الهويات المزورة في ليبيا تهدد مسار الانتخابات

 فجّرت أطراف في المشهد الليبي قضية جديدة تتعلق بالكشف عن تزوير واسع في الأرقام الوطنية للمواطنين، مما يثير المخاوف من عرقلة جديدة أمام إجراء الانتخابات، فيما تواصل لجنة 6+6 المشتركة بين مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، والخاصة بإعداد القوانين الانتخابية، لقاءاتها بالجهات المعنية بالإعداد للعملية الانتخابية.

وكشف النائب العام الليبي الصديق الصور، عن ضبط حالات تزوير واسعة في منظومة الرقم الوطني الخاصة بالأرقام الوطنية للمواطنين.

وقال الصور في مؤتمر صحافي عقده في طرابلس مساء الجمعة إن هناك شواهد وأدلة تثبت التزوير في منظومة السجل المدني، أثر على المنظومات الأخرى، التي تعتمد بياناتها على السجل المدني، مثل: وزارة المالية، والضمان الاجتماعي، ومنظومات الجوازات، ومنح الأسر بالمصرف المركزي.

وأوضح الصور أن النيابة العامة أشرفت على شطب عشرات آلاف الأرقام الوطنية، الأمر الذي ترتب عليه تجنيب الدولة خسائر مالية كبيرة، إذ كانت تصرف لهم مرتبات ومنح وجوازات سفر، وأفاد بأن هذه التجاوزات أحدثت ضرراً جسيماً بالمال العام، وسببت إخلالاً كبيراً بالثقة العامة لوجود جوازات مزورة.

وقرّر النائب العام الليبي، تشكيل لجان برئاسة 160 عضو نيابة، لفحص منظومة السجل المدني، منوّهاً بأن اللجان المشكلة، تضم في عضويتها ضباطاً من مصلحة الأحوال المدنية، وجهاز البحث الجنائي، لفحص منظومة السجل المدني، ومضاهاتها بالأوراق الرسمية.

وبحسب النيابة العامة، هناك شحنة من المستندات التي لا تقبل التزوير، ستصل أول شحنة منها الأسبوع المقبل، بعد ذلك ستنطلق اللجان المشكلة لبدء أعمالها، في فحص ومراجعة منظومة الرقم الوطني.

وبيّن النائب العام رصد آلاف المواطنين، الذين يتقاضون رواتب بأرقام وطنية مزورة، غير مقيدة بمنظومة الأحوال المدنية، من جملة مليونين و14 ألفاً و908 مواطنين، يتقاضون رواتبهم من الدولة الليبية، مبرزاً أن عدد الأرقام الوطنية غير الصحيحة بلغ 88 ألفاً و819، استفادت من نحو 208 ملايين دينار.

ويأتي القرار بعد قيام جهاز البحث الجنائي الليبي فرع بنغازي بضبط عدة عمليات متتالية ضد وافدين من الجنسية المصرية والسودانية والجنوب أفريقية، انتحلوا الهوية الليبية عبر تزوير أرقام وطنية ووضع عائلي (الكتيب العائلي)، وفق ما جاء في الصفحة الرسمية لإدارة البحث الجنائي في ليبيا على فيسبوك.

ووصف وزير الداخلية الأسبق والمترشح الرئاسي عاشور شويل، موضوع امتلاك أجانب لأرقام وطنية ليبية بـ”القنبلة الموقوتة” التي من الممكن أن تنفجر في وجه الدولة بأي لحظة، لافتاً إلى أن الأمر “يهدد ثروات ليبيا التي يتركز الجزء الأكبر منها بالجنوب على غرار الذهب والمياه الجوفية، وكذلك الثروات النفطية وخصوبة الأراضي الزراعية”.

ونوّه شويل بأن “المحاولة الأخيرة لمنظمة ‘أراغاتشي الإيطالية’ التي يربطها تعاون مع المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة في البحر الأبيض المتوسط، لدمج المهاجرين غير الشرعيين في الجنوب الليبي هو أكبر دليل على أهمية الجنوب، الذي تعصف به رياح التغيرات الديموغرافية القادمة من الدول الغربية”.

وقال شويل إن “تجنيد النائب العام 160 عضو لجنة نيابة لبحث موضوع تزوير الأرقام الوطنية دليل كاف على خطورة المسألة التي تمس بشكل أو بآخر سيادة الدولة الليبية، بخاصة أن البلاد قادمة على انتخابات رئاسية وبرلمانية، والرقم الوطني هو مفتاح الدخول للبيانات الرسمية للمواطنين الليبيين”.

ولم يخف وزير الداخلية الأسبق خوفه من سحق العملية الانتخابية على خلفية وجود هذا الكم من التزوير في الأرقام الوطنية، داعياً الأقطاب السياسية والأمنية إلى التوحد وتجاوز الانقسامات، لافتاً إلى أن “الذي شجع على تزوير الأوراق الثبوتية، الإغراءات التي تقدمها الحكومات المتصارعة للبقاء، والتي تأتي على هيئة منح مالية للزوجات وأرباب الأسر والطلبة، وهو ما فتح الباب لاستغلالها وخرق منظومة الرقم الوطني لحصول الوافدين الأجانب على أوراق ثبوتية للتمتع بهذه الامتيازات”.

وحذر شويل من “تحول هذا العدد من الأجانب الحاملين لأرقام وطنية مزورة إلى قوة لتهريب السلاح والمخدرات، والقيام بالجرائم المنظمة، مستغلة الأداء السياسي الضعيف للدولة التي أنهكتها الانقسامات بين السلطات العسكرية والتشريعية والأمنية”.

ودعا شويل مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية، وعلى رأسها مكتب النائب العام، إلى الضرب بيد من حديد ضد هذه التجاوزات في حق الأمن القومي الليبي، بخاصة أن القانون الليبي صريح في مثل هذه المسائل، إذ تنص عقوبة جريمة التزوير في المنصوص عليها في المادة 435 من قانون العقوبات أن “أي شخص تثبت إدانته بالتزوير يكون عرضة للسجن لمدة أقصاها 10 سنوات طبقاً لنوع جريمة التزوير في القانون الليبي”.

وفي تعليق له على تصريحات النائب العام، اعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أنّ غياب الدولة منذ سنة 2011 كان سببًا رئيسيًا في عملية تزوير الأرقام الوطنية والسجل المدني، وقال “أغلب المزورين هم مجموعات منخرطة في الأجهزة الأمنية المنتشرة في البلاد”، مشدداً على ضرورة تحرك الحكومة في طرابلس “بشكل عاجل في هذا الملف”.

وتزامن إعلان النائب العام الليبي الصديق الصور مع لقاء جمع الممثل الخاص للأمين العام عبدالله باتيلي بأعضاء لجنة 6+6 السبت بمقر البعثة في طرابلس، لتبادل الآراء حول القضايا المتعلقة بإنجاز الإطار التشريعي للانتخابات. بحسب بيان للبعثة الأممية في ليبيا.

ووفقاً للبعثة الأممية، فقد شدد باتيلي، على أهمية دور اللجنة ومسؤولياتها في إصدار القوانين اللازمة لإجراء انتخابات شاملة في البلاد.

وجدد باتيلي عرض البعثة لتقديم كل دعم ممكن لتمكين اللجنة من إنجاز مهامها في أقرب الآجال.

ووفق اتفاق مجلسي النواب و”الدولة” كُلفت لجنة “6+6” بإعداد قوانين انتخابية “توافقية” تجري عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة بين حكومة عيّنها مجلس النواب مطلع عام 2022 برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

وكانت اللجنة قد بدأت، منذ الأحد الماضي، سلسلة من اللقاءات مع الجهات المعنية بالعملية الانتخابية، والتقت، خلالها، برئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، الذي أكد على استعداد المفوضية لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، مشيراً إلى أنّ المفوضية قدّمت إلى اللجنة مقترحات تتعلق بالأمور الفنية التي يجب تضمينها في القوانين والتشريعات الانتخابية.

والخميس الماضي، أجرى باتيلي مشاورات منفصلة مع رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح، وخالد المشري، مشيراً إلى أنه اتفق معهما على الضرورة الملحة لتسريع وتيرة عمل لجنة 6+6 في إعداد الإطار التشريعي للانتخابات الشاملة. وأضاف أنه كرر دعوته “لجميع القادة الليبيين لتقديم التنازلات الضرورية للوصول إلى انتخابات شاملة”.

وكان عضو ممثلي المجلس الأعلى للدولة بلجنة 6+6، فتح الله السريري، قد أفاد بأنّ اللجنة على تواصل “يومي” في طرابلس مع الجهات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، مشيراً إلى أنّ من بين تلك الجهات السجل المدني، ومفوضية الانتخابات، ومصلحة الإحصاء.

وأكد السريري، في تصريحات صحافية، أنّ اللجنة لم تخض حتى الآن في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، مضيفاً أنّ “اللجنة ما زالت تعمل على الانتخابات التشريعية أولاً، وهي انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، قبل الاتفاق بين الأعضاء على الانتخابات الرئاسية”.

Related posts

Top