمعية تنظم بانتظام نشاطات مثل يوم المناعة الذاتية، واجتماعات الإكلينيكية البيولوجية مع الجمعية المغربية للبيولوجيا الطبية. تهدف الجمعية أيضا إلى تشجيع ومساندة المرضى والمساهمة في إنشاء من طرف المرضى أنفسهم لرابطات مثل ما كان الشأن مع الجمعية المغربية لمرضى السيلياك وحساسية الغلوتين، والرابطة المغربية للحمى العائلية المتوسطية، والجمعية المغربية لمرضى الوذمة الوعائية  أو رابطة الأشخاص الذين يعانون من الكساح المضاد لنقص فيتامين الفوسفات.
جمعية “أماييس” قامت كذلك بإنشاء تحالف الأمراض النادرة في المغرب في عام 2017  مع جمعيات أخرى لمرضى الأمراض نادرة حيث تقوم هذه الجمعيات بتنظيم عدة أنشطة سنوية ودورية للتعريف بالامراض النادرة والتوعية بسبل الوقاية منها.

< د. خديجة موسيار (*)

(*) اختصاصية الطب الباطني وأمراض الشيخوخة، رئيسة تحالف الأمراض النادرة بالمغرب.

Related posts

Top